المحتوى الرئيسى

تأملات فى المادة 75

03/14 11:50

بقلم: مروة فكرى 14 مارس 2011 11:14:52 ص بتوقيت القاهرة تعليقات: 0 var addthis_pub = "mohamedtanna"; تأملات فى المادة 75  أثارت التعديلات الدستورية المقترحة للمادة 75 بإضافة فقرة خاصة بالشروط التى ينبغى توافرها فى المرشح لمنصب الرئاسة الكثير من الجدل داخل بعض الأوساط المصرية. فبينما تنص المادة حاليا على أن من ينتخب رئيسا للجمهورية يجب «أن يكون مصريا من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلادية»، أضافت التعديلات «وألا يكون قد حمل أو أى من والديه جنسية دولة أخرى، وألا يكون متزوجا من غير مصرية». تسارعت عدد من الأقلام والأصوات الإعلامية فى نقد هذه الإضافة لما تمثله من إقصاء لنسبة من المصريين وما يترتب عليه من حرمان الوطن من عدد من الكفاءات المطلوبة فى المرحلة القادمة. بل ووصل الأمر فى بعض الأحيان إلى توجيه نوع من الاتهام لأعضاء لجنة التعديلات ــ والتى يترأسها فقيه دستورى مشهود له بالنزاهة والحكمة من الكثيرين على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم الفكرية ــ أنهم أضافوا هذا النص خصيصا لغلق الباب أمام مرشح بعينه. وتمحورت حجج المعارضين حول عدد من النقاط أبرزها ما يلي: أولا، أنه تدخل فى الحرية الشخصية للمواطنين. ثانيا: أنه ينطوى على تشكيك فى ولاء المواطن لمجرد زواجه من أجنبية. ثالثا: أنه يتجاهل حقيقة أن العديد من حاملى الجنسيات المزدوجة اضطروا إلى الهجرة والحصول على جنسيات أخرى نتيجة إما للاضطهاد السياسى أو العقائدى داخل مصر، أو لظروف اقتصادية صعبة يعلم عنها الجميع. رابعا: أن خبرات بعض الدول مثل الأرجنتين وإسبانيا وإسرائيل وفرنسا لا تعكس مثل هذه الحساسية التى نص عليها التعديل الدستورى. خامسا: أن الخبرة المصرية ذاتها أفرزت العديد من النماذج الوطنية، مثل محمد نجيب و طه حسين ومحمود خليل وغيرهم ممن كانت لهم أصول غير مصرية (كما فى حالة الأول) أو تزوجوا من غير مصريات (كما فى حالة الثانى). سادسا: أن الزواج من جنسيات عربية يتسق مع روح الدستور المصرى الذى يعتبر مصر جزءا من أمتها العربية.والواقع أن المرحلة التى تمر بها البلاد تتطلب منا مناقشة مثل هذه الانتقادات بصورة هادئة، إثراء للنقاش الهادف للمصلحة العامة. أولا: فكرة المقارنة الدائمة مع الخبرات الغربية (وفى بعض الأحيان مع الحالة الإسرائيلية على أنها أحد أمثلة النظم الديمقراطية) ينقصها بعض التوضيح. فهذه دول استقر فيها العمل المؤسسى بعيدا عن شخصيات القائمين على هذه المؤسسات، كما أن الكثير من هذه الدول قد قام واستفاد من كفاءات المهاجرين، وبالتالى كان لابد من مساواتهم بطريقة أو بأخرى بالمواطنين الأصليين. ومع ذلك ففى الولايات المتحدة ذاتها نجد أن المجنسين يتمتعون بكل الحقوق إلا الترشح لرئاسة الدولة. ثانيا: ضرب المثال بحالة اللواء محمد نجيب الذى كانت أمه سودانية لا تستقيم فى هذه الحالة على اعتبار أن مصر والسودان كانتا حتى ذلك العهد كيانا واحدا. أما الأمثلة الأخرى المطروحة من مفكرين وأدباء وفنانين، فلا أعلم ما صلتها بالترشح للرئاسة، فهؤلاء أبدعوا فى مجالاتهم ولم يتطلعوا إلى منصب رئيس الدولة ولم يمنعهم أحد من المساهمة فى إثراء الحياة العامة لمجرد زواجهم من أجنبيات. ولعل الإشكالية التى يطرحها البعض، وهى التشكيك فى ولاء مواطن لمجرد زواجه من أجنبية هى نوع من الاشكاليات المفتعلة، فالنص لا يشكك فى مواطنة هذا الفرد ولكنه يراه غير مناسب لتولى أعلى منصب فى الدولة، وعدم الملاءمة للمنصب قد يرجع إلى أسباب عديدة منها مثلا: الإشفاق على من يتولى المنصب من الحاجة إلى تبرير نفسه أو قراراته فى العديد من المناسبات. وقد يبرر أيضا من باب درء الشبهات، فلو اتخذ الرئيس مثلا قرارا بالتعاون مع أو تسهيل مهام معينة للدولة التى تنتمى إليها زوجته، قد تثور الشكوك أن علاقة «النسب» قد تكون لعبت دورا فى هذا. ولنتصور موقفا مثل حادثة الرسوم الدنماركية المسئية للرسول (عليه الصلاة والسلام)، يحدث بينما الرئيس المصرى متزوج من دانماركية وله أبناء يحملون الجنسية الدنماركية، ألا يكون موقفا حساسا فى تناول الصحافة ووسائل الإعلام له، نظرا لجنسية «سيدة مصر الأولى»؟ وأيضا حساس بالنسبة للرئيس الذى قد يكون أخوال أبنائه لهم يد فى ذلك؟ أما النقطة الخاصة بالجنسيات العربية ففى ظنى أنها مثارة بسبب وضع شخص الدكتور زويل الذى كان يرغب البعض فى ترشحه للرئاسة وتحول التعديلات المقترحة دون ذلك لسببين: أولهما جنسيته المزدوجة وثانيهما جنسية زوجته السورية. والواقع أن هذا منطق غريب لأنه لا يمكننا استثناء الجنسيات العربية دون غيرها وإلا كان هذا بعينه تفصيلا للقوانين لخدمة أشخاص بعينهم. كما أنه لا ينبغى أن تكون النصوص القانونية مطوعة لمجرد رغبتنا فى شخص معين. ومع احترامنا الكبير لشخص العالم الجليل، فإننى أنأى به عن بعض الإعلاميين المحسوبين على حملته الذين اتهموا لجنة التعديلات علنا بتعمد إقصاء الدكتور زويل لما يشوب هذا الحديث من قدر من عدم المصداقية، نظرا للمصلحة المرتبطة به. وأننى أتوجه بالتساؤل للمعترضين على إدخال شرط جنسية زوجة رئيس الجمهورية (ولا يعنى هنا بالضرورة أن الرئيس رجل، فالنص ربما يحتمل التأويل بأن من يشغل منصب رئيس الجمهورية لا يكون متزوجا «بجنسية» غير مصرية أى أن التذكير يعود على شاغل المنصب والتأنيث يعود على جنسية زوج/زوجة شاغل المنصب): ماذا سيكون الموقف لو كانت زوجة الرئيس تحمل الجنسية الإسرائيلية؟ ألم يخطر ببالهم أن هناك ما يقدر بنحو ثلاثين ألف مصرى متزوجين من إسرائيليات؟ أم أننا سننخرط فى تعريفات غير موضوعية للجنسيات المقبولة أو المرفوضة؟ أما نقطة إزدواج الجنسية فهى أيضا لا تخلو من التعقيد. أولا: أن من يتجنس بجنسية دولة أخرى يقسم بالولاء لهذه الدولة. فهل أقسموا دون اقتناع لمجرد اكتمال الشكليات أم كان هناك جانب من الصدق فى المشاعر تجاه البلاد التى أعطتهم فرصة لم يحصلوا عليها فى موطنهم الأصلى؟ ألا يجرنا هذا لفكرة تعارض الولاءات؟ وإذا كنا نعيب على حكومة رجال الأعمال ما شابها من تعارض المصالح، أليس من الأجدر أن ننأى برئيس الجمهورية عن تعارض الولاءات؟ أما ما طرح من فكرة التنازل عن الجنسية غير المصرية فى حالة التقدم للترشح، فإنها لا تزال لا تحل إشكالية شبهة التعارض التى أشرنا إليها. وفى النهاية، من يريد خدمة الوطن الآن لا يحتاج مناصب، بل يحتاج إلى إرادة ورغبة صادقة. وإذا كنا نقتصر هذا الشرط على أرفع منصب فى الدولة، فإن المناصب الأخرى قد تكون مفتوحة أمام هذه الفئة من المواطنين. أم أن خدمة الوطن مقصورة فقط على منصب رئيس الجمهورية؟ ختاما، هذه التعديلات على أحسن تقدير هى محل جدل وتتطلب نوعا من النقاش المجتمعى تعرض فيه كل الآراء ولا يسفه أحدهم الآخر. وتبقى الكلمة الأخيرة للشعب المصرى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل