المحتوى الرئيسى

مخاطر ما يحدث في البحرين بقلم: جواد البشيتي

03/16 21:36

مخاطر ما يحدث في البحرين جواد البشيتي في البحرين، وعلى ما نرى ونسمع، حراك "شعبي"، "ديمقراطي"، يستهدف، في المقام الأوَّل، وعلى ما يُعْلِن قادته، جَعْل نظام الحكم الملكي فيها "دستورياً"، أي تقليص ما يتمتَّع به ملكها من صلاحيات وسلطات، وجَعْل "الحكومة البرلمانية المنتخَبة" تتمتَّع بحصَّة الأسد من السلطة التنفيذية في المملكة، التي على صِغَر مساحتها، وقلَّة عدد سكَّانها، تتمتَّع بأهمية إستراتيجية (عسكرية) بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ ففيها مقر قيادة أسطولها الخامس، كما أنَّ الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدَّمها السعودية، تريد للبحرين أن تكون محصَّنة ضد النفوذ الإيراني (الفارسي ـ الشيعي) فيها، وفي الإقليم على وجه العموم. لقد وصَفْتُ هذا الحراك بأنَّه شعبي (بين مزدوجين) وديمقراطي (بين مزدوجين أيضاً) لأنَّني (وأقولها في ألم وحسرة) أرى كثيراً من "الدافع الطائفي الشيعي (لعرب البحرين) كامناً فيه؛ وكأنَّ هذا الدافع الكامن (والذي يَظْهَر بين الفينة والأخرى) هو المحتوى الحقيقي، أو الجزء الأهم من المحتوى الحقيقي، للوعي الذي يقود هذا الحراك، والذي يتَّخِذ من "الشعارات والمطالب الديمقراطية" شكلاً له. وأحسب، أيضاً، أنَّ الشيعة من عرب البحرين، وهم غالبية السكَّان، أو المواطنين، لديهم ميل إلى إيران (الفارسية ـ الشيعية) تَرْجَح كفَّته على كفَّة ميلهم القومي العربي؛ وإنِّي لأُحمِّل أنظمة الحكم العربية مسؤولية إضعاف (وزيادة إضعاف) الميل أو الانتماء القومي العربي لدى شعوبها؛ فهي جميعاً لا تعيش، ولا يمكنها العيش، إلاَّ في الحرب، وبالحرب، على "القومية العربية الديمقراطية". وإنصافاً للحقيقة، أقول، وينبغي لي أنْ أقول، إنَّ نظام الحكم في البحرين لم يعمل إلاَّ بما يُظْهِر ويُؤكِّد حرصه على ترجيح كفَّة السنة (من عرب البحرين) وهم أقلية على كفَّة الغالبية الشيعية (العربية) من مواطنيه، فالظلم أو الجور الطائفي (بمعناه هذا) هو الذي تسبَّب في تقوية الميل إلى إيران لدى الشيعة من عرب البحرين، وفي جَعْل الحاجة الشعبية إلى التغيير الديمقراطي تبدو "مصلحة طائفية للشيعة من عرب البحرين". وهذا يُذكِّرني بموقف الموارنة في لبنان من "برنامج الإصلاح السياسي" لـ "الحركة الوطنية اللبنانية"، سنة 1975، فهذا البرنامج، وعلى الرغم ممَّا اشتمل عليه من شعارات ومطالب ديمقراطية، ظلَّ الموارنة ينظرون إليه على أنَّه برنامج طائفي سنِّي، يستهدف إخضاع المسيحيين في لبنان للمسلمين من أبنائه. الشيعة من عرب البحرين ساهموا في تلوين الحراك "الشعبي الديمقراطي" باللون الطائفي من خلال زيادة ظهور رجال الدين الشيعة في قيادة هذا الحراك؛ وكان ينبغي للحريصين على النأي بهذا الحراك عن الطائفية البغيضة أنْ يسعوا إلى ما يشبه "العلمنة" له؛ فرجال الدين، أكانوا من المسلمين أم من المسيحيين، من السنة أم من الشيعة، يجب ألاَّ يكون لهم مكان في القيادة المركزية لأيِّ حراك شعبي عربي ديمقراطي، ولو ظهروا في الصورة (الإعلامية) متآخين متحابِّين. وكان ينبغي لهم أيضاً أنْ يسعوا إلى ضمِّ قسم كبير من السنة من عرب البحرين إلى هذا الحراك حتى لا يكون المشهد البحريني مشهدين، في الأوَّل نرى الحراك "الشعبي الديمقراطي" يمثِّل الغالبية الشيعية، وفي الآخر نرى نظام الحكم يُصارِع وكأنَّه يُمثِّل الأقلية السنية. أمَّا السبيل (أو بعضه) إلى ذلك فهو أنْ يجعلوا لحراكهم شعاراً يؤكِّدون فيه انتماءهم القومي العربي (الذي يذوي فيه، وبه، الانتماء الطائفي أكان شيعياً أم سنياً) وعدم موالاتهم لإيران. ولو سعوا في ذلك، ونجحوا فيه، لشقَّ على السعودية (ودولة الإمارات) أنْ تُرْسِل قوى عسكرية وأمنية إلى إيران، ولشقَّ على إيران أيضاً أنْ تقف من هذا التصرُّف السعودي (الذي حظي بمباركة الولايات المتحدة) موقفاً تبدو من خلاله حليفاً طائفياً للشيعة من عرب البحرين. وأخشى ما أخشاه أن يؤدِّي هذا وذاك إلى "أقلمة" هذا المشهد البحريني، فنرى، مثلاً، حراكاً "شعبياً ديمقراطياً" في السعودية يتَّخِذ من منطقتها الشرقية التي تقطنها غالبية شيعية، وتتركَّز فيها الثروة النفطية للملكة، مركزاً له، فيرتَّب على ذلك أنْ تقف الغالبية السنية في السعودية ضدَّ هذا الحراك (الذي قد يحظى بتأييد إيران). إنَّني أرى ما يشبه "المصلحة المشتركة" للولايات المتحدة والسعودية وإيران (ولدول وقوى أخرى) في تحصين هذا الإقليم النفطي والمهم إستراتيجياً في مواجهة رياح التغيير الشعبي الديمقراطي الثوري التي هبَّت من تونس ومصر وليبيا واليمن من خلال "أقلمة" المشهد البحريني؛ فإنَّ في هذه الطائفية البغيضة لخير سند لكل من له مصلحة في منع الثورة الشعبية الديمقراطية القومية العربية من التمدُّد والانتشار.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل