المحتوى الرئيسى

الثورة والفتنة والتاريخ الأمني السياسي

03/16 01:47

‮  ‬ظهر يوم الجمعة‮ ‬4‮ ‬فبراير الماضي التقيت والصديق‮ "‬علاء العطار‮" ‬زميلي بالأهرام‮  ‬في ميدان التحرير صدفة بالكاتب الصحفي البريطاني‮ "‬روبرت فيسك‮". ‬ودار بيننا حوار لبضع دقائق‮ . ‬أذكر منه جيدا عبارة قالها الرجل‮ :" ‬لا تستهينوا بمبارك ونظامه‮ ..‬إنه اشبه بثعلب جريح يخفي مخالبه كي ينقض بشراسه المرة تلو الأخري‮".‬وبعدها بأربعة أيام طالعت في جريدة‮ "‬الإندبندنت‮ "‬التي يكتب لها‮ " ‬فيسك‮ " ‬مقالا له يحذر من عمق جذور النظام الأمني في مصر وتشعبها‮ .‬وأشار الي إحتمال ان تشهد البلاد حتي بعد رحيل مبارك سلسلة إغتيالات وأعمال إرهاب مدبرة علي‮ ‬غرار ما عرفه لبنان بعد انسحاب النظام الأمني المخابراتي السوري‮. ‬وإن كنت شخصيا لا أستطيع ان أجزم بتدبير هذا النظام السوري بكل عيوبه وخطاياه لهذه الأحداث‮. ‬‮ ‬كنت أقرأ المقال في بيتي فجرا‮ . ‬وقتها شعرت بقليل من الخوف وفقط‮ . ‬فقد كنا نستمد من دفء الثورة في ميدان التحرير شجاعة أناس واجهوا معا علي مدي أيام متواليه خطر الموت اختناقا بالغاز او قتلا بالرصاص أو بقنابل المولوتوف والاسلحة البيضاء فضلا عن الحجارة‮ . ‬ولقد رأيت بعيني هاتين في‮ ‬3‮ ‬فبراير مع الصباح الباكر لليوم التالي لموقعة‮ " ‬الجمل‮" ‬شابا مسيحيا من أبناء الطبقة الوسطي يدخل الميدان وهو مصاب في رأسه من هجمات الأمس‮ . ‬تبادلنا حديثا مقتضبا‮ . ‬قال خلاله إنه عائد كي يستشهد من أجل البلد وحريتها‮ . ‬وعلي أية حال فقد كان هذا مجرد واحد من مشاهد عديدة ستظل في الذاكرة عن مصرالأخري التي اكتشفتها الثورة‮ . ‬وهي مصر مختلفة تماما عما شهدته هذه الأيام الأخيرة من أحداث عنف طائفي في‮ " ‬أطفيح‮ " ‬وعشوائيات‮ "‬هضبة المقطم‮ "‬و"منشأة ناصر‮"  . ‬وهي بالقطع مختلفة تماما عن مصرالأحداث الطائفية البغيضة التي عرفها جيلي،‮ ‬من‮ "‬الخانكة‮ " ‬في‮ ‬1972‮ ‬الي‮ "‬كنيسة القديسين‮" ‬بالاسكندرية مطلع هذا العام‮ .‬‮ ‬لا أعرف حقيقة مسئولية جهاز مباحث أمن الدولة عن الأحداث الطائفية التالية للثورة‮ . ‬فالأمر يحتاج الي تحقيق قضائي محترم‮ . ‬لكن ثمه شكوكا في وجود تنظيم سري يجمع بين ضباط في هذا الجهاز وفاعلين في الحزب الوطني ورجال أعمال تتوافر لديه الإمكانات بما في ذلك الأموال والأسلحة وقوائم البلطجية ووسائل الإتصال بهم وكيفية تعبئتهم واستخدامهم في هذه المهام القذرة طائفية كانت أو‮ ‬غير طائفية‮ . ‬وهو ما يضعه البعض في نطاق مخطط‮ " ‬الثورة المضادة‮" . ‬كما ان لدي شكوكا منذ سنوات عن علاقة ما بين‮ "‬أمن الدولة‮ "‬ومعه وزارة الداخلية والطائفية،‮ ‬تمتد الي ماقبل يوليو‮ ‬1952‮  ‬حين كان يسمي الجهاز ب‮ " ‬القلم المخصوص‮". ‬وعلي الأقل فان لدينا تساؤلا مشروعا عن كم عدد ونسبة الأخوة الأقباط في هذا الجهاز‮. ‬ولدينا وقائع موثوقة،‮ ‬منها أن الشروط العشرة القاسية لبناء الكنائس وضعها وكيل وزارة الداخلية‮ " ‬محمد العزبي باشا‮ " ‬في إحدي حكومات الأقلية عام‮ ‬1934‭.‬‮ ‬وفي كل ذلك ما يستوجب ان تجري كتابة تاريخ هذا الجهاز بشكل موضوعي وأمين وشفاف وفحص علاقته بالطائفية‮ .‬ولأن أي جهاز أمني لايعمل في فراغ‮  ‬مهما بلغت سطوته علي المجال العام في دولة بوليسية،‮ ‬فان النظر لابد ان يتجه الي السياسة والمجتمع‮ . ‬ونخدع أنفسنا‮  ‬لو تصورنا ان مرض الطائفية بدأ مع حادثة‮ "‬الخانكة‮ " ‬وسياسات الرئيس الأسبق‮ "‬السادات‮ " ‬الذي أسمي نفسه ب‮ " ‬الرئيس المؤمن‮ " ‬واطلق صيحته‮ " ‬أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة‮ " ‬وأسس حزبا‮ " ‬الوطني الديموقراطي‮ " ‬ظل يخوض الإنتخابات برموز ذات دلاله دينيه طائفية‮ " ‬الهلال والجمل‮ " . ‬وإن كان هذا لا يمنع من التمييز بين مرحلة ما قبل‮ "‬السادات‮" ‬ومابعده بشأن حضور وكثافة احداث العنف الطائفية‮. ‬فالحداثة المصرية منذ ان تجلت في مشروع دولة‮ "‬محمد علي‮"  ‬في مطلع القرن التاسع عشر عجزت عن حل المشكلة الطائفية رغم فضل هذا المشروع علي تطوير صيغة‮ "‬الدولة الوطنية‮ ". ‬‮ ‬وهذه هي الفرصة التاريخية التي يتعين علي المصريين الإمساك بها الآن في مواجهة ما أظن انه حوادث طائفية مدبرة،‮ ‬وإن كنت أجزم انها تأتي علي خلفية‮  ‬تراكمات ممتدة ومشكلات حقيقية لا يجب التهوين من شأنها او التغطية عليها بعبارات المجاملة عن‮ "‬الوحدة‮  ‬الوطنية‮" . ‬حقا اننا في حاجة الي مراجعة سياسية لمسئولية رئيس الجمهورية والحكومات والبرلمانات علي مدي العقود السابقة عن استمرار عار‮ " ‬الخط الهاميوني‮ " ‬وعن عدم تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق البرلمانية برئاسة المرحوم الدكتور‮ "‬جمال العطيفي‮" ‬منذ‮ ‬1972‮  ‬نهاية بالتقاعس عن تشريع مشروع قانون دور العبادة الموحد الذي تقدم به المجلس القومي لحقوق الإنسان منذ عام‮ ‬2007‭.‬‮ ‬لكننا في هذه المرحلة الإنتقالية نحتاج بالأصل الي حزمة من السياسات العاجلة من قبيل انهاء سرية المعلومات بشأن تعداد الأقباط وعدد الكنائس والمساجد،‮ ‬وعقد مؤتمر قومي لمناقشة المشكلة الطائفية لانهاء التراكمات التاريخية ووضع حلول خلاقة لها‮. ‬

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل