المحتوى الرئيسى

مصطلحات ودلالات وتعلبقات - 15 (المرتزقة) بقلم:ياسين السعدي

03/22 20:20

هدير الضمير مصطلحات ودلالات وتعليقات - 15!! (المرتزقة) ياسين السعدي (المرتزقة) مصطلح قديم ولكنه تردد كثيراً في أيامنا هذه في وسائل الإعلام خلال الأزمة الليبية التي تعصف بليبيا الشقيقة؛ حيث استقدم النظام أعداداً كبيرة منهم للاستعانة بهم في مواجهة الغضب الشعبي الذي انفجر في السابع عشر من شباط الماضي، ويتصاعد بشكل عنيف ويزداد عنفاً ودموية، بحيث يخشى من تطور الوضع ويصير حرباً أهلية وتدخلات أجنبية. المرتزقة للجمع واحدها مرتزق. وهي لفظ يعني الباحث عن الرزق. والبحث عن الرزق الحلال والكسب المشروع، مما حض عليه الإسلام، وطلب من المسلمين أن يبحثوا عن الرزق بجد وجهد وهمة ونشاط. كلمة (الرزق) مصدر من الفعل الماضي الثلاثي (رزق) بفتح حروفه الثلاثة، والمضارع منها يرزق. واسم الفاعل الرازق، وصيغة المبالغة منها الرّزّاق، وهي من أسماء الله الحسنى. وكلمة الرزق بمشتقاتها وردت كثيراً في القرآن الكريم. قال تعالى في الآية 37من سورة آل عمران (... كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب). وقد حض الإسلام على السعي في طلب الرزق، فقال تعالى في الآية 15 من سورة الملك: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً، فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه، وإليه النشور). والآيات كثيرة التي تتحدث عن الرزق. أما في الشعر فقد قال الشاعر معاتباً صاحب نعمة لم يحصل منه على ما كان يأمل: لستَ الملومَ، أنا الملومُ لأنني ***** أمَّلتُ رزقاً غير درب الخالق وقال بشار بن برد: وما ضاق رزق الله عن متعفف ***** ولكن أخلاق الرجال تضيقُ وقال يزيد بن الحكم الثقفي: رأيت السخيَّ النفسِ يأتيه رزقه ***** هنيئا، ولا يُعطى على الحرصِ جامعُ وكل حريصٍ لن يجاوز رزقِه ***** وكمْ من مُوَفّى رزقُهُ وهو وادعُ وقال الشاعر: يخيب الفتى من حيث يُرزقُ غيره ***** ويُعطى الفتى من حيث يُحرم صاحبهْ ويطول بنا الحديث عن الرزق، ولكن لا يجب أن يغيب عن الذهن أن الله هو الرزاق: ( ... يرزق من يشاء بغير حساب). طلب الرزق قلنا إن الإسلام يحض على طلب الرزق. وليس طلب الرزق محصوراً في مكان محدد؛ فقد يكون في خدمة الأرض في الزراعة، وقد يكون مما يصطاده من خيرات البحر من السمك، وقد يكون من صنعة يدوية يحصل على رزقه منها، وقد يكون من مهنة من المهن الكثيرة التي يعمل بها المرء لكي يحصل على رزقه من وظيفة أو عمل في دائرة أو مصنع أو تجارة يجني منها الربح الحلال. ومصادر الرزق واسعة لا مجال لحصرها. أما أكثر المصادر التي بارك الله فيها، فهي مما يكسبه المرء من كد يده وعرق جبينه، وإن لم يحدد الإسلام مصدراً، معيناً ما دام المصدر باباً من أبواب الرزق الحلال. لكن مصادر الرزق التي تأتي عن طرق لا يقرها الشرع، ولا يرضى بها الدين وحرمها الله، فهي ما أطلق عليه الرسول الكريم (السحت). وكلنا نعرف مثل تلك المصادر ويعرف الحلال منها والحرام. لكن أسوأ مصادر الرزق ما يتم الحصول عليه مما يأنفه الطبع السليم، ويرفضه الدين القويم، ولا تقره القوانين التي يضعها الإنسان من أجل حماية المجتمع والمحافظة على سلامته، ولا أظن أننا بحاجة لذكر الأمثلة. لكن من مصادر الرزق التي ينكرها الدين ولا يقرها الشرع ويعاقب عليها القانون؛ ما يقوم به بعض المنحرفين من الناس من جرائم لحساب غيرهم مقابل مبالغ مالية، أو منافع يحصلون عليها مقابل ما يقومون به. نقرأ دائماً عن قضايا تصفية الخصوم السياسيين والمعارضين لزعيم أو رئيس أو مسئول، أو حتى لرجل أعمال. وهذه ظاهرة معروفة تماماً في المجتمعات التي تسودها الفوضى ودكتاتورية النظام. ويتم الكشف عنها عادة بعد زوال النظام، أو بعد الإطاحة بالزعيم، كما نعرف من حوادث الاغتيالات التي ينفذها مأجورون أو مأمورون لصالح هذا النظام أو ذاك الزعيم. وأمثال هؤلاء هم المرتزقة الذين يطلبون الرزق عن طريق تأجير أنفسهم لتنفيذ هذه المهمات الإجرامية. أما المرتزقة الذين يتم استئجارهم من قبل أنظمة أو زعماء للمحاربة في صفوفهم ضد خصومهم، فهم أسوأ أنواع المرتزقة؛ لأنهم يقومون بأفعالهم بصورة لئيمة مكشوفة، ومن غير حساب لما قد يترتب على أفعالهم، لأنهم قد احترفوا هذا النهج وأدمنوا عليه ويعملون بغير ضمير يوبخهم، ومن غير دين يردعهم. المرتزقة الذين يتم استئجارهم في الحروب ليسوا مجرد أناس منحرفين لا يخافون الله ولا يعرفون مبادئ الأخلاق فقط، فهم في الأغلب ممن تمرسوا في عملهم ولهم خبرة في مثل هذه المواقف يتم استحضارهم بناء على معلومات تكون معروفة عنهم، ويتم الاتصال بهم عن طريق وسطاء أو سماسرة، هم أيضاً لهم خبرة في عملهم. تنشط أعمال المرتزقة عندما تحدث الحروب الأهلية خاصة، فيتم استقدامهم من خارج الوطن، كما حدث في الحرب الأهلية في جمهورية الكونجو الديموقراطية (زائير) الإفريقية في ستينات القرن الماضي، ومحاولة سلخ مقاطعة كاتانجا بقيادة مويس تشومبي، الذي كان المستعمرون الأوروبيون الطامعون بخيرات الكونجو يزودونه بالمال والمرتزقة من الرجال. ويكون هؤلاء المرتزقة عادة من العسكريين السابقين في جيوش معروفة، وبعد انتهاء خدماتهم يمارسون عمل المرتزقة لمساعدة الطرف الذي يدفع لهم ويستأجرهم. في الصراع الدائر بين نظام القذافي والثوار الليبيين، تردد اسم المرتزقة كثيراً، وتردد أنهم من الدول الإفريقية في الأغلب. ولكن هذا لا ينفي وجود بعضهم من الدول الأخرى. فقد قيل إن النظام استعان بالطيارين المرتزقة من أوكرانيا، وقد يكون من غيرها كذلك. حتى الذين يعملون في نظام متسلط على شعبه مغتصب للسلطة، ويقومون بأعمال غير قانونية وينفذون تعليمات ظالمة، هم مرتزقة حتى لو كانوا يحملون جنسية البلد الذي يعيشون ويعملون فيه، لأنهم يمارسون ما يقوم به المرتزقة من الأعمال التي تسيء إلى الوطن والمواطن. وعليه نفهم لماذا تم توجيه تهمة القتل العمد لوزير الداخلية التونسي في عهد زين العابدين بن علي. ونفهم كذلك لماذا تم تقديم وزير الداخلية المصري زمن مبارك، حبيب العادلي، إلى المحكمة الجنائية ووضعه في قفص المجرمين، وإلقاء القبض على أربعة من قادة وزارة العادلي بتهمة القتل أثناء الاحتجاجات ضد نظام مبارك. وهكذا، يمكن أن نعتبر كل الذين يقومون بقصف المواطنين الليبيين من المرتزقة، سواء كانوا ممن استقدمهم النظام من الخارج، أم من الذين يخدمون في كتائب القذافي من المواطنين. ويرحم الله كل الذين قتلهم نظام القذافي، وأولهم الذين رفضوا إطاعة النظام بضرب مواطنيهم، فقام مرتزقة القذافي بتصفيتهم بالرصاص وهم مكبلون. نشرت في جريدة القدس يوم الإثنين بتاريخ 21/3/2011م؛ صفحة 44 [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل