المحتوى الرئيسى

الملك محمد السادس ومهمة الإصلاح في عصر الثورات الشعبية العربية بقلم: هيثم شلبي

03/11 20:46

في مواجهة دكتاتورية الهوامش والأقليات: محمد السادس ومهمة الإصلاح في عصر الثورات الشعبية العربية هيثم شلبي: كاتب وصحفي فلسطيني [email protected] "خطاب تاريخي" باعتراف غالبية المتابعين للشأن المغربي محليا وعربيا ودوليا، ذلك الذي خرج به العاهل المغربي الملك محمد السادس ليلة التاسع من آذار (مارس) مخاطبا شعبه، وبمحتوى لم يكن أحد من المراقبين بقادر على التنبؤ بمدى الشمولية والعمق والجذرية التي جاء بها. خطاب يمكن أن نسجل على هامشه جملة من الملاحظات الأولية: خلافا لخطابات الزعماء العرب، الذين لا يقاربون قضايا الإصلاح في بلادهم "بالتجزئة" ويضيعون عبر ذلك الأسلوب، الوقت والجهد ولا يسهمون سوى في رفع الثمن، جاء الخطاب الملكي شاملا، مكثفا، ومحتويا لكل ما كانت الطبقة السياسية والرأي العام الشعبي (في تياره العام) يفكر فيه ويتمناه. لم يفاصل، ولم يقايض إصلاحا بإصلاح. لم يسوّف ولم يلعب بالألفاظ، وقدم تغييرا دستوريا شاملا يجدد مختلف أوجه الحياة السياسية في المغرب. اهتم العاهل المغربي بالدخول في عمق الإصلاح المطلوب دون الاهتمام بالأشكال والصياغات العامة، لذلك جاء الخطاب بلغة واضحة لا تترك مجالا لعظيم اجتهاد، وهو الأمر الذي إن دلّ على شيء فهو يدل على صدق الرغبة في تطبيق مضامين هذا الإصلاح. سار الملك محمد السادس على النهج الاستباقي لوالده الراحل الملك الحسن الثاني، ولم ينتظر ازدياد حمى التظاهرات، وانضمام أطراف وازنة للمطالبين بالإصلاح الدستوري، بل وتجاوز في بعض فقرات الخطاب حتى الهيئات السياسية التي طالبت بتبني "الجهوية المتقدمة" عبر قانون، بالتأكيد على أهمية تضمينها للدستور رغبة منه في منحها بعدا أكثر عمقا ورسوخا وشعبية (اعتمادها باستفتاء شعبي). اقترن الخطاب برغبة صادقة في ترجمة الأقوال إلى أفعال، وهو الأمر الذي يجد تجسيده في تضمن الخطاب اسم الشخصية الوازنة التي سترأس لجنة تعديل الدستور، والمبادرة إلى تنصيب هذه اللجنة فعليا خلال أقل من ثمانية وأربعين ساعة، وترك لها أقل من ثلاثة شهور لإنجاز عملها واستفتاء الشعب بخصوصه، وهو الأمر الذي يخالف جميع ما اعتدناه عربيا، من خلال التلكؤ في كل خطوة من تلك الخطوات، وامتداد أجل العملية برمتها إلى ما يتجاوز العام، كسبا –أو مضيعة- للوقت، وتشبثا ببقاء الوضع القائم. هذا الأمر تحديدا، يرجع في جزء منه إلى اطمئنان المؤسسة الملكية إلى رسوخ مكانتها عند المغاربة، وعملها بالتالي للصالح العام دون ضغوط من التيار العام في الشارع، بشكل يجبرها على المخاتلة وكسب الوقت. وبالعودة إلى مضمون الخطاب الذي أصبح معروفا للقاصي والداني، بل ومصدر إلهام ومطالبة لحركات معارضة عربية أخرى (المعارضة الأردنية رفعته في وجه حكومتها كنموذج للرغبة الصادقة في إنجاز الإصلاح الدستوري)، يمكن كذلك تسجيل جملة من الملاحظات الأساسية: الإصلاح المنشود بدأ بالتأكيد على البعد المرتبط بالحكم المحلي وإدارة الشؤون المباشرة للمواطنين. وهنا ميزة مغربية ما فتئت تتكرس منذ أيام العاهل الراحل الملك الحسن الثاني الذي تبنى وكرس مفهوم اللامركزية في إدارة الشأن المحلي، وهي الوصفة الناجعة لكثير من الدول العربية ذات المساحة الكبيرة. أما الملك محمد السادس، فباقتراحه للجهوية، وتعزيزها بمفهوم "الجهوية المتقدمة"، فيقوم بتجاوز البعد الإداري للامركزية –على أهميته في تقريب الإدارة إلى المواطنين- إلى إعطاء المواطنين المسؤولية المباشرة عن إدارة شؤونهم المحلية عبر مجالس جهوية (محافظات) منتخبة شعبيا، تضع البرامج الملائمة لأوضاعها، وتملك التحكم بموازناتها ومواردها المالية، وتوجيهها الوجهة التي تقدم أفضل خدمة للناس، كل ذلك عبر برامج انتخابية يستشار الناس فيها ويقررون ما هو المناسب لهم. لم تعد الخطط التنموية بعد الآن موضوعة من قبل الحكومة المركزية، وبشكل يغمط حق الجهات أو المحافظات البعيدة، وسحبت أدوات تنفيذها من يد الولاة أو المحافظين التابعين لوزارة الداخلية. هذا الجزء من الخطاب لم يحظ بنفس الاهتمام الذي حظيت به الإصلاحات الدستورية، وإن كان في رأينا بنفس الأهمية إن لم يكن أعظم، وهو ما برر ربما البدء به في الخطاب. إن إصلاحا بمثل هذا العمق لإدارة الشأن المحلي، كفيل بالإجابة المباشرة والضمنية على الكثير من المسائل التنموية المرتبطة بهذه الإدارة، ويجعل الناس فعلا لا قولا سادة مصيرهم، والمسؤولون عن الإدارة المباشرة لحياتهم. هذا الإصلاح لإدارة الشأن المحلي، ينهي حالة الاستثناء التي كانت تتمتع بها "الجهوية المتقدمة" على صعيد الأقاليم الصحراوية للملكة، ويقدم دفعا حقيقيا لمقترح الحكم الذاتي كوسيلة لحل مشكلة هذه الأقاليم، ويكرسه أسلوبا جديدا في إدارة الشأن المحلي على مستوى الجهات المختلفة للملكة، وليس كما كان ينظر إليه على أنه مقترح وضع كوسيلة للتعامل مع مشكلة الصحراء فقط، وأن من شأن تطبيقه أن يقود إلى مطالبة أقاليم أخرى بمثل هذا "الحكم الذاتي" مما سيؤدي إلى تفكك المملكة المغربية الموحدة منذ قرون. لقد وضع مقترح الحكم الذاتي منذ الآن في سياقه الإداري التنموي الناضج، وسيلة أمثل للناس من أجل إدارة شؤونهم المحلية بتوازن وتكامل مع أدوار السلطات المركزية. المرتكزات السبعة للتعديل الدستوري، جاءت تتويجا لمشاورات بدأها العاهل المغربي مع مختلف أحزاب ونقابات وجمعيات وخبراء المملكة، وقدمت كما قلنا في حزمة واحدة، بشكل يجيب على مختلف جوانب اهتمام هذه الجهات التي تمت استشارتها. نفس الأمر يصدق على عملية التعديل التي ستجري، حيث أنه وإضافة للجنة المكلفة باقتراح التعديلات، والتي طلب منها في خطاب التكليف استشارة مختلف مكونات المجتمع المغربي، شكلت هيئة من رؤساء الأحزاب والنقابات الأكثر تمثيلا، لتكون على تماس يومي مع ما يجري من نقاش داخل لجنة التعديل، حتى لا توضع أمام أمر واقع بعد ثلاثة أشهر، لتقبل أو ترفض جملة التعديلات، وهو الأمر الذي سيخرج هذه التعديلات عبر التوافق، متضمنة لبصمات الفرقاء السياسيين والجمعويين والنقابيين وغيرهم على اختلاف رؤاهم. هذه التعديلات جاءت على إثر حدثين حظيا باهتمام بالغ ولم يكونا منفصلين عن جو التغيير الحاصل، تمثل أولهما في تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والذي سيعطي للعمل التشريعي الذي يقوم به مجلس النواب معنى ومحتوى آخر، أكثر عمقا وتمحيصا من قبل مختلف الحساسيات والخبرات التي يضمها المجلس. أما الثاني فكان تحويل مجلس حقوق الإنسان من هيئة استشارية إلى هيئة تتمتع بالاستقلال والسلطة، من أجل رصد وتدعيم واقع حقوق الإنسان في المغرب، بشكل يؤمل أن ينزع اللعب بهذه الورقة من أيدي بعض الجهات الحقوقية التي احترفت المزايدة على الإجماع العام المتحقق في هذه الساحة. من الآن فصاعدا، لن يكون سهلا على الجهات المتطرفة التي ترفع راية الأمازيغية، أن تستمر في معاندتها للواقع المعاش، والذي يعكس الانفتاح والاندماج الذي يعيشه عرب المغرب وأمازيغه، وذلك عبر دسترة ما يتعلق بهذين المكونين للمجتمع المغربي على قدم المساواة، وهما المكونان اللذان تعايشا منذ الفتح الإسلامي للمغرب، وكانت ثمرة تعايشهما الخلاقة إشعاعا إسلاميا في القارة السمراء، ودولة إسلامية قوية عاشت في الأندلس على مدى ثمانية قرون، ونموذجا حضاريا إسلاميا بصم مختلف جوانب الحياة في الغرب الإسلامي برمته. الخطوط التوجيهية للتعديلات الدستورية جاءت متوازنة، وحرصت على فصل وتدعيم السلطات الثلاث. فالسلطة التنفيذية ستكون مسؤولة منذ اليوم، وعبر تقوية مؤسسة رئاسة الوزراء (الوزير الأول) عن وضع برنامجها وتنفيذه، دون أن تجتر حجة أنها بدون صلاحيات تخولها وضع البرامج وبالتالي فلا معنى لمحاسبتها. أما المؤسسة التشريعية ممثلة في مجلس النواب، فستنضاف لها مسؤوليات تشريعية ورقابية جديدة، بشكل يعزز مهامها وينقلها من حيث الممارسة إلى مرحلة أرقى، مع تعديل مهمة مجلس المستشارين وتركيبته بعد تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وربما يصار إلى إلغائه استجابة لمطالب العديد من الهيئات السياسية والجمعوية منعا لتضارب المهام وترشيدا للنفقات العامة. أما السلطة الثالثة (القضائية)، فستمتلك لأول مرة استقلالا حقيقيا عن السلطة التنفيذية، بشكل منصوص عليه في الدستور، وهو الأمر الكفيل بتفعيل دورها وتقريبها من المواطنين. كل هذا مع التنصيص على حماية ما يمكن تسميته سلطة المجتمع المدني من خلال تقنين حماية الحريات الأساسية للمواطنين دستوريا، وهو الأمر الذي ستنعم به الهيئات المعبرة عن المواطنين من وسائل إعلام ومنظمات أهلية وغيرها، وتمكينها من العمل المستقل في مواجهة السلطات الثلاث. هذا الطور الجديد من "ثورة الملك والشعب" كما كرر وبحق العديد من المواطنين والفاعلين في مختلف المدن المغربية، جاء ليعطي المغرب جرعة إضافية من اللقاح ضد الفوضى، وأملا أقوى بقدرته على كسب معركة التغيير الدائر رحاها في مختلف بقاع الوطن العربي، المعبرة عن ذاتها بالثورات الشعبية العربية هنا وهناك، والتي تأتي لتتعامل مع أمراض مزمنة فاقمتها عقود من سوء الإدارة للناس والثروات، وبشكل يجعلها في الكثير من الحالات تلجأ "لآخر العلاج: الكي". ومع ذلك، يبدو أن ما يجري في المغرب من إبداع صيغ إصلاحية أصيلة غير مستنسخة، لا يزال بعيدا عن رضى بعض الجهات التي تقف خلف المناداة بتظاهرات 20 فبراير، وتحديدا ممثلي اليسار القاعدي، وواجهته الحقوقية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجماعة العدل والإحسان غير المصرح لها بالعمل السياسي، وبعض غلاة الأمازيغية، والتي تشترك في سمات أساسية أهمها: الهامشية: وهو حكم لا يستند فقط على حجم الحشود التي تجمعت في تظاهرات 20 فبراير (لا تنسب لها جميعا) والتي شهدت بمحدوديتها كاميرات وسائل الإعلام، ولكنه يطال في الأساس مقولاتها الأساسية والتي توجد على هامش الإجماع السياسي والاجتماعي والثقافي والروحي للمغاربة. فآراؤهم السياسية والثقافية والحقوقية والدينية يكاد لا يتعدى حجم المؤمنين بها عدد الأعضاء المنخرطين مباشرة في هذه الأحزاب والحركات والجمعيات، وهم بالمئات فقط، ولا يتعداهم إلى شرائح الرأي العام المغربي بشكل عام، وهي عقدة تعلل سمتهم الثانية. التطرف: لعدم قدرتهم على التواجد وسط التوافقات العامة للمغاربة، عربا وأمازيغ، من المتشبعين بتقاليد الإسلام السمحة، وتراثهم الحضاري العربي الإسلامي العتيد، يلجأ اليساريون والأمازيغ والإسلاميون الهامشيون إلى رفع عقيرتهم بالصراخ بكل ما هو مثير ومخالف، وبالتالي متطرف بالضرورة، وسيلة للفت الانتباه واستقطاب الأضواء، وهو الأمر الذي يجد تجسيده في السمة الثالثة. المرجعية الخارجية: فعلى الرغم من التنافر الواضح بين المكونات الثلاثة، ومرجعية بعضها الإسلامية والأخرى اللادينية، فإنهم يشتركون في كون مرجعيتهم الفكرية لا تنبع من مجتمعاتهم ولا تهتم بالعلاقة معها، وهو ما يجد تعبيره عند متطرفي الإسلام الباحثين عن مماهاتنا مع إنسان أربعة عشر قرنا خلت، دون اعتبار لتطورات حياتنا خلال هذه القرون، مثلما يجد تعبيره عند متطرفي اليسار الساعين إلى مماهاتنا مع إنسان المجتمعات الغربية، الذي تكون في سياق قيمي حضاري مجتمعي مختلف كل الاختلاف (على رغم المشترك الإنساني العام الذي يجمعنا) عن إنساننا العربي المسلم، وهو ما نجد تجليه الأوضح في مطالباتهم وبإصرار على إلغاء "إمارة المؤمنين" (إذا تعذر إلغاء المؤمنين أصلا) وسيادة القيم الكونية على التشريعات الوطنية التي يصوغها الناس ويتوافقون عليها في دساتيرهم، وغيرها من المطالبين التي لا تجد من يتبناها أو يدافع عنها. وهنا نوجه كلمة أخيرة لهذه الفئة "الدكتاتورية" الأقلية الهامشية، إذا كانوا فعلا كما يدعون، ينتمون إلى قبيلة المنافحين عن حقوق الإنسان والديمقراطية: أليست الديمقراطية في أخص خصائصها تعبير عن الصياغة المشتركة التي يقوم بها أبناء مجتمع ما لمشاكلهم، والتصور الخاص لمستقبلهم، والضبط لوسائل تحقق هذه التصورات والأهداف؟؟ فأي معنى إذا لاستنساخ "معايير كونية" أو دساتير "جاهزة الصنع" صيغت جوابا لأسئلة مجتمعات أخرى تختلف عنا في كل شيء؟ ثم ما هو رأيهم إذا كان الناس في سوادهم الأعظم، وكما عبروا عن أنفسهم مباشرة عبر الامتناع عن النزول في الشارع يوم 20 فبراير، وأكدوا عبر نقاباتهم وأحزابهم وجمعياتهم ذات التمثيلية العظمى بالترحيب بالخطاب الملكي ومضامينه، رافضين لطروحات هذه الأقلية ومواقفها الاستنساخية؟؟؟ وكيف سيتصرفون أمام الإجماع أو الأغلبية التي ستعبر عن نفسها في يونيو المقبل عندما ستستفتى في الدستور الذي سينظم حياتها، وتقول "نعم" واضحة لملكية تزينها وتحفظها إمارة المؤمنين، وسلطات واضحة ومنفصلة، وإدارة ذاتية للشأن المحلي، ورفضوا اعتبار معارك هذه الأقلية معاركهم؟؟ هل نستورد شعبا يؤمن بمقولاتكم ويدافع عنها، أم تهاجرون إلى حيث يوجد مواطنين يفهمونكم ويقدرونكم، وهو ما نشك بوجوده في أي مكان من عالم. .............................. ديوان اصدقاء المغرب http://groups.google.com/group/fayad61

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل