المحتوى الرئيسى

دفاعاً عن الترابط بين العروبية والقومية بقلم:غطاس أبو عيطة

03/15 19:46

دفاعأ عن الترابط بين العروبية والقومية غطاس أبو عيطة ما أن اندلعت حركة التغيير الشعبية في أرجاء العالم العربي, حتى انبرى كل تيار فكري إلى تحليل ما يجري بما يتسق مع رؤيته. وما طالعنا به أحد المثقفين في هذا المجال, هو نظرية مفادها: أن ما دللت عليه ثورة الشعوب العربية بما رافقها من تعاطف شعبي عام, هو وجود رابطة عربية أو عروبية تجمع بين تلك الشعوب, وأن هذه الرابطة" الثقافية- الإقليمية", هي على النقيض من الرابطة القومية التي عشنا زمناً نتغنى بها لنكتشف أنها مجرد وهم, بل مجرد أداة عمدت إلى استخدامها النظم التسلطية الإستبدادية لكي تبرِّر جرائمها بحق شعوبها وبحق دول الجوار العربي(؟). ومما يقوله هذا المثقف في سياق مقاربته للأحداث الجارية في محيطنا العربي:- 1- إن الشعوب العربية هي من تفاعل وتعاطف مع حركة التغيير الثورية التي اجتاحت المنطقة, فيما اتخذت النخب السلطوية الحاكمة موقف الحذر بل موقف العداء تجاه تلك الحركة, موحياً هنا, بأن سبب هذا الإنقسام بين الشعوب والحكام, هو أن ما التقت عليه الشعوب, لا يعدو أن يكون رابطة عربية أو عروبية لا تلغي استقلال تلك الشعوب داخل بلدانها بمعزلٍ عن إكراهات الفكرة القومية المعادية للنزوع الديمقراطي, في حين تلاقت الأنظمة حسب زعمه, على الفكرة القومية المطلقة المناهضة للديمقراطية. 2- وإن ازورار شعوبنا العربية عن الفكرة القومية السلطوية- كما يوضح الكاتب-, يعود إلى تنكُّر تلك الفكرة للتمايز القائم بين بلداننا العربية, وافتئاتها على التعددية التي تنتشر داخل تلك البلدان, ومقاومتها من ثم لاندراج هذه البلدان في إطار متعدد كوني. وهكذا رأينا- كما يضيف الكاتب- كيف أن الخصومات القائمة بين النظم الحاكمة والتي مصدرها تدخُّل تلك النظم في شؤون الدول الأخرى باسم الرابطة القومية, لم تدفع هذه النظم كما هو حال الشعوب, إلى الإبتهاج بسقوط الخصوم على يد شعوبهم, لأنها تلتقي جميعاً على العداء لإرادة الشعوب. 3- وقد بدا واضحاً مما أطلقته الجماهير الثائرة من شعارات, إغفالها التام لما يمت بصلة إلى الفكرة القومية, حيث غابت قضية فلسطين عن تلك الشعارات, كما غابت مسألة الوحدة العربية, لتتركز الشعارات والهتافات, حول المطالب الوطنية الديمقراطية.. التي قد نتصادم- كما يعتقد الكاتب- في بعدها الثقافي والإقليمي العروبي, مع المحور الأمريكي الإسرائيلي. 4- ولكي يكشف الكاتب عن مكمن عقدته تجاه الرابطة القومية, فهو يعلن ومن خارج السياق, بأن أشد ما كابدته شعوبنا العربية من أشكال العسف, جاء على يد النظم الحاكمة في سورية والعراق ذات الإيديولوجيا القومية. وما نود قوله رداُ على أطروحة الكاتب وتياره الفكري:- أولاً- إن ما حرَّك ثورة الشعوب العربية, هو ما وصل له حال الأمة مجتمعة وفي بلدانها المختلفة, من تردٍ طال كل جوانب الحياة, وذلك نتيجة خضوع النظام الرسمي العربي لإملاءات المراكز الرأسمالية الإمبريالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية, ثم إن ما أطلق طاقات تلك الشعوب, هو ما حققته حركات المقاومة العربية من انتصارات على الحلف الأمريكي- الصهيوني, وما اشعل نقمتها على النظم الخانعة, هو ما شهدته من تواطؤ هذه النظم مع الأعداء, سواء في غزو العراق, أو في العدوان على الشعبين اللبناني والفلسطيني, أو فيما يتعلق بمؤامرة تقسيم السودان. ثانياً- وغنيٌ عن القول, بأن ما عمَّق الإنقسام بين الشعوب العربية وبين النظام الرسمي العربي, هو اندراج هذا النظام في السياسة التي اختطها السادات عقب انقلابه على مشروع عبد الناصر القومي التحرري, فقد لمست هذه الشعوب ما حاق بالأمة من إذلال في ظل تلك السياسة المعممة, وما ساد دولها من فساد استند أصحابه إلى دعم الخارج الإستعماري. وقد بدا واضحاً لشعوبنا, بأن شعار بلدها أولاً الذي احتمت خلفه النظم التابعة في سعي منها للتغطية على خيانتها للقضايا القومية, قد ترجم على أن هذا البلد هو الأوَّل في عمق استباحة أوضاعه الداخلية من جانب الحلف الإستعماري, ضمن شراكة بين المستعمر وأدواته من الرموز الفاسدة. ثالثاً- وإذ يغيب المضمون القومي التحرري لحركة شعوبنا الثورية عن رؤية الكاتب, فإن هذا المضمون لم يكن غائباً عن نظر الإدارة الأمريكية, التي راحت تتظاهر بأنها تدعم المطالب الديمقراطية للجماهير, فيما هي تسعى إلى الإبقاء على هياكل النظم القائمة مع تغيير الوجوه, غير أن قادة الكيان الصهيوني لم يقتنعوا بهذه التكتيكات التي اعتمدها حلفاؤهم في الغرب الإستعماري, لإدراكهم بأن ضمانة كيانهم هي في خنق إرادة الشعوب العربية,لأن أي مستوى من الديمقراطية تنتزعه هذه الشعوب سيكون موجهاً ضد كيانهم الغاصب والعدواني. رابعاً- وإنه إذا كان طبيعياً أن ترتعب النظم التابعة من حركة التغيير الثورية التي اجتاحت العالم العربي, فلأنها تدرك بدورها الأبعاد القومية التحررية لهذه الحركة التي تشكل النقيض للنهج الذي سارت عليه تلك النظم. أما بالنسبة للنظام العربي الذي تعرَّض للعزل من جانب تلك النظم في استجابة منها للإملاءات الأمريكية, فما كان له أن يظهر ابتهاجاً بأن يتم التغيير في المحيط العربي بهذه الطريقة المكلفة, وما كان له أيضاً ألا أن يظهر الحذر من خطر استغلال أمريكا وحلفها الاستعماري لحالة عدم الإستقرار المؤقتة التي نشأت لكي تعمق تخريبها في أوضاع المنطقة, وغني عن التذكير, بأن قائد هذا النظام كان قد قال كلمته بشأن تلك النظم وعلى رأسها نظام مبارك, حين وقفت ضد حركات المقاومة عندما كانت تتعرض للعدوان الصهيوني, وقال كلمته أيضاً تعقيباً على نتائج قمة سرت الهزيلة, حين أعلن بأن التعويل هو على فكرة المقاومة التي كان قلق الصهاينة مما تحدثه من تحوُّل في المنطقة. خامساً- وإذ يتبادر لنا للوهلة الأولى, بأن موقف الكاتب السلبي تجاه الفكرة القومية, وترويجه بالتالي لفكرة بديل عن رابطة عروبية ثقافية وإقليمية, هو وليد ردة فعلٍ من جانبه ولدافع ذاتي إزاء نظام عربي بعينه, فإننا حين ندقق النظر في خطابه, نرى ان ما يريد الترويج له اتساقاً مع خط تياره, هو رابطة عربية تنزع عنها روحها الثورية التي تشحنها بها الهوية القومية الجامعة, وإن ذلك ما يفسِّر حملات الكاتب ضد حركات المقاومة وضد من يدعم تلك الحركات ويرى في انتصاراتها رافعة للنهوض العربي, كما يفسر من جانب آخر حملته على الظاهرة الإسلامية المقاومة, وانحيازه لإسلام لا ينهاض الهيمنة الإمبريالية باسم اندراج دول المنطقة في التعددية الكونية, أي التعددية التي تديرها أمريكا. سادساً- وبالوقوف عند الاستخلاصات التي يسوقها الكاتب, لكي يظهر لنا أن ثورات شعوبنا أتت متعارضة مع الفكرة القومية التي اعتبرها سبب الخصومات بين دولنا العربية, ومصدر الإنقسامات الإثنية والطائفية داخل تلك الدول. فإننا نعود إلى التذكير, بأن انحسار المشروع القومي هو ما أطلق النزعات الانعزالية التي عانتها المة. وأنه ليس صدفة بالتالي, أن تندلع الحرب الأهلية في لبنلن مع انخراط السادات في اول خطوة الإلتحاق بالمشروع الأمريكي- الصهيوني منتقلاً بمصر بكل ثقلها إلى موقع النظم النفطية التي طالما ناصبت نظام عبد الناصر العداء. ونقول أيضاً, بأنه عندما ترفع جماهير الشعب المصري في ميادين التحرير صور عبد الناصر, فإن ذلك لا يعني بأن هذه الجماهير تريد أن تعود بالزمن غلى الوراء بقدر ما تريد العودة إلى روح المشروع الذي رفع لواءَه هذا القائد العربي. ونقول بعد ذلك, بأن الفكرة القومية العربية هي فكرة تقدمية بالمنظور التاريخي, وهي نقيض ما آلت له هذه الفكرة في الدول الأوروبية الغربية تحت تأثير الحركة الإستعمارية. وأن ما ترفضه الروح القومية العربية, هو مخطط التمزيق والتذرير الذي يحمله المشروع الإستعماري للعالم العربي, وليس التعددية التي تندرج في إطار فكرة جامعة تناهضها النظم والقوى التي يتوقف وجودها على الدعم الخارجي. وما نود تأكيده في الختام, هو ان عظمة الثورات الشعبية التي اندلعت في محيطنا العربي, هو نضج الوعي الذي اتسمت به قواها الثورية, بحيث حددت أولوياتها, راسمة خريطة طريق لاجتثاث نظم التبعية وللخروج من السياسات التي اتبعتها تلك النظم. ولعل مسار الأحداث في الثورتين الشعبيتين المصرية والتونسية, هو الدليل على ان شعوبنا ماضية على طريق استعادة كرامتها الوطنية والقومية والإنسانية, مطيحة بالمشروع الذي احتجز تقدمها وأعاق قدرتها على احتلال موقعها بين الأمم الحيَّة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل