المحتوى الرئيسى

صلاح صبح يكتب: يوم الامتحان تُكرم الثورة أو تٌهان

03/17 14:52

Select ratingإلغاء التقييمضعيفمقبولجيدجيد جداًممتاز  صلاح صبح تخيل نفسك قاعد في لجنة امتحان. الجو حر صحيح.. وما نمتش كويس بالليل.. وزهقان ومضغوط ده أكيد.. بس ورقة الأسئلة سهلة والحال ماشي تمام. تحل 3 أسئلة من الخمسة الإجباري وتلعب على النجاح وخلاص ولا تخليك ف المضمون وتحل كل الأسئلة بما فيها الاختياري، وأهو بالمرة تجيب مجموع كويس ويمكن البلية تلعب معاك وتطلع م الأوائل؟ أعتقد أن هذا هو الوضع فيما يخص الاستفتاء على التعديلات الدستورية. في كل الأحوال -وسواء كانت النتيجة نعم أم لا- فالحد الأدنى من فرص نجاح الثورة في استمرار تحقيق أحلامها مضمون، ولكن درجة الضمان متفاوتة بنفس المعدل بين طالب يحل كل الأسئلة، وآخر يجيب فقط على ما يضمن له مجرد المرور للسنة التالية، الأول نجاحه من المسلمات والثاني مروره قد يكون محل نظر، وربما يتطلب درجات رأفة، أو ملحق ولا دور تاني. إذ صوتَ بـ"نعم" فأنت من هذه النوعية من الطلبة الذين يفضلون النجاح بالحد الأدنى، ويخرجون بعد نصف الوقت مباشرة، أو عندما يسمح لهم المراقبون بالخروج، مع أنهم قادرون على حل كل الأسئلة، إذ أنهم سهروا وتعبوا وحصلوا كل المقرر من دون "تنشين". أما إذا اخترت "لا" فأنت من هؤلاء الطلبة "الدحيحة" الذين يفضلون الإجابة على كل ما في ورقة الأسئلة، بما فيها الاختياري، ولا يتركون مصائرهم عرضة لأي خطأ أو سهو من المصحح، ولا يمنحون المراقبون فرصة "لم الورق" مبكرا وفض لجنة الامتحان "بدري بدري علشان يشوفوا أشغالهم". لماذا؟ لن أكرر ما اتفق عليه الجميع سواء من فريق المعارضين للتعديلات الدستورية أو الموالين لها، من أن الثورة أسقطت النظام السياسي السابق في مصر، برموزه وشرعيته ودستوره وكل ما يرد على ذهنك من معالم العهد البائد، والخلاف الآن هل نقوم بـ"ترقيع" الدستور "الساقط" وإعادته إلى الحياة لفترة مؤقتة، تجرى خلالها انتخابات برلمانية ورئاسية وبعدها نبدأ التفكير في دستور جديد، أم نرفض هذه التعديلات ونطالب بدستور جديد الآن.. والآن تعني الآن، أي قبل موجة الانتخابات المنتظرة؟ أود هنا أن اعترف إنني –كغيري من جموع المصريين- أُصبتُ بحيرة مربكة خلال الأسبوعين  الماضيين.. هل أختار نعم أم لا، فالأمر مربك فعلا ومحير بكل تأكيد، ولكنها حيرة ممتعة على أي حال، وخصوصا مع تنامي الشعور بأن كل صوت له قيمة، وأن زمن الوصاية وتزييف الارادة إنتهى، كما أنها "ربكة"  نابعة من إحساس بالمسئولية تجاه الوطن ومستقبله.. ولم يكن سهلا أن أحسم أمري، وأختار "لا". لماذا لا؟ لأن مصر، وكما يفعل الطالب المجتهد الذي يسهر الليالي طلبا للعلا، دفعت ثمنا غاليا لثورتها.. مئات الشهداء، وآلاف الجرحى، وأضرار اقتصادية تقدر بمليارات الدولارات، وليس مقبولا بعد كل ذلك، أن تدخل الامتحان وتنجح "على الحروكرك" أو بالعافية، ليس مقبولا ألا يضمن الوطن لنفسه بكل السبل النجاح بتفوق، وقطع الطريق على أي مصحح غافل أو "باله مشغول" قد لا يمنحه العلامة الكاملة أو الدرجة النهائية. اختيار "نعم" تعني إننا "بنريح دماغنا": قمنا بثورة وهنعدل الدستور وكله هيبقى تمام. طيب أنا ليه ما أقولش "لا" وأضمن من دلوقتي دستور جديد في إيدي قبل الدخول في متاهات الانتخابات البرلمانية وبعدها الرئاسية. ثم لماذا أنتخب رئيس وأمنحه صلاحيات "نصف إله" وأتوسم فيه خير أنه هيطلع طيب ومحترم وابن ناس وهيتنازل بعد كده عن هذه الصلاحيات في الدستور الجديد؟ ومن أين أضمن أن الفصائل السياسية التي ستكون أكثر تمثيلا في البرلمان سوف تسمو على أغراضها، وتنحاز إلى المصالح العليا للوطن، وليس إلى رغباتها في الاستمرار في السلطة وتهيئة المناخ لنفسها لمزيد من المكاسب الانتخابية والسياسية مستقبلا؟ ليه ألعب ماتش كورة وأنا –كشعب- مدخل في نفسي جول؟ وليه أوافق قبل الماتش على اختيار حكم وأنا عارف أنه منحاز أو ذمته واسعه؟ والأهم من كل ذلك، أنه يتوجب علينا أن نستغل الروح الثورية الموجودة حاليا عند جموع المصريين في الاتفاق على دستور يتناسب مع مصر التي نتمناها.. روح الوحدة الوطنية والتضامن وحب الوطن والسمو فوق الأغراض السياسية والخاصة لكل الفئات، أما لو انتظرنا إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية، أعتقد أن هذه الروح سوف تختفي أو تقل-على أقل تقدير- لأن الانتخابات ومهما كانت مثالية سوف تخلق –بلاشك- مشاحنات بين الفصائل السياسية المختلفة، وحينها قد ندخل في متاهات البلد في غنى عنها، ولكم في  "الخناقات" العارمة التي شهدها "الفيسبوك" مؤخرا حول المادة التانية من الدستور، عبرة يا أولي الألباب. ثم أن الخائفين من البديل المطروح في حال رفض التعديلات الدستورية عليهم أن يطمأنوا، و"يحطوا في بطنهم بطيخة صيفي أول ما البطيخ يطلع"، لأن البلد "قامت قومتها" خلاص، ولن يستطيع أحد أن يسرق الثورة، لا الجيش ولا فلول النظام البائد. صراحة أنا لا أخشى على الثورة من الجيش ولا الفلول، لكن الخوف يأتيني من بين يدي ومن خلفي من الانقسام الداخلي واللعب على المصالح السياسية الضيقة. طبعا سوف تسأل ما هو البديل، لو اختارنا لا؟ أعتقد أن هناك العديد من البدائل المطروحة، لن أخوض فيها ولكنني أميل إلى فكرة تشكيل مجلس رئاسي مع استمرار الحكومة الانتقالية الحالية، ثم انتخاب لجنة تأسيسة تضع الدستور الجديد، وتفتح حوله حوارا مجتمعيا موسعا، ثم تعاد صياغته في ضوء ما سيسفر عنه هذه الحوار، تمهيدا لطرحه في استفتاء عام. بالطبع ستكون الفترة التي تسبق الاتفاق على دستور جديد صعبة، ولكنها لا تقارن بما قد تؤول إليه الأمور في حال التأجيل لما بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فالآن الملعب مفتوح أمام الجميع، ومن يجتهد اكثر في حب الوطن والسمو فوق أغراضه الخاصة، يمكنه أن يحرز أهدافا، والمستفيد هو الشعب الذي ستحاول كل الفصائل السياسية أن تكسب وده، باقتراحاتها المثالية لمواد الدستور النابعة من برامجها السياسية المثالية، وشعاراتها "البراقة" التي تشعر معها أننا سنعيش في المدينة الفاضلة، أما بعد الانتخابات فسيكون الفصيل أو الفصائل أو الجماعة السياسية صاحبة التمثيل الأوسع نطاقا في البرلمان تمارس السلطة بالفعل، ومن الطبيعي أن تفرض أجندتها ورؤيتها، والفارق شاسع بين الحالتين بكل تأكيد.  المصريون ذاكروا كويس وسهروا سنين وليالي طويلة في انتظار هذا اليوم (الامتحان/الاستقتاء) ولابد أن يقوموا بحل كل الأسئلة ويقولوا "لا". لأنه ليس مقبولا الآن بعد كل هذا التعب والثمن الفادح الذي دفعناه، أن نخرج من اللجنة قبل إتمام المهمة بالشكل الأمثل، لمجرد إننا "زهقنا". لابد أن  نتحلى بالصبر حتى نبدأ عهدا جديدا "على نضيف"، ونؤسس دولة مدنية السيادة فيها للشعب والجميع أمام قانونها سواسية، كما نحلم جميعا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل