المحتوى الرئيسى

أزلام وأذناب وأذيال

03/14 08:18

إن أسقطت جدارا ينبغى أن تفكر فى البناء لا فى الحصى الذى كان جدارا. ينبغى ألا تقول بعد «ثورة عفية» إن أزلام وأذيال وأذناب النظام السابق يصنعون «ثورة مضادة» فتلك تهمة سهلة، وطريق معبد، إن أردت الهروب من الواقع. تعرف أن مشكلة مصر كانت فى الطغيان وغياب القانون، والطغيان يبدأ عندما تنتهى سلطة القانون «أى عند انتهاك القانون وإلحاق الأذى بالآخرين»، كما قال جون لوك، الذى اعتبر استغلال «السلطة» لإرهاق الشعب وإفقاره يحولها إلى طغيان أيا كانت صورته، وتساءل فرانسوا كيناى: «ماذا تفعل لو كنت ملكا؟ لا أفعل شيئا، ومن الذى يحكم؟ القوانين». إذن القانون الحاسم يئد الفتنة، فلو جرمنا التحقير، بالقول أو الفعل، من «دين» الآخر ما رأيت محرضا واحدا على فتنة مهلكة، ولو غلظنا عقوبات الاعتداء على دور العبادة، ما أمسك شخص بعود ثقاب ليشعل نيران الكراهية. وما من شىء أضاع العراق، بعد سقوط تمثال «صدام» يوم 9-4-2003، إلا الغرق فى الانتقام من النظام السابق، والذى تحول إلى الانتقام من الدولة السابقة، ثم الانتقام من الشعب السابق، وإحالة كل الشرور إلى العهد البائد. وبعد ثمانى سنوات لاتزال المحاكم جارية ولاتزال الفتن على أشدها ولاتزال التهم موجهة لـ«العهد البائد» فى ظل موت تام للقانون ونوع جديد من الطغيان. فهل نغرق مثل العراق فى قضايا مثل اجتثاث البعث، وتحويل المنتسبين له، طوعا أو قسرا، إلى متهمين، ثم أصبحت التهمة مدعاة للقتل بلا محاكمة، ثم تحولت التهمة إلى رصاص طائش يصيب الأبرياء. فنحن مشغولون جدا الآن بحل الحزب الوطنى، مع أنه حزب مات بالسكتة الدماغية. نحن مشغولون جدا بحل جهاز أمن الدولة، مشغولون جدا بتغيير اسمه، لا يشغلنا تعديل مساره وتغيير مهامه وتحديدها، ولا يعنينا أن هذا الجهاز لعب دورا سيئا فى الحريات العامة وحماية النظام الفاسد، لكنه لعب دورا مهما جدا فى حمايتنا من الإرهاب وبعض قضايا التجسس. أليس من الأجدى ألا نقع فى الأخطاء العراقية بحل الأجهزة المهمة، وتذهب ملفات حساسة إلى أيدى العابثين؟ أليس من المهم معاقبة الفاسدين من أعضاء هذا الجهاز، والإبقاء على دوره فى مكافحة الإرهاب مثلا، أو فصله عن وزارة الداخلية؟ نحن مشغولون جدا بتغيير المحافظين، ولا يشغلنا «قانون» أو سياسة تعيين المحافظين التى تعد الأسوأ فى العالم، حيث يأتى المحافظ إلى منصبه بعد أن يخرج إلى المعاش من وظيفة عسكرية أو شرطية أو قضائية، وكأنه ذاهب إلى استراحة، وليس إلى عمل ميدانى صعب. نحن تائهون ومنقسمون ومشتتون بين رؤى لا يربطها شىء سوى التناقض العجيب، وبشر يتحاورون فى الندوات، ويطعنون بعضهم كلما خلوا إلى مؤيديهم. لا تقل إنك حسمت أمرك وانحزت إلى تأييد التعديلات الدستورية، فهناك فقهاء عظماء يقولون إنها تعديلات «ناقصة»، وهناك فقهاء عظماء يقولون إنها «كافية» للمرحلة الراهنة، وأنت لا تعرف، مثلى، إن كنت تنحاز إلى رأى رجل فى قامة طارق البشرى، أم إلى رأى رجل فى قامة ثروت بدوى، والاثنان فى تناقض بيّن. وإذا كان الدستوريون أرباب القانون يختلفون، فما بالنا بأهل السياسة الذين يفكرون فى حصد المغانم قبل الحرب؟ فهل سنقف طويلا عند مقولة ساراماجو: «لا الشباب يعرف ما يستطيع، ولا الشيخوخة تستطيع ما تعرف».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل