المحتوى الرئيسى

إذا كان المتحدث «مجنون».. فالمستمع...

03/16 08:20

يتعبنى ذلك الصراع الخفىّ بينى وبين الذات، والذى ماينفك يداهمنى كلّما تغشّت وجه الحقيقة سحابات الفوضى الحبلى بالتناقضات المستفزة آلام مخاض يشتد.. والولادة متعسرة حيث لا مقصّ ولا طبيب.. وحبل الأحداث يلتف بعنف حول رقبة جنين ينازع من أجل الحياة ومن أجل نسمة هواء نقى. ليستنفر ذلك ما بى من إرادة ألملم بها شعثى، وأنطلق عنوة بذاتى المتمردة..  حيث عِشىّ المشيّد فوق غيمات الحلم البيضاء نتنفس الصعداء فى احتفالية صلح وعناق تحيطنا قناديل أمل وطموح تضىء دروب خلق وإبداع فى عالم سلام وأمان بعيدا عن (الفوضى المسمّاة زورا بالخلاّقة) والتى جعلت منها أمريكا نظرية تتشدق بها وزيرة خارجيتها فى كل محفل وبيان، تحيى بها أطروحة (التدمير الخلاّق) التى جاء بها «جوزيف شامبير» عام 1942 فى كتابه الشهير «الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية» المراد منها تدمير القديم المتمثل بالرأسمالية كليّة ليأتى بالجديد فى ظل فكر مبدع ومصادرطاقة جديدة.. ولتستغلها أمريكا حجّة لتدمير الوطن العربى مبررة بأن الديمقراطية والأمان والازدهار لا تُخلق إلا من رحم الفوضى!  ولا أدرى كيف يخلق ذلك من فوضى تعنى غياب القانون وسيطرة شريعة الغاب وما يؤدى إليه من تشرذم وطائفية وقبلية وتعددية حزبية معظمها ورقية ذات مقر واسم فقط، وميليشيات ومحاصصة وتدمير بيئة اجتماعية وسياسية واقتصادية وحضارية وسلب ونهب.. وكيف يُخلق من ذلك كله عدل واستقرار وديمقراطية؟ ولا أدرى كيف لعاقل أن يصدّق هذا الغباء المسيطر، ومازال، على العقل الأمريكى المسيّر باليمين المتطرف وتشدده لآرائه ولمثل هذه الأطروحات الخائبة، التى تدفع بأمريكا إلى بداية النهاية حتّى وإن استطاعت أن تعزف بها على أوتار جهل وعاطفة الشعوب العربية وخلخلة عرى ترابطها وتفتيت وحدتها الوطنية.. إلاّ أن المؤامرة اليوم بدت جلية للغالبية الواعية من الشباب والنخب المثقفة بعد أن سقط القناع عن وجه المخلّص الأمريكى وما خلّفه احتلاله للعراق من تدمير حضارة وتاريخ.. وإرهاب راح ضحيته مليون ونصف المليون شهيد، وملايين من المهاجرين تناثروا على أرصفة الشتات، وحلّ متعمد لجيش كان فى مقدمة الجيوش شجاعة وإقداماً وتنظيماً وتسليحاً..  الكل يرى أنه قد آن الأوان لنعى «نظرية المؤامرة» وما تضعه من مسوّغات تمكنها من تحقيق طموحاتها الاستراتيجية تحت شعار (أيديولوجيا التدمير الخلَّاق) تقتحم به عالمنا، مؤججة رياح الفتنة بين الأطياف والمذاهب والأنظمة والمعارضة، والأقليات والأغلبية، والعصبيات العرقية، وفتح البوابات لمنظمات الإرهاب وميليشياته، وما تستدعيه مثل هذه الفوضى من ضرورة تدخلها عسكريا لفرض الحماية والوصاية والمجىء بالديمقراطية والتغيير «المزوّق» بآمال الرفاهية والاستقرار الكاذب على دباباتها، وتأتى بمن ترتئيه كفئا لخدمة مخططاتها، بعد تخليها عن حلفاء الأمس ممن احترقت أوراقهم بحجة استبدادهم وخروجهم عن نص الديمقراطية، لتغيّر خطابها بما يتناسب مع المراحل الآنية التى لم تعد فيها العقول المثقفة المخلصة مغيبة بالوهم والوعود الأمريكية البرّاقة. تلك هى (الفوضى الأمريكية الخلاقة) التى صارت وسيلة لهدف «ميكافيّلى».. فيصبح (تدميرنا) (خلّاقا لهم).. تلك هى الفوضى التدميرية التى ساهمت أنظمتنا فى إشعالها بنار القمع والاستبداد واتهام كل ذى فكر معارض حر بالعمالة والخيانة.. والتى ساهمنا، كشعوب، فى تصعيدها «بالأنا» وقذف بعضنا بالباطل والزندقة وادعاء كل منّا معرفة ما لا يعرفه الآخر من حقائق مطلقة.. تلك هى (الفوضى الخلّاقة).. خوف واكتئاب ومشاهد قتل ودماء وسلب وخطف وأمراض يطول علاجها.. تدمير آثار حضارة تمتد إلى ما قبل التاريخ لتعوّضها أبراج حديثة الطراز.. إن المتحدث عن هذه النظرية الأمريكية إذا كان مجنوناً فالمستمع عاقل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل