المحتوى الرئيسى

الخيانة وجهة نظر لا يحاسب عليها عرف أو قانون بقلم: برهان السعدي

03/22 21:51

الخيانة وجهة نظر لا يحاسب عليها عرف أو قانون بقلم: برهان السعدي عواصف الإزاحة في الوطن العربي تحمل الكثير من المتغيرات، التي بحاجة إلى وقفة مع الذات والنحن، فالمفاهيم تغيرت، والنفسيات التي صدأت مازالت آثار الصدأ ماثلة وعالقة في خلجاتها وجنباتها . عوامل إزاحة سياسية تكررت في أقطار عربية، أخذت مساحة كبيرة في الإعلام وخاصة الفضائيات، مطلقين عليها عدة مسميات أو مصطلحات منها تغيير سياسي وثورة جماهيرية أو شعبية، وحركة إصلاحات ديمقراطية وسياسية، ودعوات لانتقال سلمي للسلطة، وغير ذلك. ويشير مؤشر البوصلة أن الأحداث في الوطن العربي تسير لتحقيق سيناريو واحد، كل منها يشكل مشهدا جزئيا من الصورة الكلية، والماسترو الذي يحمل عصا جوقات الدراما المتعددة، يقف في غرفة معتمة يحرك عصاه عبر الفيس بوك، فتتحرك الجوقة بانتظام ليردد الملأ ما تنتجه الجوقة من معزوفة غنائية عذبة، ترق لها القلوب، وتترنح لها العقول والخصور. وتختلط التحليلات القارئة للواقع، كل حسب هواه ورغبته وأمنيته في مصلحة تعتصر قلبه وشجاه، وهذا أمر مشروع، مادامت المقاهي العربية هي مراكز التحليل السياسي، بعد أن أرستها فضائيات الإثارة على شواطئ اللا استقرار وانعدام الثقة بالذات والممكن. لكن الأكثر استفزازا للفكر السليم، والنفسية المتحررة من أمراض الحقد والشيزوفرينا، هو التراكم في الأحداث على الساحة الليبية، بعيدا عن حب وكراهية. فالقذافي له من التناقض مع الجماهير العربية وجماهير شعبه والحكومات الرسمية العربية ما لا يمكن حصره في كتاب، ورغم ذلك، فإن جماهير ليبيا وأحرارها لهم الحق في التعبير عن وجهة نظرهم، ولهم الحق بإحداث تغييرات سياسية وديمقراطية في قطرهم، فكما كان للقذافي حق بانقلاب على الملك إدريس السنوسي، معتبرا ذلك حتى اللحظة ثورة، فلغيره أيضا من سكان بلده نفس الحق، ولن يسقط هذا الحق بغير إصلاحات دستورية يقرها الشعب الليبي باستفتاء عام . وما دام لم تحصل إصلاحات ديمقراطية، أو إصلاحات سياسية وإطلاق للحريات بمختلف أشكالها التعبيرية التي تكفل حق المواطن بمشاركة سياسية، مع عدم وجود دستور غير الكتاب الأخضر الذي يمثل وجهة نظر القذافي نحو مختلف القضايا، ووجود عقابات سخيفة على حد وصف سيف الإسلام بن معمر القذافي، فإن عدم انتفاضة جماهيرية للإطاحة بهذا النظام وأنظمة مماثلة هو المستهجن والمستغرب، والذي يدعو إلى التشكك في صدق الحس الجماهيري الفطري، أو بوصلة الجماهير، وبالتالي التشكك في قدرة الجماهير، والاعتقاد بتدجينها من قبل أنظمة حاكمة لأعناقها. وحصلت هذه الهبات الجماهيرية، التي يبتهج لها المواطن العربي، إن خرجت هذه الحركات عن مراكز التوجيه الخارجية، وعاش المنتمي لقضاياه العربية لحظات اختلاط الأمل بالقلق، أمل بظهور قوى عربية مناصرة للقضايا العربية وحقوق الأمة المهدورة والمسلوبة والمنتزعة من قوى باغية ظالمة عدوانية، وقلق مما يحمله المستقبل من عوامل تأثير مجهولة في القرار العربي والمصير العربي، والقلق من أن تسرق ثورة الجماهير فتبقى هذه الحركات والثورات عوامل إزاحة لحاكم أم حكومة فيحل محلها حاكم أو حكومة بمواصفات مغايرة لهدفية الجماهير المحتفلة بنصرها. وفي كل الظروف والمعايير، نجد ما حدث على الساحة الليبية مختلفا عن غيره من الأحداث في الساحات العربية المجاورة، فسرعان ما تحولت الحركة الرافضة لنظام القذافي إلى حركة مسلحة، تهاجم مقرات النظام، وتصادر أسلحة، سواء كانت مبادرة في ذلك أو ردة فعل، أو حفاظا على الذات، فهي بهذا تنحرف عن سيرورة الجماهير في مصر وتونس. واستطاع القذافي أن ينظم كتائبه لاسترداد المدن والمواقع من معارضيه، وكاد أن ينجح في اكتمال الدائرة، ورغم ذلك، فإن نصر أية ثورة لا يكون باعتمادها على قوى البغي والعدوان الغربي والأمريكي، فأمريكا ليست صديقة للشعوب ولا للحريات، وجميع الدول الاستعمارية كذلك. فالتوجه بنداءات إغاثة لتدخل أمريكي أوروبي بفرض حصار جوي وضربات عسكرية خاطفة ومحدودة، يشكل عمل معاهدات وأحلاف بين الشعوب وقوى الاستعمار، من أجل ضرب خصمها في الحكم، وهذا يعني تماما، بنقل المشهد على الساحة الفلسطينية، أنه إذا لم يكن بإمكان السلطة الفلسطينية حسم الموقف مع انقلابيين في غزة، مشروعية الاستعانة بالمحتل – العدو الصهيوني- ليمكنها من التخلص من الضلاليين الخارجين عن القانون والممارسين قتل المدنيين، أو العكس، فما دامت حركة حماس لم تستطع حسم الضفة الغربية لصالحها ممن تصفهم بصفات الخروج عن الوطن والثوابت، أو ملاحقة عناصرها أو ما شابه، فهنالك مشروعية لها حسب هذا المنطق الاستغاثة بإسرائيل ضد السلطة أو غيرهم من الخصوم الحزبيين أو السياسيين. وهذا هو نهج الخيانة والارتماء بحضن العدو والاستعمار، وهذا يبرر للعملاء خيانتهم، ولمليشيات حداد أو لحد خيانتها وتعاونها مع المحتل. وبهذا المنطق، لا يمكن إدانة بعض الساسة اللبنانيين أو غيرهم الذين ورد ذكرهم في وثائق ويكيليكس، لأنهم طلبوا من الإسرائيليين مواصلة الحرب على لبنان كي لا يخرج حزب الله الشيعي منتصرا في لبنان، ولا يمكن أن نحاكم روابط القرى لخيانتهم وتعاملهم مع المحتل، وهذا الفهم يذكرنا بمقولة الشهيد القائد أبو إياد " صلاح خلف " أنه أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر. إن الخطورة في هذا الأمر، أنه يقتل المشاعر، ويجيرها في وقائع مناقضة للشعور والوجدان العربي، فيجعل الأيدي تصفق لغارات فرنسا والدانمارك وأمريكا، ويجعل شبابنا المتحمسين لاسم الحرب على ليبيا " فجر قرطاج"، هذا الاسم الذي يقطر كراهية وحقدا تاريخيا على وطننا العربي، بشرقه وغربه، فهم يثأرون لبلادهم المهزومة قبل آلاف السنين على أيدي قوات هاني بعل الذي دكت جيوشه أبواب عواصمهم، ولم يكتفوا بما اقترفوه في حينه، بل استيقظ شيطانهم ليكيل أحقادهم في أرض العروبة والإسلام تحت ذريعة حماية شعب ليبيا من حاكمه المستبد . إن خلاص الشعوب من أنظمتها، يكون بحركاتها الصادقة ذات الولاء للقضايا العربية والتحررية، بنفس القدر الذي تعادي فيه مصالح الاستعمار والامبريالية، وعليها أن تمتلك القوة وإرادة التغيير من الداخل، وأحرار وشرفاء العرب هم عوامل تغيير داخلية، ما دام الأصل هو المد الوحدوي والاستقلال والتحرر من كافة الأشكال الاستعمارية. لنتعلم من هذه الخطيئة، وأن لا يكون مكيافيللي قدوتنا ونموذجا لنا في التفكير والشعور في أن الغاية تبرر الوسيلة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل