المحتوى الرئيسى

> «المقاتل».. العائلة تهزم الفشل بالضربة القاضية

03/15 21:15

كاد الفيلم الأمريكي «The fighter» أو «المقاتل» الذي نافس علي جائزة الأوسكار لأفضل فيلم لهذا العام، أن يكون عملاً تقليديًا يشبه الكثير من أفلام صعود الرياضيين (خصوصًا نجوم الملاكمة إلي منصة التتويج بلقب عالمي)، لولا أنه أضاف إلي الصورة لمسات أعمق للعلاقات الإنسانية، كل أيقونات أفلام الملاكمة الأمريكية موجودة في المقاتل مثل الهزيمة ثم الانتصار بقوة الإرادة، ومثل وجود مدرب وحبيبة للبطل يساهمان في نجاحه، ولكن يضاف إليها في الفيلم دور خاص لفكرة العائلة التي تدفع ابنها للأمام فتصعد معه وقد كانت العائلة دومًا من الأفكار المحورية في هوليوود وأفلامها وهكذا سيفوز بطلنا ولكن بقبضة عائلته الكبيرة (والده ووالدته وشقيقه المدرب وشقيقاته الخمس).. أو عائلته الأصغر (وهي حبيبته التي تبحث مثله عن النجاح والصعود).. المقاتل إذن ليس مجرد فيلم جديد عن قصة حقيقية لبطل صعد إلي منصة التتويج، ولكنه مزيج بين كل أيقونات هذه القصص، مضافًا إليها تدعيم القيم الأمريكية كالعائلة والحلم الدائم بالصعود من أسفل إلي أعلي، وأتصور أن نجاح الفيلم وحصوله علي هذا الترشيح لأوسكار أفضل فيلم، بالإضافة إلي ترشيحات في فروع أخري، لا يرجع فقط إلي مستواه الفني، ولكن لأنه يتفاعل طوال الوقت مع القيم الهوليوودية والأمريكية عمومًا. «المقاتل» الذي أخرجه «دافيد راسيل» هو أيضًا من الأفلام التي تستوحي قصصًا حقيقية، فالحكاية بطلها الملاكم الأيرلندي الأصل «ميكي وارد» الذي فاز ببطولة العالم في الملاكة لوزن خفيف المتوسط، ولكن السيناريو يفتش عن اللحظات الدرامية الهامة في حياته، وخصوصًا علاقته بثلاث شخصيات لعبت دورًا أساسيًا في تحقيق حلمه: الشخصية الأولي مدربه وشقيقه لأكبر «ديكي» (كريستيان بل الذي حصل عن دوره الجميل علي أوسكار مستحق لأفضل ممثل في دور مساعد)، وأمه «أليس» وهي أيضًا مديرة أعماله (ميليساليو التي حصلت عن دورها علي أوسكار لأفضل ممثلة في دور مساعد، وصديقته ثم زوجته «شارلين» (إيمي آدامز». في كل مسار من هذه المسارات هناك شدّ وجذب، فالشقيق كان أصلا بطلا للملاكمة، ولكنه سقط في دائرة إدمان المخدر، والبطل «ميكي وارد» (مارك والبرج) حائر طوال الوقت بين اعترافه بفضل أخيه الذي علّمه ألف باء الملاكمة، وبين عدم قدرته علي الاعتماد علي شخص غائب عن الوعي طوال الوقت، أما الأم فهي سيدة قوية الشخصية للغاية، و«ميكي» لا يريد إغضابها، ولكنه لا يتقدم في حياته الرياضية بسبب سوء اختيار المباريات مما جعل منه مجرد أداة لكي تحصل العائلة علي المال، وتبقي «شارلين» التي كانت طالبة جامعية سرعان ما تركت دراستها لتعمل في حانة، هي لا تري وسيلة لكي يتقدم «ميكي» إلي الأمام إلا بأن يبتعد عن أسرته وخصوصًا شقيقه المدمن وأمه القوية، ويعاني «ميكي» بسبب ذلك من الصراع للاختيار بين عائلة سيكوِّنها مع «شارلين» وبين عائلة سيفقدها هي أسرته كبيرة العدد التي تعتمد عليه «ماديا»، ويكون حل كل هذه الصراعات في أن تتفق العائلة الكبيرة الحالية والعائلة الصغيرة المستقبلية لكي يحقق «ميكي» بطولة العالم في وزن خفيف المتوسط. كما ترون، فإن مسار الصراع ليس فقط داخل حلبة الملاكمة، ولكنه بالأساس داخل العائلة، أما بناء السيناريو وإيقاعه فيمكن تقسيمه إلي ثلاثة أجزاء: في الجزء الأول نتعرف علي الشخصيات وخاصة «ميكي» و«ديكي» والأم في حين يبدو الأب ضعيف الشخصية تماما، وفي هذا الجزء ينظر «ميكي» إلي شقيقه باعتباره مثله الأعلي مع أنه حطام إنسان لدرجة أنهم يعدون عنه فيلمًا تسجيليا كبطل سابق تحول إلي مجرم وخارج علي القانون، وتظهر أيضا «شارليه» كفتاة جريئة وقوية الشخصية تعادل قوة الأم، وينتهي هذا الجزء بهزيمة «ميكي» الساحقة أمام ملاكم أثقل منه بتسعة كيلو جرامات بناء علي موافقة العائلة التي استفادت بالحصول علي أموال المشاركة في المباراة. في الجزء الثاني تتطور العلاقة بين «شارلين» و«ميكي» إلي علاقة حب، وسرعان ما تلفت «شارلين» نظره إلي أنه لا يمكن أن يتقدم إلا بالانفصال عن عائلته، وتقاوم العائلة بدورها في هذا الاتجاه، ويحاول «ميكي» توفير المال حتي لا يغادر «ميكي» أسرته، وينتهي هذا الجزء بسجن «ديكي» و«ميكي» معًا بعد أن خالف الأول القانون، وبعد أن حاول الثاني الدفاع عنه أمام محاولات البوليس القبض عليه. في الجزء الثالث يخرج «ديكي» وقد شفي من الأدمان بعد سجنه لمدة ثمانية أشهر، ويتحول الصراع إلي من سيدفع بالبطل إلي الأمام، مدربه الجديد ووكيل أعماله الجديد، أم أمه وشقيقة العائد، في هذا الجزء أفضل وأقوي مشاهد الفيلم لأنه يجمع ايقونات أفلام صعود الملاكمين «المباراة النهائية والمدرب والحبيبة»، مضافًا إليها فكرة العودة للعائلة «حيث الاعتماد من جديد علي الأم والشقيق والحبيبة معا، وإذا كان السيناريو في الجزءين من الأول والثاني يسير ببطء فإنه يصبح أكثر حيوية وقوة في الجزء الأخير، ربما كان يمكن اختزال وتكثيف بعض المشاهد في الجزءين الأول والثاني، ولكن يبدو أن الفيلم يتبع نفس استراتيجية الملاكم «ميكي وارد» الذي اشتهر بأنه يبدأ بطيئا ثم يسرع في ضرباته وحركته وصولاً إلي ضربة النهاية القاضية. الحقيقة أن السيناريو متماسك والشخصيات رسمت بشكل جيد، ومقبول، «ميكي» مثلا يحب أسرته ويعشق أخاه، ولكنه أيضا يحب أن يكون مستقلاً، ويجب أن يختار بحرية خاصة أنه لا يتقدم إلي الإمام، والشقيق «ديكي» هو أكثر شخصيات الفيلم ثراء، إنه أيضًا يحب أخاه، ويحلم بأن يحقق للأسرة وللبلدة الصغيرة ما فشل هو في تحقيقه، ولكن «ديكي» عاجز عن ترك المخدرات حتي يجبره السجن علي ذلك، والفيلم يقدمه كشخصية متميزة في مجال الملاكمة رغم أن أهم انجازاته أنه هزم البطل الشهير «شوجر راي ليونارد» في مباراة لم يعرف فيها هل هزمه بسبب ضربة قاضية، أم أن «شوجر» هو الذي سقط لوحده، الأم أيضا هي مركز الثقل في العائلة، إنها تذكرنا بالأمهات في الأفلام الإيطالية في حين يبدو الزوج في الظل، وحريصًا تمامًا علي ألا يغضبها، أما «شارلين» فهي تريد أيضا أن تعوض فشلها الخاص الذي انتهي بها إلي إحدي الحانات لكي تكون زوجة بطل العالم في الملاكمة، ويقول الفيلم ببساطة إن الحلم بالصعود يحققه الفرد من خلال مساندة العائلة، فيصعد هو، ويصعد الجميع معه. هناك مشاهد كثيرة جيدة قدمت علي مستوي الكتابة والأداء مثل بحث الأم عن ديكي الذي يهرب عندما تضبطه في منزل مشبوه مثل طفل صغير، وهناك مشهد عودة «ديكي» من السجن ليجد شقيقه يتدرب مع شخص آخر، ومشهد المواجهة بين «ديكي» و«شارلين» واتفاقهما في النهاية علي مساندته معًا، والمشهد الجيد جدًا الذي لعب فيه المونتاج دورًا أساسيا، حيث يتابع «ديكي» في السجن تنفيذ الخطة التي قدمها لشقيقه لمواجهة أحد منافسيه، المشهد يدور في أماكن ثلاثة: حلبة الملاكمة حيث المباراة، ومنزل الأم التي تتصل بابنها المسجون «ديكي»، والسجن نفسه حيث يتابع «ديكي» تفاصيل المباراة تليفونيا وسط ترقب المساجين، لقد نجح المخرج «دافيد راسيل» إلي حد كبير في تقديم المشاهد الحوارية المليئة بالتحولات والانفعالات «مثل مشهد لقاء ميكي مع ديكي في السجن» بنفس الدرجة التي أتقن فيها تنفيذ مشاهد مباريات الملاكمة التي طالما قدمتها الأفلام الأمريكية في صورة مدهشة، وإن كنت لاحظت أن صوت مؤثر الضربات لم يكن متزامنًا مع الحركة بطريقة ذكرتنا بأفلام الأكشن الهندية أو المصرية! ولكن أهم ما نجح فيه المخرج برأيي هو إدارته لممثليه، لاشك أن المقدمة من نصيب «كريستيان بل» الممثل الفذ الذي قدم الشخصية في مراحل ثلاث: ملاكم سابق مدمن، وسجين يعاني من آلام الاقلاع عن المخدر، ومدرب محترف يقود شقيقه إلي منصة التتويج كبطل للعالم في الملاكمة، كل تفصيلات الشخصية قدمت ببراعة من المشية المترنحة إلي النظرات الغائمة التي سرعان ما تميل إلي الثبات بعد الشفاء، هناك ملامح طفولية واضحة في تصرفات «ديكي» سواء قبل أو بعد الشفاء، «ميليسا ليو» أيضا ممثلة راسخة أقنعتنا في مشاهد كمديرة أعمال قوية الشخصية، وحركت مشاعرنا كأم تحب أبناءها خصوصًا «ميكي» وهو يلاكم، و«ديكي» وهو يعاني من المخدرات، «مارك والبرج» كان مناسبًا أيضا لدوره، ولم يكن مطلوبًا منه سوي هذا الحضور الجسدي والأداء الحركي المقنع، مع بعض اللمسات الإنسانية في علاقته مع طفلة من زواج سابق، أو في حلمه بأن يكون مستقلا مع احتفاظه بحب أسرته أو في علاقته الجديدة مع امرأة أخري قوية الشخصية هي «شارلين» تكاد تكون أما جديدة تصعد به إلي القمة بالاضافة إلي أمه الأصلية!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل