المحتوى الرئيسى

تذكروا طارق

03/19 08:19

اليوم سأتذكر طارق الأقطش. ليس مهماً ما سأقوله، نعم أو لا، المهم أننى سأغمض عينىّ قبل أن أختار الإجابة، وأستحضر وجه طارق الأقطش، ثم أدلى بصوتى. ربما لا تعرفون طارق الأقطش، أنا أيضا لا أعرفه، لكننى أعرف أنه ضحى بحياته لكى أعيش فى وطن حر. لطارق الأقطش ابنتان، مثلى تماما، وربما مثلك، لكنه الآن ميت، ونحن جميعا أحياء، ولذلك لن يشغلنى رأيى ولا رأيك، ومن فينا سيقول نعم أو سيقول لا، كل ما سيشغلنى هو رأى ابنتَى طارق الأقطش عندما تكبران، وتنظران إلى صورة أبيهما المعلقة فى أكرم مكان تستحقه، وهل ستنظران إلى مصر وقتها وتقولان إنها أصبحت الآن كما كان يحلم أبوهما؟ اليوم سأختار الإجابة التى تجعل ابنتى طارق تكبران فى وطن حر متقدم عصرى متمدن لا يفرق بين مواطنيه حسب الدين أو الجنس أو العرق، وطن يستلهم قيم الدين ولا يدخله فى الصراعات السياسية تحت أى سبب، سأختار الإجابة التى تنحاز للخيال، فالشهداء ينحازون للخيال، لو كانوا واقعيين لما خرجوا من بيوتهم، ولرضوا بأنصاف الحلول، أنا لا أعرف طارق الأقطش، لكننى أعرف أنه انحاز للخيال، ولذلك سأنحاز أيضا للخيال، سأجرى وراء الأحلام، ولن أكون واقعياً، فالأوطان الكبيرة لا تبنيها سوى الأحلام الكبيرة. لن أنسى أبداً عندما اتصلت بى أسرة طارق قبل شهر من العثور على جثمانه فى مشرحة زينهم لكى أساعدهم فى العثور عليه، لن أنسى أملهم وقتها فى أن يكون معتقلا أو مختطفا أو مسجونا، لن أنسى كيف قمعت كل الأفكار التى بدت لى واقعية وقتها وجعلتنى أنصح صديقى المقرب من عائلة طارق بالبحث عنه فى المشرحة مع الجثث المفقودة، لن أنسى ثبات صوت زوجته عندما حدثتها بعد أن تلقت الأسرة الصدمة الكبيرة، ولذلك لن أنسى أن طارق وزياد بكير وكريم بنونة وأحمد بسيونى ورفاقهم من الشهداء ينظرون اليوم إلينا من علٍ وهم يطلبون منا أن ننحاز إلى أحلامهم فى وطن أفضل، ولذلك كله لن أفكر فى الواقع ومخاوفه وتحفظاته، سأفكر فى الإجابة التى ترضى أحلام الشهداء، وسأختارها على الفور. اليوم لن أُخَوِّن أحداً يختار عكس اختيارى، لن أحصر أحدا يخالفنى الرأى فى قالب معين، لن آخذ العاطل بالباطل، لن أمارس التخويف على من يختلف معى، فأنا أدرك أن مصر ستكون فى خير أياً كان الاختيار، بعد أن أصبح لديها شعب يمتلك الإرادة، لن أكون غوغائيا فى خلافى، لن أعيد إنتاج المستبد الذى كنت أحاربه، لن أزايد على أحد، لن أخاف من أحد أيا كانت السلطة التى يستند إليها، سواء كانت سلطة دين أو سلطة مال، سأتذكر كل الآراء التى استمعت إليها، لكننى قبل أن أختار الإجابة، سأتذكر شيئا وحيدا، سأتذكر وجه طارق. اليوم.. تذكروا طارق. [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل