المحتوى الرئيسى

معرض استذكاري في لندن لأبرز فناني العراق

03/13 14:46

جمعت لوحات الفنان التشكيلي العراقي الراحل الرائد شاكر حسن آل سعيد جمهورا كبيرا من العرب، غالبيتهم من العراقيين، والغربيين، وذلك في المعرض الاستذكاري الذي أقامته مؤسسة الحوار الإنساني على صالة دار السلام وسط لندن بمناسبة الذكرى السابعة لرحيله. وجذب ما يقرب من 70 لوحة تشكيلية تؤرخ لمسيرة آل سعيد الإبداعية، منذ نهاية الأربعينات وحتى نهاية التسعينات، اهتمام جمهور جاء من مدن أوروبية عدة، فالمناسبة نادرة، خاصة لأولئك الذين لم يحالفهم الحظ بمشاهدة أعمال هذا الفنان الذي يعد علامة بارزة في تاريخ الفن التشكيلي، إنجازا وتنظيرا، لهذا كان الشباب من كلا الجنسين يشكلون غالبية جمهور المعرض. وآل سعيد الذي عرف باهتمامه بالبيئة العراقية والتي انطلق منها عالميا، بدأ مشواره الإبداعي منتصف الأربعينات من القرن الماضي، ليلتقي في عام 1953 مع الفنان التشكيلي الرائد جواد سليم وأسسا مع النحات محمد غني حكمت، والفنانة نزيهة سليم، ومجموعة من الفنانين والمعماريين والنقاد العراقيين «جماعة بغداد للفن الحديث»، في عصر عرف بانطلاقة النهضة الإبداعية العراقية في الرسم والنحت والعمارة والشعر والقصة القصيرة والرواية، خاصة بعد عودة غالبية من المبدعين من الدراسة خارج العراق، حيث عاد سليم من بريطانيا، وآل سعيد، في نهاية الخمسينات، من فرنسا التي درس في عاصمتها، معهد الفنون الزخرفية (البوزار)، وقبلها كان قد تخرج من معهد الفنون الجميلة بالرغم من أنه حاصل على شهادة البكالوريوس في علوم الاجتماع عام 1947 من دار المعلمين العالية، بغداد. ومن مدرسة جماعة بغداد للفن الحديث انطلقت الحركة التجديدية في الرسم والنحت، كما انطلقت أسس كتابة النقد التشكيلي والرواية على يد جبرا إبراهيم جبرا، وفيما بعد انعكست أفكار هذه الجماعة على العمارة الحديثة التي تحررت من قيود البيت البغدادي التقليدي. وكانت تأثيرات بيكاسو واضحة على الأعمال المبكرة لآل سعيد وهذا ما تفصح عنه أعماله المبكرة التي تنتمي بقوة إلى المدرسة التكعيبية، ثم الانتقال إلى الواقعية البغدادية التي اشتغل عليها بوضوح جواد سليم، حتى توصله في منتصف السبعينات إلى نظريته التشكيلية والتي أطلق عليها تسمية «البعد الواحد»، مهتما بالأعمال التي يضمها المتحف الوطني العراقي، وبما أبدعه الفنان السومري والبابلي والآشوري، إذ كان يمضي غالبية وقته في هذا المتحف، متأملا وليأخذ بأيدي طلبته دالا إياهم على سر اكتشاف الكنوز الفنية عند أصولها الأولى. وكان حضور تلميذته التي كانت من أكثر المقربين إليه، الفنانة التشكيلية هناء مال الله، الحاصلة على شهادة الدكتوراه من أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد في موضوع «النظم المنطقية لفن الرسم»، للمعرض ضروريا إذ أفادت الحضور بمعلومات مهمة عن تجربتها مع أستاذها الأثير آل سعيد وقالت «درسني في معهد الفنون الجميلة وأنا في الخامسة عشرة من عمري، وبقيت تلميذته وعلى اتصال دائم به حتى عام 2003، أي قبيل وفاته عام 2004». وتحدثت عن تأثيرات المتحف العراقي في أعماله، وعن أسلوبه في العمل الفني، والأسلوب الذي اتبعه لتدريس تلامذته وقالت: «كان الأستاذ شاكر حسن آل سعيد يأخذنا إلى المتحف العراقي ويبقينا هناك لساعات متأملين ودارسين للفن العراقي القديم، ومن ثم نقل الانطباعات والتأثيرات الأولى إلى أعمالنا، إذ كانت هذه التأثيرات تظهر سواء بوعي أو من دونه». اشتهرت أعمال آل سعيد، تلك التي أبدع في نقل مفرداتها التشكيلية من حيطان المدن وما يرسم أو يكتب فوقها، إذ ألهمته هذه الاكتشافات ليربط بينها وبين جداريات الفن العراقي القديم، وليتوصل إلى إبداعات هي عبارة عن تنويع لوني وموضوعي للوحاته التي عرضت نماذج منها في معرضه الاستذكاري اللندني. وعلى مدى حياته الفنية، أقام آل سعيد معارض تشكيلية كثيرة في العراق وفي غالبية مدن العالم، مشاركا أيضا في المسابقات الفنية والتي حصل خلالها على عدد غير قليل من الجوائز العالمية. إن جمع ما يقرب من سبعين عملا تشكيليا أصليا للفنان آل سعيد، وفي لندن هو أشبه بمعجزة، إذ أن غالبية أعمال هذا الفنان الرائد ببغداد، ومن الصعوبة بمكان إخراجها باعتبارها تشكل تراثا فنيا مهما للبلد، إضافة إلى ارتفاع أثمان هذه الأعمال في ظل غياب شركات للتأمين عليها بالعراق، ثم إن من يحتفظ بعمل للفنان آل سعيد لن يغامر بإرساله إلى لندن لغرض عرضه. لكن أحمد ناجي آل سعيد، منظم المعرض والمدير التنفيذي لمؤسسة الحوار الإنساني في لندن، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «أبرز الصعوبات في تحقيق هذا المعرض كانت في تحضير الأعمال الفنية والتخطيطات وجمعها، إذ استغرق المشروع ما يقارب العام من التحضيرات والاتصالات لتأمين الأعمال الفنية للعرض بعد الاتفاق مع عائلة الفنان ومجموعة ديوان الكوفة للمعماري العراقي الدكتور محمد مكية»، مشيرا إلى أن «مؤسسة الحوار الإنساني أقامت هذا المعرض على قاعة بيت السلام، في منطقة (ميدا فيل) وسط لندن، ورافق افتتاح المعرض أمسية ثقافية لاستذكار واحد من أبرز الفنانين التشكيليين العراقيين شاكر حسن آل سعيد، الذي تأتي أهميته كونه من جيل الرواد في الحركة التشكيلية العراقية». وأضاف قائلا: «إن الأهمية الأخرى لهذا المعرض تأتي من ضرورة الاحتفاء برموز العراق الثقافية والفنية وخصوصا بعد الخسارات الثقافية والمعرفية التي مني بها العراق بعد الحرب، 2003، وعدم وجود اهتمام حقيقي من الحكومات المتعاقبة بالاهتمام بالثقافة والفن كونها ليست في سلم الأولويات.. فالعراق معروف بدوره المتقدم في صياغة رؤية تشكيلية معاصرة بارزة جدا ومؤثرة في محيطه العربي وذات ثقل في الفن التشكيلي في الشرق الأوسط عموما، إلا أن دمار المتحف الوطني للفن الحديث وضياع أرشيف الفن العراقي أفقد العراق وضعه المناسب مضافا إليه هجرة الفنانين وغلق الكثير من المعارض الفنية والانتقال إلى خارج العراق». الشابة العراقية زينب، قالت: «لقد جئت من السويد إلى لندن لمشاهدة أعمال الفنان شاكر حسن آل سعيد، إذ وفر لنا هذا المعرض فرصة نادرة، ربما لن تتحقق بسهولة ثانية، للتعرف على إنجازات إبداعية لفنان كبير ومهم في تاريخ المنجز التشكيلي». يذكر أن مؤسسة الحوار الإنساني التي هي إحدى المؤسسات التي أسسها ويشرف عليها آية الله حسين إسماعيل الصدر، افتتحت في لندن قبل عام لتكون «نافذة للتحاور بين الثقافتين العربية والغربية»على حد تعبير آية الله الصدر والذي له عشرات المؤسسات الثقافية والفكرية والتعليمية والأكاديميات العلمية. وحسب أحمد آل سعيد، فإن «دار السلام التابعة لمؤسسة الحوار الإنساني في لندن أقامت الكثير من الأنشطة الثقافية البحتة، منها معارض تشكيلية ومحاضرات فكرية وعلمية، إذ تقيم نشاطا كل مساء يوم جمعة باللغة العربية، ومساء كل يوم اثنين، وتحظى فعالياتها باهتمام العرب والغربيين».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل