المحتوى الرئيسى

> هي الديمقراطية المصرية بالباء ولا بالنون؟

03/21 21:19

أثناء ثورة 25 يناير لم يخف علي أحد مدي حالة التذبذب وحالة التردد اللتين كانتا تنتابان كثيرا من السياسيين والمفكرين والكتاب والصحفيين والإعلاميين والفنانين، وغيرهم من فئات الشعب المصري، مما جعل بعض هؤلاء يمسك بالعصا من المنتصف، فكان بعضهم أثناء الثورة يقول كلاما في المساء ثم يقول نقيضه في الصباح، ويقول تصريحا في هذا البرنامج ويقول نقيضه في برنامج آخر، وكانوا يفعلون ذلك حتي إن رجحت الكفة لصالح الرئيس مبارك ونظامه يكونوا هم في السليم، وإن رجحت الكفة لصالح الثورة يكونوا هم كذلك في السليم، كي يتمكن أحدهم بعد أن يقضي الأمر أن يقسم بالله جهد إيمانه أنه كان يؤيد الطرف الفائز والتصريحات تشهد بذلك. ففي أثناء الثورة وفي ظل ذلك التردد وتلك الذبذبة وجدت علي أحد المواقع الإلكترونية رسما كاريكاتيريا يعبر عن هذه الحالة حول مفكر سياسي مصري بارز وهو يدلي بتصريح يقول فيه: (إشاعة المليارات السبعين دي كذب.. وأنا عضو قيادي في الحزب الوطني المعادي للشعب، وقد قدمت استقالتي من الحزب للسيد الرئيس الشرعي مبارك، إللي لازم يمشي ويسمع كلام الشعب ويستقيل، وأنا أتهم الإخوان لأنهم همه إللي طلعوا شباب الفيسبوك الغوغائيين في المظاهرات المليونية المشرفة لنا، وأنا زي ما قلت أنا مع ثورة الشباب في ميدان التحرير إللي مليان شباب مندسين علشان ياكلوا كنتاكي). وقد وضع صاحب الكاريكاتير تعليقا تحته يقول: (فهمتوا حاجة يا جماعة؟ الراجل ده مع مين بالظبط؟). وفي المسرحية الشهيرة (شاهد مشافش حاجة) حين كان ممثل الإدعاء في المحكمة يسأل الشاهد (سرحان عبد البصير) ويقول: يا ابني: عبد البصير ولا عبد النصير؟ بالباء ولا بالنون؟ فرد عليه (سرحان) قائلا: (بالبون). هذا الرد هو تعبير حقيقي ووصف واقعي دقيق عن حالة التذبذب والتردد والجمع بين النقيضين والجمع بين المتنافرين التي يعيشها الآن دعاة (الدولة المدنية) من المثقفين والإعلاميين والكتاب والمسيحيين والإسلاميين المصريين عقب انتهاء الثورة وخاصة في الأسبوعين الماضيين السابقين للاستفتاء علي تعديل الدستور. أنا آخر فرد في الدنيا يفكر في أن يقبل بأن الإخوان المسلمين أو أي تيار إسلامي آخر أو أي تيار علماني أو ليبرالي يصل إلي سدة الحكم في مصر بطريقة ديمقراطية، أقول ذلك لأنني ضد فكرة الديمقراطية علي طول الخط، وأعلن ذلك في صراحة ووضوح، وسوف أبرر حيثيات رفضي لفكرة الديمقراطية في مقالاتي القادمة، وأقول ذلك أيضا ردا علي حالة النفاق الديمقراطي والعهر الديمقراطي والدعارة الديمقراطية التي تعيشها مصر هذه الأيام، فمثلا من يتابع برامج فضائية (البطريرك) نجيب ساويرس (ontv) يجد أن جل برامج هذه الفضائية تعمل لضرب الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية علي طريقة سرحان عبد البصير (بالبون)، ويمكن لأي مشاهد ملاحظة هذا في برنامج (بلدنا بالمصري) الذي تقدمه الأم الراهبة (ريم ماجد)، والبرنامج الشهير (مانشيت) الذي يقدمه الأخ العزيز (الأنبا) جابر القرموطي مطران (ontv) وبرنامج (آخر كلام) الذي انضم به إلي الخدمة مؤخرا الإعلامي الذي أقدره كثيرا الأستاذ (يسري فودة)، حيث تعمل هذه البرامج بطريقة ليبرالية ديمقراطية ولكن (موجهة)، وتتبني (الرأي والرأي الآخر) ولكن من حيث الشكل فحسب، إلا أن مقدمي هذه البرامج يعملون جاهدين علي تشويه الرأي الآخر وحصره في الزاوية والإيقاع به ومن ثم تخويف الناس منه وتحريضهم عليه، وغالبا ما يكون الرأي الآخر هو رأي الإخوان المسلمين، ثم في نهاية البرنامج يقومون بتلاوة الموشحات المعتادة من قبيل: (إحنا بنعرض وجهتي النظر، والخيار في الآخر للمشاهد)، وموشح (إحنا لا مع ده ولا مع ده وهي دي الديمقراطية)، بعد أن يكونوا قد قاموا بسلخ جلد الرأي الآخر ومصمصوا عظامه، بالضبط كما هي طريقة (قناة الجزيرة)، وأتمني ألا يكون القائمون علي قناة (ontv) قد نسوا البرنامج الوثائقي الشهير الذي حمل عنوان (المحظورة)، هذا الوثائقي الذي أعدته القناة خصيصا وعلي نفقتها الخاصة كهدية لجهاز (مباحث أمن الدولة) وقادة (الحزب الوطني) للتحريض علي جماعة الإخوان وتشويهها قبيل انتخابات مجلس الشعب الأخيرة قبل ثورة 25 يناير بشهرين. وكذلك من يتابع الصحف القومية والخاصة، وكذلك من يتابع البرامج الحوارية وبرامج (التوك شو) في القنوات الحكومية والخاصة في هذه الفترة سيفاجأ بمدي انتشار وتعمق وسيطرة ثقافة: (بالبون) علي مقدمي ومقدمات البرامج وعلي أغلب ضيوفهم، فلقد وجدت كلا من السيدة (دينا عبد الرحمن) في برنامجها (صباح دريم) المخصص فقط للهجوم علي الإخوان منذ عهد الرئيس مبارك، وتشاركها في ذلك السيدة (لميس الحديدي) في برنامجها (من قلب مصر)، والسيد أحمد المسلماني في برنامجه (الطبعة الأولي)، والسيدة (مني الشاذلي) في برنامجها (العاشرة مساء) والسيد (معتز الدمرداش) في برنامجه (90 دقيقة) والسيد (عمرو أديب) في برنامجه (القاهرة اليوم) والسيد (عمرو الليثي) في برنامجه (واحد من الناس) والسيدان (تامر أمين، وخيري رمضان) في برنامجهما (مصر النهاردة). لقد وجدت هؤلاء جميعا وغيرهم يرددون كل يوم في برامجهم: (يا جماعة إحنا بنطالب بالديمقراطية، وبنحب الديمقراطية، ولا نصادر علي رأي أحد ولا فكر أحد بس اوعوا الإخوان المسلمين)، (يا جماعة الديمقراطية بتحترم إرادة الناخبين بس خلي بالكم من السلفيين)، (يا جماعة الديمقراطية هي حرية الرأي والتعبير وقبول الآخر مهما اختلف معنا بس بنحذركم من فكر الجماعات الإسلامية). هذه الدعارة الديمقراطية هي ديمقراطية سرحان عبد البصير (بالبون)، هذه هي الديمقراطية التي تجمع بين النقيض ونقيضه، هذه هي الديمقراطية التي تجمع بين الدعوة إلي قبول الآخرين وإقصائهم في نفس الوقت، هذه هي الديمقراطية التي تجمع بين الدعوة إلي قبول كل الآراء والتحذير من بعض الآراء في نفس الوقت، هذه هي الديمقراطية التي يسير أتباعها علي خطي فرعون موسي في قوله: (ما أريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، هذه هي ديمقراطية نظام الرئيس (مبارك) وديمقراطية (أحمد عز) وديمقراطية (حبيب العادلي) التي شاءت الأقدار السيئة للشعب المصري أن يتصدر دعاتها توجيه الرأي العام في الإعلام منذ سنوات قبل الثورة ويظلون في مواقعهم كما هم بعد الثورة، رغم أنوف المصريين جميعا. (البقية تأتي).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل