المحتوى الرئيسى

التداوي بالأعشاب داء يعانيه الجسمان الطبي والصيدلي

03/15 14:54

تابع اللبنانيون، عن كثب، قضية التداوي بالأعشاب، التي شغلت الجسمين الطبي والصيدلاني مؤخرا، والتي أظهرت الفحوص المخبرية التي أجريت على بعض العقاقير المتداول بها في لبنان والعالم العربي أنها تحتوي على مواد سامة وأخرى مسرطنة. وبعد سلسلة اجتماعات جرت بين المسؤولين والمعنيين بهذا الملف من قبل وزارتي الصحة والإعلام من جهة ونقابة الصيادلة ومصلحة المستهلك في وزارة الاقتصاد من جهة أخرى تقررت إحالة الملف إلى النيابة العامة لتنفيذ جميع المقررات الصادرة عن المجتمعين. وأكد رئيس لجنة الصحة العامة والشؤون الاجتماعية، النائب عاطف مجدلاني، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك تقدما في الموضوع وأن مديرية الأمن العام أزالت كل اللوحات الإعلانية لهذه المنتجات في جميع المناطق اللبنانية، كما أن عدة محطات تلفزيونية أوقفت الإعلانات المتعلقة بها كـ«إم تي في» و«أو تي في» وتلفزيون لبنان الرسمي، بناء على قرار وزير الإعلام طارق متري، الذي بموجبه يمنع عرضها، بينما أبقت محطتان فقط على عرض هذه الإعلانات وهما: «نيو تي في» و«إن بي إن»، مشيرا إلى أن وزير الصحة د. محمد خليفة اتخذ قرارا بسحب رخص الاستثمار للمعمل الذي يصنع هذه المنتجات. وأضاف مجدلاني أن د. خليفة أصدر قرارا آخر يقضي بسحب هذه المنتجات التي تسمى الأعشاب الطبية من جميع مراكز البيع، لا سيما من الصيدليات. كان الوزير خليفة قد أعطى رخصة استثمار لمصنع متممات غذائية وأعشاب طبية عام 2007 يعود لزين الأتات، بينما سبق أن أعطى وزير الصحة الأسبق سليمان فرنجية عام 2004 رخصة لإنشاء هذا المصنع وللشخص نفسه. وأشار مجدلاني إلى أن الملف اليوم على وشك إقفاله في حال نفذت النيابة العامة الإجراءات اللازمة لجهة سحب الرخصة للمصنع المذكور وكذلك المنتجات والعقاقير المتداول بها في الأسواق اللبنانية تحت عنوان أدوية الأعشاب. كان لبنان قد شهد هزة طبية إثر تعداد الشكاوى التي تلقتها وزارة الصحة لعدد من اللبنانيين أدخلوا المستشفيات إثر تناولهم هذه المنتجات، كما تلقت تقريرا رسميا ومفصلا من المملكة العربية السعودية أشير فيه إلى أن فحوصا مخبرية أجريت على 32 نوعا من هذه العقاقير التي دخلت الأراضي السعودية وقد كتب عليها أنها لبنانية المنشأ فتبين أنها تحتوي على مواد سامة وسرطانية، طالبين من الجهات اللبنانية المختصة التحرك للكشف عن الفاعلين الواقفين وراء تصنيع هذه العقاقير وبيعها إلى خارج الأراضي اللبنانية. أما تأثير هذه الأدوية على من يتناولها فهي تختلف ما بين الإصابة بحالة غيبوبة وارتفاع في قياس السكر بالدم، إضافة إلى مشكلات في الكبد والتهابات جلدية، خصوصا لدى مرضى السكري. كانت إحدى السيدات قد تقدمت بشكوى رسمية إلى وزارة الصحة بعدما أصيبت بغيبوبة إثر تناولها مهدئا للأعصاب مصنوعا من الأعشاب ومستوردا من الصين، بينما اشتكت سيدة أخرى من وصول ابنتها إلى حافة الموت بعد استخدامها دواء أعشاب رُوج له على أنه يعالج السمنة بظرف أيام قليلة. كان الوزير د. خليفة قد أعلن أن طب الأعشاب تخطى كل الوقائع وأن المشكلة تدور في حلقة مقفلة بدءا من إخفاء كتابة مكونات هذه الأدوية على الأدوية التي تحملها، وصولا إلى كيفية إنتاجها والبلد المنشئ لها. كانت بعض أصناف أدوية الأعشاب قد أدخلت إلى لبنان بموجب مرسوم يحمل رقم 11710، الذي يسمح لبعض المستحضرات غير الصيدلانية بأن تباع في لبنان من دون أن تعرض على اللجنة الفنية المكلفة بمراقبة استيراد النباتات والأعشاب من قبل وزارة الصحة واقتصرت يومها هذه الأدوية على منشطات وفيتامينات ومستحضرات صحية تسببت بمضاعفات جانبية على مستعملها كإصابته بنوبة قلبية مفاجئة أو بحساسية مفرطة وأمراض صدرية. ولعل إقبال شريحة من اللبنانيين على تعاطي هذه الأدوية بني على خلفية قديمة ورثوها عن أجدادهم تؤكد أن الأعشاب باستطاعتها شفاء أمراض مستعصية بعد أن فقدوا الأمل من الأدوية الكيميائية فوجدوا فيها الخلاص. حتى إن البعض كانوا يحملون هذه العقاقير كهدية لأصدقائهم أو أقربائهم في الخارج بناء على طلبهم أو لمفاجأتهم بهدية خارجة عن المألوف. ويؤكد العاملون في حقل بيع الوصفات الطبيعية أن الإجراءات التي اتخذت مؤخرا لا تطالهم كونهم يبيعون الأعشاب البرية الطبيعية كالزيزفون والبابونج ونبتة إكليل الجبل وما شابه كمهدئ للأعصاب أو لآلام الرأس من دون خلطها مع مواد أخرى مصنعة لها تأثيرات جانبية على جسم الإنسان. وتستقطب خلطات الأعشاب الطبيعية اللبنانيين الذين يرون مثلا في خلطة زيوت مؤلفة من زيت الزيتون واللوز وجوز الهند توقف تساقط الشعر أو أن شراب بذر الكتان يحافظ على الحبال الصوتية، بينما الزهور البرية تبعدهم عن أمراض الرشح. ويؤكد نقيب الصيادلة د. زياد نصور لـ«الشرق الأوسط» أن باعة الوصفات الشعبية لا تطالهم الإجراءات الأخيرة، مشيرا إلى أن هذه الوصفات لا تضر بالصحة طالما تعتمد على الأعشاب الطبيعية حتى لو أخذت على جرعات متكررة. ويستطرد بالقول: إن أصحاب هذه الوصفات قد تتم ملاحقتهم قانونيا لو لجأوا إلى خلطات من الأعشاب مع مواد كيميائية. وأوضح نصور أن الإعلانات التجارية التي روجت لأدوية الأعشاب أسهمت في تفاقم المشكلة وانتشارها، مما حولها إلى خطر يهدد حياة الناس. كان قد تردد أن زين الأتات، صاحب المصنع المنتج لهذه الأدوية، يرصد سنويا ميزانية هائلة لحملاته الإعلانية تصل إلى 10 ملايين دولار وأن إحدى المحطات التلفزيونية يصل مدخولها إلى مليون دولار مقابل تمريرها الإعلانات المروجة لمنتجاته. وعما إذا كان التقرير السعودي الذي تلقته وزارة الصحة حول مدى خطورة هذه الأدوية هو الذي يقف وراء تفجير هذه المشكلة، أكد نقيب الصيادلة أن النقابة كانت أول من حذر من خطر هذه الأدوية وأعلنت ذلك رسميا في مؤتمر الصيادلة الـ18 الذي جرى في بيروت، إلا أن التقرير السعودي دون شك أخرج المشكلة إلى العلن فتسبب مباشرة بإطلاق الشرارة الإعلامية لها. وأوضح أنه منذ عام 2007 دعت نقابة الصيادلة إلى إقفال مصانع هذه الأدوية وسحب منتجاتها من السوق، مشيرا إلى أن الدولة اللبنانية تأخرت في التحرك، لكنها على الأقل لم تقف مكتوفة الأيدي. وأضاف أن الجسم الصيدلاني تنبه للعوارض الجانبية التي تتسبب بها هذه الأدوية بعدما كثرت الشكاوى من قبل المواطنين للصيادلة عبروا فيها عن أعراض غريبة يشعرون بها كدقات القلب السريعة أو الإسهال جرَّاء تناولهم هذه الأدوية التي اشتروها لقناعتهم بأنها مصنوعة 100% من الأعشاب. وأعلن أن هناك 17 دواء سيتم سحبها من جميع الأسواق اللبنانية بعدما تبين أنها تحتوي على مادة السيبوترامين الممنوع استعمالها عالميا، التي تتسبب بأمراض سرطانية وأزمات قلب مفاجئة. وأشار إلى أن المضحك المبكي أن المختبرات ذاقت الأمرين للحصول على ملليغرام واحد من هذه المادة لمقارنتها بالموجودة في أدوية الأعشاب المتداول بها، بينما يحصل صانعوها عليها بسهولة ويستخدمونها في منتجاتهم. وبذلك ينتهي المسلسل التلفزيوني الطويل من بطولة زين الأتات، الذي تابعه اللبنانيون على مضض وهم يتساءلون عن اختصاصه بالتحديد، لا سيما أنه يتحدث بطلاقة في شتى الميادين الطبية؛ إذ تارة يصف أدوية أعشاب تسهم في زيادة طول الشخص، وتارة أخرى عن أدوية خاصة لتكبير حجم الصدر، أو عن وصفات سريعة لتنحيف الجسم والتخفيف من وزنه. ولم يعفِ اللبنانيون زين الأتات من تأليف بعض النكات عنه، وتقول إحداها: إن الولد سأل والده: أبي.. من الشخص الذي يطير ويسبح ويمتطي الأحصنة ولا يصيبه مكروه؟ فرد والده: إنه زورو. فقال الولد: لا. عندها راح الوالد يعدد: أهو سوبرمان؟ سبايدر مان؟ طرزان؟ فأجابه الابن: «لا.. لا.. لا.. يا أبي.. إنه زين الأتات». وتأتي هذه الطرفة تعليقا على الإعلان التلفزيوني الذي صوره الأتات شخصيا لترويج منتجاته، الذي يظهر فيه متسلقا الجبل وطائرا في الهواء وغاطسا في البحر وهو يضع خوذة على رأسه من أجل تأمين «زهورات زين» لسيدة طلبتها منه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل