أولوية الحوار الإيجابي
علي مدار الأسابيع الماضية، التقيت مع عدد كبير من الشباب داخل جدران الجامعة وخارجها.. وفي كل اللقاءات كان القاسم المشترك لدي هؤلاء الشباب هو الحماسة الشديدة في عرض المطالب والرغبة الأشد منها في التحقيق الفوري لها، وهما خصيصتان إن لم تنجح ثورة ٥٢ يناير إلا في خلقهما وفي إكسابهما للشباب لكفاها إنجازا.غير أن هناك بعض الأطر التي يجب وضع هذه الخصائص فيها حتي لا تفقد قوتها وتصبح ثورة بلا شطآن أو »نهر بلا ضفاف« وهنا بعض العناصر المكملة التي يجب إضافتها لهذه الخصائص، وإلا حدثت بعض »الأعراض الجانبية«، أو بعض » النتائج السلبية« لهذه الحالة الثورية الرائعة التي يمر بها مجتمعنا.وفي خضم الثورات والأحداث الكبري، قد لا يكون من المفيد أن تحاول أن تشرح الأبعاد الجزئية للقضايا، ولا أن تغمس نفسك في تفاصيلها الدقيقة التي قد تبعدك عن الصورة الكلية أو عن الإطار العام، ولكن المفيد أن تحاول الوصول إلي خطوط عريضة توضح الموقف العام وتحدد الاتجاه المستقبلي لما يمكن عمله أو تحقيقه، وهو ما نحتاجه في هذه الأيام، خاصة في طريقة تعامل الشباب من ناحية والأجيال الأكبر من ناحية أخري، مع الواقع الحياتي الحالي، ومع المتغيرات التي تؤثر فيه أو عليه.ولعل أهم هذه الأطر التي يجب الوقوف عندها لدي جيل الشباب والأجيال السابقة عليه هي تعميق مفهوم »الحوار الإيجابي« بديلا عن مفهوم »حوار الطرشان«.. فعندما يصر كل جيل علي رؤيته الخاصة دون استماع لوجهة النظر الأخري، وعندما تصبح لغة الحوار تعتمد علي التخوين والتهوين والإنكار والاقصاء، وعندما يصبح مبدأ بوش هو السائد »من ليس معنا فهو ضدنا« وعندما تصبح الجسور بين أطراف الحوار قائمة علي الشك والريبة.. لاشك أن الحوار في هذه الحالة يفقد شرعيته، يفقد قيمته، إضافة إلي أنه لن يصل بنا إلي شئ.»الحوار الايجابي« يقوم، في جوهره، علي أطراف يريد كل طرف أن يستمع إلي وجهة نظر الطرف الآخر، ويريد كل طرف أن يستفيد من الطرف الآخر.. في الحوار الايجابي يري كل طرف أنه مستفيد من حالة الحوار، وأن الغاية النهائية هي »تحقيق المصلحة العليا«.. في الحوار الايجابي يتم التفرقة بين الجوانب الفنية التي لا يجوز أن يتحدث فيها غير المتخصصين، وبين الجوانب غير الفنية التي هي مشاع بين الجميع.. في الحوار الايجابي لا يكون هناك مجال لتغليب المصالح الفئوية أو الخاصة وتكون المصلحة العامة والعليا هي الهدف والغاية.وأكاد أزعم، أنه لابد من بدء هذا النوع من »الحوار الايجابي« علي الفور، دون إملاءات من طرف علي طرف آخر، ودون تهديد من طرف لطرف آخر.. فبعد الثورة، وما دعت إليه من مبادئ وما حققته من إنجازات، لم يعد مقبولا لغة الإملاءات أو التهديد من أي طرف من أطراف الحوار المجتمعي، لم يعد مقبولا أن نعود إلي »سيرتنا الأولي« التي طالما عانينا من سلبياتها: حالة الاستسلام لطرف واحد، والاستماع لطرف واحد، والخضوع لوجهة نظر واحدة، لم يعد مقبولا أن »نستورد« ما كنا »نصدره«، وأن نحلل »لأنفسنا ما كنا »نحرمه« علي الآخرين، إذ ستكون النتيجة النهائية بعد فترة قصيرة هي نفس الأرضية التي ثار المجتمع عليها.إنني أكاد أري نفس ملامح الحوار التي كانت سائدة في مرحلة ما قبل الثورة يتم تطبيقها بعد الثورة، مع اختلاف واحد فقط هو شكل أطراف الحوار وموقعهم من السلطة.. لقد تم تغيير الأشخاص الذين يجلسون علي الطاولة ولم يتم تغيير الأساليب التي يتم الحوار بها.
Comments