المحتوى الرئيسى

بيان مقابل مقال بقلم:بلال حسن التل

03/16 21:48

بيان مقابل بيان ومسيرة مقابل مسيرة وفتوى مقابل فتوى هل تعتصم الأجهزة الأمنية لإنصافها؟ لا بد من أن نخرج من علاقة المزايدة والابتزاز إلى دائرة المصلحة الوطنية من أين ستغطي الحكومة الكلف المالية لقراراتها الأخيرة؟ بعض القرارات أعطت حقوقاً لشرائح على حساب شرائح أخرى الحكومة هل تخرج من حالة اللين والملاطفة إلى حالة الحزم؟ بلال حسن التل لم يعد أمامنا, ونحن نرصد حركة الاعتصامات والمسيرات في بلدنا, إلا أن ننتظر خبراً عن اعتصام للأجهزة الأمنية والعاملين فيها, للمطالبة ليس فقط بتحسين أحوالهم والظروف التي يعملون بها, على غرار ما فعلت كل شرائح المجتمع الأردني بل للمطالبة بإنصافهم, وبيان الحقيقة. خاصة في ظل موجة البطولة الزائفة والمدعاة, من قبل الكثيرين المطالبين بالحرية, والديمقراطية والعدالة, ومحاربة الفساد, المدعين تعرضهم للتضييق والخناق والمطاردة من قبل الأجهزة الأمنية التي صارت عند البعض كبش الفداء لبطولاتهم الزائفة. نقول ذلك بعد أن تظاهر وزراء, واعتصم نواب, وارتفعت أصوات تطالب بإنصاف الخادمات والشغالات, وطالب أبناء اربد بمساواتهم بأبناء الكرك, واعتصم أبناء الحلابات مطالبين بمساواتهم بأبناء الفحيص, واعتصم موظفو محاكم وبلديات ومعلمون, واعتصمت مكونات نقابية ضد مجالس نقاباتها, وطالب تجار الخضار والفواكه بإنصافهم تماماً مثلما فعل أصحاب الشاحنات, واعتصم المتعاملون في سوق الأوراق المالية احتجاجاً على ضعف حركة التداول, وتظاهر أبناء العقبة لإسقاط رئيس مفوضية العقبة ومحافظها, واعتصم طلاب مدرسة لإسقاط مدير مدرستهم, وتلقى مديرون عامون كتباً من موظفي دوائرهم تهدد بالاعتصام, ان لم يتم تحسين ظروف عملهم, واعتصم الصحفيون والأطباء وموظفو الجمارك والمحاكم والموانئ, وقطع طلاب جامعات الطرق واعتصم موظفو جامعات أخرى, واعتصم أهالي السجناء, واحتج تجار وسط عمان على المسيرات الأسبوعية التي تقطع أرزاقهم, وتظاهر الإخوان المسلمون, واعتصم السلفيون, وتقاذف المشايخ بالفتاوى بعضهم يحرم المسيرات وآخرون يحللونها, بعد أن اعتصم المؤذنون في المساجد مطالبين بتحسين أحوالهم. كل هذه الشرائح وغيرها من مكونات المجتمع اعتصمت وأضربت وتظاهرت أو في طريقها إلى ذلك, فالموضة هذه الأيام: مسيرة مقابل مسيرة, وبيان مقابل بيان أو فتوى مقابل فتوى. لقد صار لكل شريحة من شرائح مجتمعنا حتى أولئك المنعمين مطالب, انصبت في معظمها على الجانب المادي, فيما يبدو انه موسم انتهازية وابتزاز, يريد الكثيرون من خلاله استغلال الأجواء العامة في البلد والمنطقة للضغط على الحكومة, لتحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب المادية في غالبيتها. ساعد على ذلك لين الحكومة حتى لا أقول ضعفها أمام سيل المطالب, واستجابتها إلى الكثير منها. ووعدها بالاستجابة إلى مطالب أخرى. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: أليس لهذه المطالب كلف مالية كبيرة؟ والجواب: بالتأكيد نعم. فمن أين ستأتي الحكومة بهذه الكلف والموازنة العامة تعاني أصلاً من العجز ومن تناقص في الموارد ومن تعاظم في الكلف؟ وإذا كانت الحكومة ستتمكن هذا العام من تسديد كلف, زيادة الرواتب والأجور, من خلال تحويل بنود في الموازنة لتمويل هذه الكلف. فماذا ستفعل العام القادم؟ من ذلك على سبيل المثال ان صندوق التقاعد يعاني عجزاً كبيراً الآن, بسبب الفجوة الضخمة بين وارداته والتزاماته. وهي بالتأكيد ستزيد بسبب زيادة الرواتب وبسبب زيادة عدد المتقاعدين. وكثيرة هي البنود التي زادت تكاليفها بعد سلسلة القرارات الاسترضائية التي اتخذتها الحكومة كحلول آنية لمشكلات الناس. بالإضافة إلى كلفها المادية. فإن لموجة المطالب التي تجتاح بلدنا كلفاً أخرى اجتماعية وغير اجتماعية. ذلك انها تعطي حقوقاً لشريحة على حساب شريحة أخرى. كما هو الحال على سبيل المثال بالنسبة للمالكين والمستأجرين. ومن ذلك أيضاً ان المبالغة في طلب زيادة الأجور, ستكون على حساب أصحاب العمل. وعلى حساب المساهمين في الشركات المساهمة العامة, وعلى حساب المستثمرين, فليس كل المساهمين في الشركات والمستثمرين من الحيتان. مما سيضطر الكثيرين من أصحاب العمل إلى الاستغناء عن جزء من العمال, أو غلق باب التوظيف. كما سيدفع الكثير من المساهمين والمستثمرين إلى بيع أسهمهم, والتخلي عن استثماراتهم. فمن حق كل فئة أو فرد الدفاع عن مصالحه, ما دامت العلاقة بين مكونات المجتمع صارت علاقة مادية محصورة بالكسب والخسارة المادية البحتة. دون التطلع إلى التوازن والعدالة الحقيقية المبنية على القدرات الفعلية للدولة. لهذا كله فإن المنطق يقول: إن علينا جميعاً أن نخرج من علاقة المزايدة والابتزاز, التي تسود بلدنا لنحتكم جميعاً إلى المصلحة الوطنية الشاملة, التي ضاعت في خضم المطالب الفئوية والجهوية, خاصة على الصعيد الاقتصادي في بلد مأزوم اقتصاديا يعاني من مديونية عالية وموارد قليلة. وحتى يخرج بلدنا من علاقة المزايدة والابتزاز السائدة الآن, فإن على الحكومة أن تخرج هي الأخرى من مرحلة اللين والمسايرة التي تتبعها, وان لا تتخذ قرارات ترضية تزيد من أعباء الخزينة العامة. فما الداعي على سبيل المثال أن تشمل زيادة رواتب الموظفين كل العاملين في الجهاز الحكومي, خاصة وان رواتب بعض الموظفين تدخل خانة الآلاف. وقد كان الأجدى للوطن أن تقوم حكومته بدراسة لسلم الرواتب لتكون الزيادة على أساس هذه الدراسة. ثم ما المانع من أن تعيد الحكومة النظر في رواتب بعض العاملين فيها حيث يقول بعض المطلعين ان هناك أكثر من سبعة آلاف شخص يتقاضون رواتب تقارب العشرة آلاف دينار شهرياً لكل منهم. وما المانع أيضاً من أن تراجع الحكومة قيمة المكافآت الشهرية التي يتقاضاها بعض كبار الموظفين بدل عضويتهم في اللجان ومجالس الإدارة, حيث يقال ان مجموعة مكافآت احدهم الشهرية تقترب من العشرين ألف دينار. ما أريد أن أقوله: انه لا يجوز اتخاذ قرارات لها كلف دون دراسة متأنية. وتحت ضغط الشارع. في محاولة لإرضاء المعتصمين والمتظاهرين. وهنا تبرز أهمية تشكيل فريق وطني من خبراء اقتصاديين في بلدنا, من القطاعات العام والخاص والأهلي, لمراجعة واقع الاقتصاد الأردني, وسبل المواجهة الحقيقية لأزمتنا الاقتصادية بأبعادها المادية والاجتماعية والسياسية. وعلى ضوء إمكانياتنا الحقيقية لحماية وطننا ودولتنا. فاستمرار هذه الحالة من علاقة الابتزاز من جهة والملاطفة واللين من جهة أخرى, قد يدفع الأمور لا سمح الله إلى حالة من الفوضى التي تضعف الدولة وهيبتها ودورها. ويمهد الطريق أمام تمرير المؤامرات التي تستهدف إعادة ترتيب أوضاع المنطقة, وفق حسابات ومصالح غير حسابات ومصالح أبنائها. آخذين بعين الاعتبار ان الدولة هي أرقى صيغة توصل إليها العقل البشري لتنظيم العلاقة بين الناس. وأي ضعف أو إضعاف لهذه الصيغة يؤدي إلى خلل في العلاقة بين مواطني هذه الدولة. والأدلة على ذلك كثيرة: من لبنان إلى الصومال وما بينهما من حالات إضعاف الدول بصور وأساليب مختلفة. ولا نريد أن تكون الاعتصامات والمسيرات التي صارت موضة في بلدنا واحدة من هذه الصور والأساليب. إننا في الوقت الذي نؤمن فيه ان أبناء شعبنا يعانون من ضائقة اقتصادية فائقة, لا بد من الخروج منها, نؤمن بأن هذا الخروج لا يمكن أن يأتي عبر الصخب والضجيج, وعبر الحناجر التي لا تتقن إلا الصراخ, فقد صار المطلوب الآن بعد أن أعلنت كل فئات وشرائح مجتمعنا موقفها اعتصاما أو مسيرة أو بيانا, أن نحتكم إلى العقل, والى الحوار الممنهج, القائم على الثقة أولاً, وعلى حسن النية ثانياً, وعلى وحدة الهدف ثالثاً. بعيداً عن الابتزاز وتسجيل المواقف. لذلك فإن دعوتنا للجميع الآن أن نخرج من حالة الاحتكام إلى العواطف إلى حالة الاحتكام إلى العقل, ومن حالة الاحتكام إلى الصراخ إلى حالة الاحتكام إلى الحوار الهادئ. ومن حالة الاحتكام إلى الشارع إلى حالة الاحتكام إلى طاولة الحوار. وصار على الحكومة أن تخرج من حالة اللين والملاطفة, إلى حالة الحزم المحتكم إلى القانون. وان تقود هي بذاتها عملية الإصلاح الشامل, التي يتحدث عنها الجميع. فليس في بلدنا جهة أخرى قادرة على هذا الإصلاح إن لم ترده الحكومة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل