المحتوى الرئيسى

تضامناً مع طلبة أحرار سيضربون عن الطعام اليوم: أنقذوا كلية الإعلام من الدكتور مشتاق

03/17 08:15

لو حكى لى أحد هذه الحكاية لما كنت قد صدقتها، لكننى رأيتها بوالدة عينىّ ومع ذلك مازلت أصدقها بصعوبة. كنت أحضر قبل شهر اجتماعا دعا إليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة خليطا غير متجانس من الكتاب والمثقفين (أظننى صدعتك بالحديث عنه كذا مرة)، وشرفت بالجلوس فى ركن إلى جوار الأساتذة الكبار فهمى هويدى وعمرو الشوبكى وحسن نافعة وجلال عامر وضياء رشوان وسعد هجرس، وعندما جاء الدور فى الكلمة على الدكتور سامى عبدالعزيز عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة وأحد قيادات الحزب الوطنى الإعلامية البارزة وعضو لجنة السياسات المشبوهة والذى قام قبل نجاح الثورة بمهاجمة ثوارها أصحاب الأجندات الخارجية، لذلك فوجئت عندما امتطى سيادته الميكروفون وألقى خطابا حماسيا فى هجاء عهد مبارك الذى ساده الفساد والظلم والزيف والنفاق، مادحا ثورة يناير التى أنقذت البلاد والعباد من مبارك وعهده، وكان حديثه مؤثرا لدرجة أننى أصبت بفقدان مؤقت للذاكرة، و«مَيّلت» على الصديق عمرو الشوبكى وسألته «معلهش فكرنى.. هو إحنا كنا معارضين لمبارك ولا مؤيدين له؟». للأمانة لم ينفرد الدكتور سامى بذلك الموقف الفريد فقد شاركه فيه عدد من مثقفى العهد البائد والبائخ الذين حضروا اللقاء، لكنه تفوق عليهم عندما قدم فى كلمته ما يشبه عرضحال لطلب وظيفة، حين طالب المجلس الأعلى بأن يستعين فى صياغة خطاباته الإعلامية بمن وصفهم بالمحترفين فى الإعلام للتأثير على الرأى العام والوصول إلى قلوب الناس، ثم انصرف بعد قليل من إلقاء كلمته التى كان ذلك الطلب فيما يبدو هدفها الأساسى، وعندما جاء دورى فى الكلام قلت ضمن كلام كثير قلته فى مداخلتى إننى مستعد أن أتوسل إلى أعضاء المجلس ألا يستجيبوا لطلب الدكتور سامى، لأننى أخشى ما أخشاه أن يتم فتح الأبواب لدخول مثقفين يقومون تحت اسم مساعدة المجلس بأدوار يوظفون فيها خبراتهم فى صناعة الطغاة، وأنه حتى لو كان كلام البيانات العسكرية زى الدبش فهو كالعسل على قلوب الناس طالما كان صادقا ولم يتدخل فيه محترفون يصيغونه من منطلق السبوبة، ولقى كلامى ترحيبا من أعضاء المجلس وأغلب الأساتذة الحاضرين، وكنت أتمنى أن يكون الدكتور سامى موجودا لكى يسمعه، ولعلى أكون قد حققت أمنيتى الآن. يبدو لى أن الدكتور سامى ينتمى إلى فئة من «المحترفين» يراهنون دائما على ضعف ذاكرة الجماهير، ولذلك فهم قادرون على التقافز من فريق إلى فريق حسب مجريات المباريات السياسية، مستعينين على ذلك بقدر مهول من الدماثة البلاستيكية، وهى تختلف كثيرا عن الدماثة الأصيلة، لأنها تنحصر فى قدرة صاحبها على امتلاك أكبر قدر ممكن من أرقام التليفونات ضمن «إنديسك» موبايله، وتوظيف هذه الأرقام لخدمة مشروع شخصى ليس هناك عيب أن يمتلكه الإنسان شريطة ألا يتصدى للعمل العام سياسيا وإعلاميا، لأن ذلك التصدى يوجب عليه أن يتخلى عن عقلية رجل العلاقات العامة الذى ينحصر هدفه فى ترييح السلطة وتحييد المعارضة، ليكون صاحب موقف واضح يتحمل نتائجه وتبعاته، ويختار فى لحظات الأزمات أن يتخلى عن روح العلاقات العامة من أجل الصالح العام. لكن مشكلة الدكتور سامى أن الله رزقه بطلاب وأساتذة فى كلية الإعلام كانوا جزءا أصيلا من ثورة يناير التى خرجت لكى تسقط نظاما متكاملا من الفساد والاستبداد وعدم الكفاءة، ولذلك فقد رأوا أن نجاح الثورة لن يكتمل ببقاء بوق إعلامى لنظام الفساد والاستبداد على رأس كلية رأى يفترض أن خريجيها سيقودون الرأى العام، ولا يليق أن يكون على رأسها فى عهد الثورة رجل مارس تضليل الرأى العام بمقالاته، ولذلك فقد قرروا أن يعترضوا مطالبين برحيل عميد كليتهم الذى احتل منصبه بفضل علاقاته السياسية مع الحزب الوطنى المشبوه، فضلا عن رضا أمن الدولة الذى إذا سلّمنا بأن القبول برضاه كان أمرا ممكنا ما قبل ثورة يناير، لكنه الآن وبعد تراجع حظوة هذا الجهاز لم يعد أمرا مقبولا. هل قام هؤلاء الطلاب بتخريب كليتهم مثلا أو بتعطيل الدراسة فيها؟، أبدا، فقد قاموا بكل تحضّر بتنظيم اعتصام سلمى، وعلقوا لافتات تعلن أن التظاهر لا يعنى تعطيل الدراسة، ونقلوا روح ميدان التحرير إلى داخل كلية الإعلام. فماذا فعل سيادة العميد؟، لقد نقل هو الآخر روح حزبه الوطنى البائد فى التعامل مع ميدان التحرير، ففوجئ الطلاب بدكتورة مقربة منه تطعن فى شرف الطالبات اللاتى شاركن فى الاعتصام وتقول إنهن شوهدن مع الطلاب فى خيم الاعتصام وأن الطلبة يشربون الحشيش، وسمح لأحد العمال بأن يتطاول معتديا على أستاذة الصحافة الأهم والأبرز فى الوطن العربى الآن الدكتورة عواطف عبدالرحمن، بل يهددها بالقتل أمام الجميع لأنها تحرم العمال من «رغبتهم فى بقاء العميد مدى الحياة» مما اضطرها لتحرير محضر بالواقعة فى قسم شرطة الجيزة الذى دخلته كلية الإعلام ببركات الدكتور سامى،  كما قام موظفون وعمال آخرون بالاشتباك مع الطلبة فأصيبت طالبة فى وجهها، وكاد الأمر يتطور لولا تدخل أساتذة الكلية الذين انحازوا لإرادة الطلاب فى موقف ليس غريبا عليهم، بل تم بعدها دفع بعض الطلبة إلى المشاركة فى وقفات لمساندة العميد بعد تخويفهم على مستقبلهم الدراسى، ولم يكن ينقص المهزلة إلا أن يدخل الدكتور سامى الجامعة راكبا جملا لكى يهجم به على سلالم الكلية ويفرق الاعتصام اتباعا لمنهج الحزب الوطنى المبارك فى التعامل مع معارضيه، وهو المنهج الذى سيكتمل بالتأكيد عندما يطلع الدكتور سامى ليقول إنه لم يكن يعلم بكل ما حدث وأنه ليس مسؤولا عنه، لأن الحب التلقائى لبعض العمال والموظفين هو الذى دفعهم إلى هذا السلوك الذى ينبع من حبهم العاطفى العميق دون أن يطلبوا جزاءً ولا شكورا. يوم الإثنين كنت مدعوا لحضور ندوة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عندما اتصل بى بعض الطلبة المعتصمين ودعونى إلى أن أسمع ما قاله عنهم أنصار الدكتور سامى من اتهامات فى أعراض الطالبات وأخلاق الطلبة، وناشدونى كأحد خريجى الكلية أن أساعدهم فى اختراق الحصار الإعلامى الذى يسعى الدكتور سامى لفرضه عليهم بعلاقاته، وأنا وعدتهم خيرا، وقلت فى عقل بالى «طالما أن هذا الاعتصام به حشيش ومزاج وقعدة حظ فلماذا لا يكبس عليه الإنسان فى أنصاص الليالى فينال حظه من الانبساط؟»، ولذلك أنهيت ندوتى فى التاسعة والنصف مساء وتوجهت مع بعض حضور الندوة من طلبة الكليات المختلفة لعمل كبسة على ذلك الاعتصام غير البرىء، وعندما شاهدت طلبة واقفين بعصى خشبية حول كليتهم يحرسونها من أى هجمات قد تكون مدبرة لاتهامهم بتخريب الكلية، تذكرت ميدان التحرير وكدت أبكى من فرط السعادة بشباب زى الورد خرجوا من أجل مبادئهم لكى يفترشوا سلالم الكلية فى عز البرد وتحت قصف الناموس وبصحبتهم بعض أساتذتهم الكرام الذين يحرصون على التناوب فى الاعتصام مساندة له، بعد أن تعرفت عليهم وعزموا علىّ بكوباية شاى سألتهم مباشرة «فين الحشيش؟»،  وانفجرنا فى ضحك لم يدم بعد أن بدأت الحكايات المثيرة للشجون عن هذا العميد، ربما يكون هناك مجال لحكايتها لاحقا فى مساحة أوسع، سأكتفى فقط بواقعة حدثت لطالب علاقات عامة قام بالاعتراض على الدكتور سامى فقام وسط الطلبة بالطعن فى شرف والدته بعد أن سأله عن تاريخ ميلاده وتاريخ زواج أبويه ثم قال له ساخرا إذن هناك شك فى نسبتك لوالديك، هكذا بكل وحشية استغل سلطته كعميد يعلم أن الطالب لن يستطيع الوقوف أمامه، تخيلوا، هذه هى العقلية التى يتعامل بها مع الطلاب عميد كل ما يهمه الآن هو البقاء فوق كرسيّه بزعم حرصه على احترام الشرعية، حتى لو كان الثمن ضياع مستقبل طلاب لم يخرجوا من أجل مطلب فئوى أو طمعا فى درجات أو إعفاءات دراسية، بل من أجل مبادئ الثورة التى شاركوا فيها وكادوا يدفعون حياتهم ثمنا لنجاحها. لم يكتف الطلاب بالاعتصام والهتاف والاعتراض الشفهى، بل قاموا بتطبيق مبدأ إعلامى مهم هو العودة إلى الأرشيف، فأخرجوا للدكتور سامى الثورى حاليا مقالاته وتصريحاته التى قال فيها إن الحزب الوطنى «قدم فى الانتخابات الأخيرة نموذجا لانتخابات ديمقراطية يحتذى بها»، وأن ثوار يناير «بتوع أجندات ويروجون لسياسات خارجية وأنهم شباب لا يعرف ماذا يريد»، وأن صفحة «كلنا خالد سعيد» التى كانت سببا فى تفجير الثورة «تتحدث عن بلاد واق الواق»، وأن الحزب الوطنى تيار واحد غير منقسم، لا وجود فيه لتيار إصلاحى وآخر ليس إصلاحيا، ثم وضعوا كل ذلك إلى جانب تصريحاته بعد الثورة التى وصفها بالطاهرة وقال إنه كان من التيار الإصلاحى داخل الحزب، بل قال إنه استقال من الحزب عقب موقعة الجمل دون أن يقدم ولو حتى خبرا صحفيا عن نشر تلك الاستقالة فى حينها، والأرشيف موجود لمن أراد. خرجت من الاعتصام وأنا أدرك أن هؤلاء الطلاب الأبطال (الذين تكاسلت فى الانضمام إلى اعتصامهم فى البداية بسبب انشغالى أو ربما لأن التضامن معهم لم يكن على قائمة أولوياتى، لكننى انضممت إليه بعد أن تأكدت من تعرضهم للاضطهاد) يلقنون كل الإعلاميين والصحفيين باعتصامهم درسا بليغا هو أن المبادئ لا تتجزأ، وأنه لا يصح أن نسمح للمتلونين والمتحولين بأن يركبوا على أكتاف الثورة ويستخدموا دماء الشهداء الطاهرة لغسل تضليلهم وزيفهم. لقد أظهر هؤلاء الطلاب شجاعة نادرة بحرصهم على تطهير كليتهم لكى يتعلم كل طالب وكل خريج لهذه الكلية العظيمة أن الإعلام حرفة ومهنة لكنها تُمتهن من الإهانة عندما لا يكون لها مبدأ، وأننا قد نختلف فى الأفكار والسياسات والأساليب الإعلامية لكننا يجب أن نتفق على قدسية مهنة الإعلام التى يتوجب عليها أن تنحاز للشعب وليس للسلطة، لكى تضمن للناس حق المعرفة ولا تتاجر بأحلامهم وآمالهم. لقد استغربت كثيرا أن يتصل بى الدكتور سامى بإلحاح لمجرد علمه بزيارتى للطلاب تضامنا معهم، فقررت ألا أرد عليه إلا بعد أن يقرأ مقالى، تضامنا مع الطلاب والطالبات الذين أُوذوا فى سمعتهم دون أن يبادر لإنصافهم وتحويل الأستاذة المقربة منه التى تهدد الطلاب بمنصب زوجها إلى مجلس تأديب عقابا لها على ما قالته، ولأنه كرر الاتصال وإرسال الرسائل أرسلت إليه رسالة شديدة اللهجة أبيّن له فيها موقفى منه وأدعوه للاستقالة إذا كان يحب كلية الإعلام حقا ويأمل لها الاستقرار، ثم فوجئت بأنه وضع على ما يبدو جواسيس بين الطلبة أبلغوه بما قلته إننى سأكتب تضامنا معهم يوم الخميس، ولذلك اتصل بشخصين فى هذه الصحيفة ليطلب منهما أن يضغطا علىّ لكى لا أكتب تضامنا مع الطلاب وأن أحوّل مقالى إلى حوار معه بدلا من إعلان انحيازى للطلبة، وقال له الاثنان إنه إذا كنا لم نفعل ذلك عندما كان يكتب مقالات تتسبب لنا فى مشاكل فى أوقات متأزمة، فهل نفعل ذلك الآن؟، وطلب منه أحدهما أن يرد على مقالى إذا أراد، فحق الرد مكفول للجميع. بالله عليكم، إذا كان عميد إعلام يلجأ إلى هذه الطريقة فى التعامل مع رأى مستقل يريد أن يتضامن مع طلبة أحرار، فكيف نأتمنه إذن على مستقبل هؤلاء الطلاب الواقعين تحت رحمته؟ وهل يمكن السماح بإطلاق سراح عمداء الكليات ليحولوا بعض موظفيهم بالترغيب والترهيب إلى ميليشيات لقمع الطلبة؟ ألا يجب أن نتضامن مع هؤلاء الطلاب الذين ينوون إعلان الإضراب عن الطعام اليوم احتجاجا على محاولات كسر إرادتهم؟ هل ننحاز إليهم فنكسب إعلاميين أحراراً تستحقهم مصر بعد ثورتها المجيدة، أم نخذلهم وننحاز إلى المتلونين والطامعين؟ أسئلة أطرحها على ضمائركم أيها الإعلاميون والمسؤولون والقراء، وأنا «راضى ضمايركم». [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل