المحتوى الرئيسى

مصرية أناصناعــة الديكتــاتور‮ !‬

03/19 22:46

هي صناعة ثقيلة‮ .. ‬وقد تكون أقل صناعة عرفها التاريخ منذ الديكتاتور الأول‮ .. ‬مادتها الخام من الطبيعة أيضا‮.. ‬لكنها ليست بترولا أو قطنا أو نحاسا‮ .. ‬إنها الغرائز السفلي حسب نظرية فرويد‮ .. ‬ومنطقة ما يسميه روجيه جارودي بالخلايا الزواحفية للدماغ‮.. ‬ولا بد لهذه الصناعة الثقيلة والباهظة من شروط ذاتية‮.. ‬في مقدمتها تضخم الذات وتورمها‮.. ‬وهي حالة من السرطنة السيكولوجية ومنها أيضا ضعف الخيال‮.. ‬بحيث يصدق هذا الديكتاتور كل ما يقال له ويسترضيه ويدلك عواطفه البدائية‮.. ‬فهو قد يقتنع بأنه خالد وبأنه من طينة أخري‮ ‬غير طينة البشر الفانين‮..!‬لكنه لو ترك لحاله قد يتحول إلي مجرد قاتل أو مجنون‮ .. ‬يؤدي التحية لنفسه أمام المرايا‮ ! ‬لكن الخبراء في هذه الصناعة يتولون زرع البذرة‮ .. ‬ورعايتها كي تتحول إلي شجرة تحجب الغابة‮ .. ‬وتبدأ المسألة بالعزف علي أشد الأوتار الغرائزية حساسية لدي الطاغية‮ .. ‬بحيث تصبح أخطاؤه معجزات‮ ! ‬وما يراه هو الحقيقة وكل ما عداه لا قيمة له‮.. ‬ونادرا ما يقيض للديكتاتور عبد من طراز ذلك العبد السومري الذي استيقظ من‮ ‬غيبوبة الوعي ليقول لسيده‮ .. ‬إنك سوف تموت أيضا‮ .. ‬وإن قتلتني الآن فسوف تلحقني بعد بضعة أعوام أو شهور أو ايام أو ساعات لأنك محكوم بالإعدام مثلي‮ !‬الفقهاء في هذه الصناعة الثقيلة والأخطر والأشد فتكاً‮ ‬بالإنسانية من أي سلاح نووي‮ .. ‬يزينون للطاغية ما يروق له‮ .. ‬فلا يسمعونه‮ ‬غير ما يشتهي سماعه‮ .. ‬ويحجبون عنه كل ما لا يسره‮ .. ‬ولديهم المهارة في الإختفاء بحيث يرتدون طاقية الإخفاء في يوم‮ ‬غضبه إن كان له يومان كالنعمان يوم بؤس ويوم نعيم‮ ..‬في الماضي اقترح صانعو الديكتاتور عليه وهو في طور الإحتضار أن يقتلوا عددا من المارة كي يدفنوا معه ويؤنسوا وحشته‮ .. ‬واليوم يفعلون الشيء ذاته لكن بصورة مختلفة تليق بالحداثة والعولمة وسائر تسميات القطيع الذي يقتسم جزرة واحدة وعدة عصي تلهب ظهور أفراده الملثمين‮ .. ‬وقد لا تكتمل العدالة لحظة محاكمة الديكتاتور إلا بإحضار هؤلاء الذين ألصقوا الريش علي كتفيه‮ .. ‬ولعقوا قدميه‮ .. ‬وسبحوا بحمده عندما كانت خزائنه مليئة‮ .. ‬لأنهم لا ينصرفون عنه إلا لحظة الإفلاس المالي والسياسي‮ ..‬هي صناعة قديمة وقد تكون أقدم من مهنة البغاء التي يقال أنها أقدم مهنة في التاريخ لكن ما طرأ عليها من تحديث وتطوير عصرنا جعلها في مقدمة الصناعات الكبري التي تكرس لها معامل نفسية‮ .. ‬وبلاغة جوفاء‮ .. ‬فالديكتاتور بمرور الوقت وتعاظم الجنون وتكاثر الزمارين والطبالين يفقد البوصلة‮ .. ‬ويفقد التوازن أيضا لأنه يخرج عن نطاق جاذبية الأرض والتاريخ‮ .. ‬وتصبح العدالة بالنسبة إليه هي توزيع الغنائم عليه‮ .. ‬وعليه ثم علي ذويه‮..‬أما كلمة الحق فهي مجرد مفردة ضالة من القاموس لا معني لها ولا دلالة لأنه يحتكر الصواب والجمال والخير‮ .. ‬نعرف كيف نفخ خبراء هذه الصناعة في البالونات الملونة حتي إنفجرت‮ .. ‬وكيف تخصصوا مثل دونكيشوت في رواية أخبار انتصاراته علي الناس‮ .. ‬وإذا كانت الشعوب ضحية الطغاة فإن الطغاة أيضا ضحايا هؤلاء الشياطين الذين يقولون لمن يتولي نعمتهم أن الشمس لا تشرق إلا من أجله ولن تغرب إلا اذا تعكر مزاجه‮..‬إنها صناعة ثقيلة‮ .. ‬لا تحتاج في فتكها النووي إلي يورانيوم مخصب أو زئبق أحمر‮!!‬

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل