المحتوى الرئيسى

ميزان الشرف والسيادة...؟! بقلم : فضيـلة الشــيخ ياســين الأســطل

03/13 12:50

ميزان الشرف والسيادة...؟! بقلم : فضيـلة الشــيخ ياســين الأســطل الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله. {ميزان الشرف والسيادة }عباد الله ، أيها المؤمنون : ما يكون تحصيلُ جليلِ المرادات إلا بجميلِ الصبرِ وصادقِ الإرادات ، لذلك يسعى ذوو الهمم العلية لاعتلاء القمم السنية ، ويجهدُ أصحابُ العزائم القوية لنيل المكارم الدينية والدنيوية ، وهم دوماً فيما يشَرِّفُ لنيل المعالي سالكون ، وبما عملوا لما علموا بإخلاصهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم متبعون ، لا يُثنيهم عن وجهتهم التشويه والتهويش ، ولا يمنعهم من مرادهم البغيُ ولا العدوانُ ، فالله ناصرهم لمَّا كانوا هم ناصريه ، وهو سبحانه هاديهم ماداموا مستهديه ، وصدق من قال : ( الشرفُ بالهمم العالية لا بالرمم البالية ) ، وأصدقُ منه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين : ( ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ) ، إذ الشرفُ يا عباد الله لا يحصل بجمع الأموال ولا باكتنازها ، ولا بسكنى القصور ولا بالزواج بالحور ولا بالأولاد الحضور ، وإنما الشرف جمال السَّمتِ بجميل السريرة ، ووقفُ النفس في تحصيل النفيس وإنفاق النفائس ، والقيام على الخدمة للعالمين ، فإن جمع إلى ذلك السعي في الإصلاح بين الناس فهذه هي السيادة ، على هدي قوله تعالى : { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء : 114 ، 115. نعم ، ليست السيادة وليس الشرف كما يظنه كثيرٌ من الناس ، روى ابن ماجة في السنن له قال : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ " .قَالُوا : رَأْيَكَ فِي هَذَا نَقُولُ هَذَا مِنْ أَشْرَفِ النَّاسِ ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُخَطَّبَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟ " . قَالُوا : نَقُولُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ لَمْ يُنْكَحْ ، وَإِنْ شَفَعَ لَا يُشَفَّعْ ، وَإِنْ قَالَ لَا يُسْمَعْ لِقَوْلِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَهَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا " . وقد روى البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد ، وهذا لفظ البخاري قال : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ : ( اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ أَيْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ فَقَالَ اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ وَقُولَا لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ فَأَتَيَاهُ فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا وَقَالَا لَهُ فَطَلَبَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا قَالَا فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ فَمَنْ لِي بِهَذَا قَالَا نَحْنُ لَكَ بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالَا نَحْنُ لَكَ بِهِ فَصَالَحَهُ فَقَالَ الْحَسَنُ وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) اهـ . وقد كان الواجد المليء من السلف يتحمل من ماله ما يتحملُ في إصلاح ذات البين وجمع كلمة الناس ، ففي كتاب المجالسة وجواهر العلم : ( قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ : أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى ضِرَارِ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ ، فَقَالَ : قُلْ لَهُ : كَانَ فِي قَوْمِكَ دَمٌ وَجِرَاحٌ وَحِمَالَاتٌ ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ وَأَحَبُّوا حُضُورَكَ ، وَأَنْ يحملوك بَعْضَ ذَلِكَ وَيُقَسَّمُ بَاقِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ . قَالَ قُتَيْبَةُ : فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : يَا جَارِيَةُ ! غَدِّينِي . فَجَاءَتْ لَهُ بِكُسَيْرَاتٍ خُشُنٍ وَبِتُمَيْرَاتٍ وَشَيْءٍ مِنْ زَيْتٍ ، فَجَعَلَتْهُنَّ في مريس ، ثم صبت عَلَيْهِ مِنَ الزَّيْتِ وَالْمَاءِ ، فَأَكَلَ ، ثُمَّ شَرِبَ عَلَيْهِ شَرِبَةً مِنِ مَاءٍ وَمَسَحَ يَدَهُ . قَالَ قُتَيْبَةُ : فَجَعَلَ شَأْنَهُ يَصْغُرُ فِي عَيْنِي ، وَقُلْتُ : وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا ؟ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، حنطة الأهواز ، وتمر وَزَيْتُ الشَّامِ ، مَنْ يَقْدِرُ يُؤَدِّي شُكْرُ هَذَا ؟ ! ثُمَّ أَخَذَ نَعْلَيْهِ وَارْتَدَى بِرِدَائِهِ ، ثُمَّ انْطَلَقَ مَعِي إِلَى الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرَ إِلَى كِسْوَتِهِ ؛ فَإِذَا هِيَ رَثَّةٌ تُسَاوِي دُرَيْهِمَاتٍ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : ما يغني هَذَا ؟ّ لَوْ صَلُحَ صَلُحَ لِنَفْسِهِ . ثُمَّ قَامَ حَتَّى أَتَى حَلَقَةَ الْقَوْمِ ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ ؛ قَامَ لَهُ وُجُوهِ أَشْرَافِ الْبَصْرَةِ ، فَجَلَسَ وَاحْتَبَى وَدَارُوا حَوْلَهُ حَلْقَةٌ ، فَاجْتَمَعَ الطَّالِبُونَ وَالْمَطْلُوبُونَ ، فَأَكْثَرُوا الْكَلَامَ ، فَقَالَ : إِلَى مَاذَا صَارَ أَمْرُهُمْ ؟ قَالُوا : إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ دِيَّةً . فَقَالَ لَهُمْ : هِيَ عَلَيَّ كُلُّهَا . ثُمَّ قَامَ ، فَالْتَفَتَ أَبِي إِلَى مَنْ حَضَرَ ، فَقَالَ : هَذَا وَأَبِيكَ السُّؤْدَدُ وَالشَّرَفُ ) اهـ . أيها الناس ، يا عباد الله : إن العاقل الفطن الأريب ليطمح لأن يكون مع أولئك القوم العظام ، بل ويرجو من الله ويدعوه لأن يكون كذلك بنوه فهذا نبي الله زكريا عليه السلام حكى الله سبحانه في سورة آل عمران فقال : {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) }. قال الإمام ابن كثير في تفسير القرآن العظيم : ( وقوله: { وَسَيِّدًا} قال أبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، وسعيد بن جبير، وغيرهم: الحكيم .وقال قتادة: سيدًا في العلم والعبادة. وقال ابن عباس، والثوري ، والضحاك: السيد الحكيم المتقي . وقال سعيد بن المسيب: هو الفقيه العالم. وقال عطية: السيد في خلقه ودينه. وقال عكرمة: هو الذي لا يغلبه الغضب. وقال ابن زيد: هو الشريف. وقال مجاهد وغيره : هو الكريم على الله، عز وجل ) اهـ. والسيد والشريف يا عباد الله يلي أمر الناس فيسودهم بعدله وفضله وقيامه على حفظ وتحصيل ما فيه صلاحهم ودرء ما فيه فسادهم .ولهذا لما أسلم بلالٌ بن رباح رضي الله عنه عذبه المشركون فسعى أبو بكر رضي الله عنه حتى أعتقه ، فقال عمر رضي الله عنه أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلَالًا حدث بذلك جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كما في البخاري وغيره . وقال الإمام الدارمي : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو الْوَلِيدِ الْهَرَوِىُّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ حَيَّةَ بِنْتِ أَبِى حَيَّةَ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ بِالظَّهِيرَةِ فَقُلْتُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ : أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِى فِى بُغَاءٍ لَنَا ، فَانْطَلَقَ صَاحِبِى يَبْغِى وَدَخَلْتُ أَنَا أَسْتَظِلُّ بِالظِّلِّ ، وَأَشْرَبُ مِنَ الشَّرَابِ. فَقُمْتُ إِلَى لُبَيْنَةٍ حَامِضَةٍ - وَرُبَّمَا قَالَ - فَقُمْتُ إِلَى ضَيْحَةٍ حَامِضَةٍ فَسَقَيْتُهُ مِنْهَا فَشَرِبَ وَشَرِبْتُ - قَالَتْ - وَتَوَسَّمْتُهُ فَقُلْتُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ : أَنَا أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ : أَنْتَ أَبُو بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الَّذِى سَمِعْتُ بِهِ؟ قَالَ : نَعَمْ. قَالَتْ : فَذَكَرْتُ غَزْوَنَا خَثْعَماً وَغَزْوَةَ بَعْضِنَا بَعْضاً فِى الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الأُلْفَةِ وَأَطْنَابِ الْفَسَاطِيطِ - وَشَبَّكَ ابْنُ عَوْنٍ أَصَابِعَهُ ، وَوَصَفَهُ لَنَا مُعَاذٌ ، وَشَبَّكَ أَحْمَدُ - فَقُلْتُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ حَتَّى مَتَى تَرَى أَمْرَ النَّاسِ هَذَا؟ قَالَ : مَا اسْتَقَامَتِ الأَئِمَّةُ. قُلْتُ : مَا الأَئِمَّةُ ؟ قَالَ : أَمَا رَأَيْتِ السَّيِّدَ يَكُونُ فِى الْحِوَاءِ فَيَتَّبِعُونَهُ وَيُطِيعُونَهُ ، فَمَا اسْتَقَامَ أُولَئِكَ ) اهـ . أيها المسلمون يا عباد الله : هذا هو البيان لا إبهام فيه ، والصريح ليس بالتلويح ، ولا عذر لمن يُعْرِض ، ولا حجة لمن يدبر ، فلنقبل على الله فعل الخيرات ، واتباع السنن المرضيات ، ولنسع في الصلاح والإصلاح بالعمل الجاد دون الضجيج ، يا إخواننا في فتح وفي حماس الناس ينظرون وينتظرون ، والله من فوقنا يمهل ولا يهمل ، وقد مد لنا لنعود إليه بعودتنا إلى بعضنا بعض ، ننتظر من إخواننا في حماس المبادرة للرجوع للصف بعد أن خرجوا منه ، ومن ثم ونعدله ونقومه جميعاً أرأيتم كيف يعدل الإمام صف الصلاة والناس مجتمعون في صفهم لا متفرقون ، كذلك صفنا لمقارعة الاحتلال. إخوة الإسلام ، عباد الله ، أيها المؤمنون :إن شأن الفضلاء والأخيار والنبلاء أنهم يبادلون الإساءة بالإحسان، ولا يبادلون الإساءة بالإساءة، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (جاءه أعرابي فأخذ بطرف قميصه عليه الصلاة والسلام حتى أثر في صفحة عنق النبي صلى الله عليه وسلم، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم له ولم يزده على ذلك)، وورد عنه عليه الصلاة والسلام في قصة اليهودي أنه استدان من اليهودي، فلما جاء ذات يوم أقبل عليه اليهودي، فأخذ بمجامع ثوبه عليه الصلاة والسلام فقال: (يا محمد! اقضني ديني، فإني قد عهدتكم يا آل هاشم قومٌ مطل، فقال عمر: دع ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا ضربت عنقك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد كنت أنا وهو أولى بخيرٍ من ذلك: أن تأمره بحسن الطلب، وأن تأمرني بحسن الأداء. فكان ذلك سبباً في إسلام اليهودي). ومن أخبار السير أيضاً أنه (لما فتح الله عليه مكة وقام عليهم فقال: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم -قال بعض العلماء: لولا أن قريشاً تعلم منه الحلم والرحمة والإحسان ما قالت له ذلك، ولكنه كان على ذلك الخلق- فقال عليه الصلاة والسلام: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وقال في الرواية الأخرى: لا تثريب عليكم! اذهبوا فأنتم الطلقاء) اهـ . يا عباد الله والنبي صلى الله عليه وسلم كما هو سيد الناس في الدنيا فهو سيد الناس يوم القيامة ، يسعى إليه بنو آدم جميعاً بمن فيهم الأنبياء ليخفف عنهم في ذلك الهول العظيم ، ففي الصحيح قال البخاري رحمه الله : حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وَقَالَ أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ بِمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُبْصِرُهُمْ النَّاظِرُ وَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَتَدْنُو مِنْهُمْ الشَّمْسُ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ إِلَى مَا بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ أَبُوكُمْ آدَمُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا فَيَقُولُ رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَنَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ نَفْسِي نَفْسِي ائْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونِي فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهْ ) اهـ . يا عباد الله ألا وصلوا وسلموا على من هداكم الله به صراطاً مستقيما ، آمراً إياكم أمراً بدأ فيه بنفسه ، وثنى بملائكته فقال : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} سورة الأحزاب ،اللهم صل وسلم على محمد ٍالنبي المصطفى ،وآله الأتقياء الحنفاء،وأبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي الأربعة الخلفاء ، وسائر الصحب هم أهل الوفاء، ومن تبع أثره واقتفى ، وبه دون من سواه اكتفى ، ودعا بدعوته ، واستن بسنته يا رب العالمين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل