المحتوى الرئيسى

> ترجمة الفكر الغربي إلي فكر عربي

03/16 21:22

إن أفكار من يسمون بالملحدين العرب أو الليبراليين العرب أو العلمانيين العرب أو الاشتراكيين العرب أو الديمقراطيين العرب أو الرأسماليين العرب، ما هي إلا نسخ مترجمة مشوهة من الفكر الغربي، لا هي أضحت غربية غربية ولا عربية عربية، وأضرب مثلا بالملحدين العرب (المُتَرْجَمِين) الذين لا يعلمون شيئا عن دراسة الأديان ولا الفكر الديني سوي القص واللصق من الكتب والمصادر التاريخية والتراثية والغربية، فهؤلاء غير جادين وغير صادقين في الإلحاد واللادينية، بل هم ملحدون تجاه دين بعينه هو (الإسلام) فحسب، أما بقية الأديان إذا ما أراد أحدهم أن يوجه نقده إليها يأتي ذلك النقد في فقرة صغيرة في معرض كتابه أو مقاله، أو جملة وحيدة يتيمة في ختام مقاله أو كتابه لا تتعدي الخمسة أسطر أقل أو أكثر قليلا حفظا لماء الوجه، وربما يعقب هذا الانتقاد بعض التبرير والتفسير والتماس الأعذار، مراعاة لشعور أهل تلك الأديان. فمن خلال قراءتي في الفكر الإلحادي الغربي وجدت أن الإلحاد بكل صوره وأشكاله هو نبذ كل الأديان سواء كانت سماوية أو أرضية أو بدائية أو أية صورة أو شكل من صور وأشكال الدين، ولم أر في أدبيات الإلحاد الغربية نظرية تقول: هناك دين طيب وهناك دين شرير، سوي النظرية الجديدة التي وضعها الملحدون العرب، والتي تقول بأن الملحد من الممكن أن يلحد ويرفض دين بعينه ويتقبل ويناصر دينا آخر حتي ولو لم يعتنقه وفي الوقت نفسه يكون ملحدا جادا في إلحاده، فلقد تبين لي من خلال كتابات الملحدين العرب (المترجمين)، أنه كما أن هناك مؤمنين جادين صادقين في إيمانهم، كذلك هناك ملحدون جادون صادقون في إلحادهم، وكما أن هناك مؤمناً منافقاً، فكذلك هناك ملحد منافق، وهذا ما نراه واضحا من نفاق بعض الملحدين العرب (المترجمين) حين يكيلون المديح والثناء في كل كتاباتهم لبعض الديانات دون الأخري، مما يشعر المرء بأن هناك شيئاً ما غير متوازن في جدية إلحادهم، أو أن هؤلاء يكتبون لقارئ أمي أعمي أطرش لا يعرف شيئا عن الأديان ولا تاريخها ولا ماهيتها، وهذا ما يدعو المرء إلي التساؤل: هل الملحدون العرب (المترجمون) لا يجيدون حتي ممارسة الإلحاد؟. إن ما لا يعرفه الملحدون العرب أن مبررات ونظريات الغرب الفكرية لإقصاء الديانة المسيحية (الكاثوليكية) من واقع الحياة الغربية كان لها واقعها الإنساني المزري في العصور الوسطي، وكان لها واقعها المتصادم تماما مع حقوق الإنسان وكرامته، وكان لها جمهورها الحاشد من جماهير الشعب المضطهد علي أيد رجال المتطرفين، هذا علي عكس ما عليه الحال تماما في العالم الإسلامي الآن، وما لا يعرفه الملحدون العرب أن الملحد الغربي يقف علي مسافة واحدة من جميع الأديان، علي خلاف الملحد العربي الذي يلحد فقط في الدين الإسلامي، وكذلك من الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها الملحدون العرب، فبدلا من مواجهة التطرف الديني لدي التيارات الدينية المنتسبة للإسلام بفكر نابع من الإسلام ذاته، أو بمحاولة إعادة قراءة النصوص الدينية قراءة جديدة تتماشي مع الواقع المعاصر، قاموا باستيراد النظريات الإلحادية الغربية وإسقاطها علي الواقع الإسلامي، وأنا هنا لا أبرر للحال المزري الذي يعيشه العالم الإسلامي والعربي في وقتنا الحاضر في جميع المجالات بما فيها الفكر الديني المتطرف، بل ما أريد قوله: إن إصلاح الفكر الديني المتطرف لابد وأن ينبع من داخل الدين الإسلامي نفسه وبأسس ونظريات إسلامية محضة، أما محاولات إسقاط الفكر الغربي بكل نظرياته الغربية الخالصة لفهم الدين والتي وضعت لدين غير الدين وواقع غير الواقع، فلن تلقي إلا النبذ والصد والمناوءة من الجميع، فلا يعقل أن نزرع نبتة غريبة في أرض غير أرضها ومناخ غير مناخها؟. إن الإلحاد ابتكار غربي أحدثه الغرب للهروب من جحيم الكنيسة في العصور الوسطي، فلولا الغرب ما عرف الملحدون العرب (المترجَمون) شيئا عن الإلحاد علي الإطلاق ولو عاش أحدهم في الدنيا ألف سنة، فالإلحاد له صانعيه وفلاسفته وعلمائه الغربيين الذين هم وحدهم من يملك براءة اختراعه، وبالتالي لم ولن يستطع أحد من الملحدين العرب إضافة شيء جديد علي ما كتبه علماء وفلاسفة الغرب الملحدين، بل الجديد الذي حاولوا ويحاولون فعله هو إسقاط الفلسفة الغربية الإلحادية التي جاءت ردا علي ممارسات الكنيسة وعلي الواقع الديني المسيحي الغربي قبل عصر النهضة علي الدين الإسلامي، ومن ثم ترجمة هذه الفلسفة إلي الواقع العربي الإسلامي ضاربين عرض الحائط بالفوارق بين دين ودين وواقع وواقع، ومن ثم قاموا بتشويه الغرب وتشويه الإلحاد كفكر في عيون العرب من حيث لم يعلموا، لأن الناس في العالم العربي وخصوصا الذين لم يتعاملوا مع الغربيين الأصليين، ينظرون إلي صورة الغربي من خلال النسخ العربية المترجمة والمشوهة، فظنوا أن الشخصية الغربية كذلك، مع العلم أن الشخصية الغربية وخصوصا المثقفة منها هي شخصية محترمة بالفعل. ومهما كانت الترجمة دقيقة إلا أن نسختهم العربية الشرقية المترجمة هي نسخة مشوه لا هي إلحادية غربية أصيلة ولا هي عربية شرقية أصيلة، وليس كذلك فقط بل حتي انتقاداتهم للفكر الإسلامي هي في الأصل انتقادات غربية أصيلة وضعها المستشرقون الغربيون منذ عشرات السنين، وما علي المرء إن أراد التأكد من ذلك سوي مطالعة كتب المستشرقين الغربيين التي تنتقد الفكر الإسلامي، فسيفاجأ وكأن ما يكتبه هؤلاء من انتقادات عبارة عن نقل حرفي قد تم منتجته حسب ما يقتضيه عنوان الموضوع الذي يكتب فيه. فأين تميزهم؟ وأين إبداعهم؟ وأين فلسفتهم؟ وأين نظرياتهم؟ وأين ذاتيتهم الفكرية في هذا المجال؟ لا شيء جديد علي الإطلاق، سوي الانتقاء وعدم الأمانة العلمية والسرقة من الفكر الغربي، فالإصلاح الحقيقي لأفكار الأمم والشعوب يبدأ بالفكر الذاتي النابع من ذات الثقافة ومن التعاليم المورثة، ومن دون ذلك فلن يتم إصلاح شيء حتي ولو أصبح العرب بِيض البشرة شٌقْر الشعر زُرْق العيون. (البقية تأتي)

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل