المحتوى الرئيسى

> قلق مٌبرر

03/12 22:16

تنبئ الشواهد جميعا عن أزمة حقيقية لا يمكن انكارها أو إهمالها، فالمسألة لا ينبغي أن تقتصر علي هدم القديم والتهليل لسقوطه، فمثل هذا الانجاز يبقي ناقصا، ما لم تتشكل ملامح الاستقرار والهدوء والرغبة المخلصة في إعادة البناء، وفق أسس موضوعية لا تعرف الانفعال العاطفي والإسراف الإنشائي. مصر الآن تعاني من انفلات يهدد بالخطر، وقد يكون مبررا ومفهوما ومنطقيا أن تسود مثل هذه الظاهرة لفترة وجيزة لا ينبغي أن تطول، لكن الانسياق وراءها يفضي إلي كارثة، والتحرر من كل قيد لا يعني إلا الفوضي، وهو ما يمكن رصده بلا عناء في سلوك الكثيرين ممن يتوهمون أن جوهر الثورة يتمثل في حق كل فراد أن يفعل ما يحلو له، وما يري فيه مصلحته، دون تفكير في الواجبات والمسئوليات. يتراجع دور الثوار الذين قادوا الانتفاضة في صيغة متميزة بحق، تجمع بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ويتصدر المشهد الآن فصيل مختلف، لا ينشغل بالإصلاح السياسي والدستوري، ولا يهتم بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، قدر انشغاله واهتمامه بتحويل الثورة إلي «مولد» لا هدف من ورائه إلا الطقوس الاحتفالية والتنكيت وتعطيل مصالح البلاد والعباد. إلي متي يمكن احتمال مثل هذا الانحراف عن المسار السوي؟! ومن الذي سيدفع الفاتورة الباهظة للخسائر اليومية التي لا تتوقف؟! وكيف يبدأ الانتقال إلي ساحة العمل الجاد وترجمة نشوة الانتصار إلي إنتاج وعطاء؟! أخطر ما في المشهد هو ذلك الازدهار غير المسبوق لمناخ تصفية الحسابات وركوب الموجة والولع بالمزايدات، التي تصل إلي مرحلة من التطرف العبثي في مراودة مطالب وأهداف فئوية شبه مستحيلة، تحت مظلة شعارات كاذبة لا يمكن تحقيقها إلا بمعرفة من يملكون العصا السحرية في الأساطير! الإنسان المصري البسيط، لا يحلم إلا بالأمان والاستقرار وفتح صفحة جديدة، بدايتها محاكمة الفاسدين بعد ثبوت فسادهم بأدلة موثقة عادلة، ثم توفير الضمانات للحيلولة دون استشراء الفساد وتوحشه من جديد، وصولا إلي إيقاع يعيد التوازن المفقود ويبشر بغد أفضل، ينعم فيه المصريون جميعا بمجتمع عادل حر، لا فضل فيه إلا لمن يعملون ويجتهدون. يشعر الملايين بالقلق المبرر، ويسكنهم التوتر والضيق والغضب لأن الضباب الكثيف يحيط بهم فيتخبطون ويتعثرون، وقد يتعرضون للسقوط من جراء الإرهاق، وعندئذ لن تنقذهم الشعارات العنترية والأحلام الوردية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل