المحتوى الرئيسى

فليبنها المواطنون لا الجيش

03/11 08:18

أقدر موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة حين تعهد للإخوة الأقباط بإعادة بناء الكنيسة التى وقع عليها عدوان آثم. ولأن الجيش يمسك بزمام السلطة فى مصر فى المرحلة الراهنة، يفرض عليه الواجب سرعة التحرك لاحتواء الموقف. لذا فقد فهمت تعهده فى هذا الإطار كتعبير عن رفض السلطة السياسية لما حدث، واعترافا من جانبها بأن ما وقع يشكل جريمة نكراء لا يمكن قبولها أو التسامح معها، وعليها بالتالى مسؤولية إصلاح ما أوقعته من أضرار ومعالجة ما خلفته من آثار. وتلك معان جميلة نحيى حرص الجيش على إبرازها والتأكيد عليها فى مرحلة حساسة من تاريخ الوطن يتعين أن تترسخ فيها معانى المواطنة على أجمل وأكمل ما تكون فى بلد كانت وستظل دائما رمزا للتجانس والتسامح. غير أن البعض فهم هذا الالتزام بمعناه المباشر، وهو أن القوات المسلحة ستقوم بعملية البناء بنفسها، تأكيدا لجديتها، وستعهد بالتالى إلى إحدى الشركات التابعة لها بمهمة إعادة بناء الكنيسة المدمرة، وهو فهم أرجو ألا يكون صحيحا لأن القضية أكبر من أن تكون مجرد كنيسة هدمت، ويتعين إعادة بنائها، ولأن الجريمة التى تعرضت لها كنيسة أطفيح هى أولى جرائم الفتنة الطائفية بعد ثورة 25 يناير، ولأن مصر فى مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير يجب أن تختلف تماما عن مصر فى مرحلة ما قبل 25 يناير، يفرض علينا الواجب أن نتعامل مع هذا الأمر بطريقة مختلفة تماما عن النمط التقليدى الذى ساد من قبل، وأن نتكاتف جميعاً لكى نثبت أن مصر تغيرت، فعلاً وعملاً، لا قولاً ورياءً. لذا أتمنى أن ندرس إمكانية أن نعهد بعملية إعادة بناء كنيسة إطفيح إلى شباب 25 يناير، الذى سبق له أن بهر العالم كله حين رفع المصحف إلى جانب الإنجيل والهلال إلى جانب الصليب، وصلى المسلم والمسيحى معاً فى ميدان التحرير، على أمل أن يتمكن من تحويل عملية بناء الكنيسة إلى مظاهرة حب جديدة تستلهم روح ميدان التحرير. لا أريد أن أشطح بأحلامى بعيداً. ولأننى لا أرضى لنفسى أن تستسلم لعالم يبدو مصنوعاً من الأوهام، وأدرك تماما حجم الصعوبات التى تعترض قدرتنا على تحويل هذا الحلم إلى حقيقة واقعة، أطالب باتخاذ سلسلة من الإجراءات التمهيدية قبل أن يكون باستطاعتنا حتى مجرد الحلم. فى مقدمة هذه الإجراءات: 1- التمكين لمن يستطيع من مؤسسات المجتمع المدنى الفاعلة للمساعدة فى التوصل إلى صلح حقيقى وليس شكلياً بين أقباط المنطقة ومسلميها، يعالج المشاكل المعلقة من جذورها ولا يكتفى بعوارضها. 2- اتخاذ جميع الضمانات التى تقنع الأطراف المعنية بجدية الدولة فى معالجة الأمر، وفى مقدمتها تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق فيما حدث. 3- الالتزام التام بمعاقبة كل من يثبت تورطه فى تعمد إشعال الفتنة الطائفية أيا كان موقعه. إن تهدئة النفوس المشتعلة بالغضب فى تلك المنطقة على أسس سليمة هو شرط مسبق لفتح الطريق أمام إشراك المواطنين المحليين، مسلمين ومسيحيين، فى عملية إعادة بناء الكنيسة المهدمة ولتحقيق التعاون المثمر والبناء مع شباب ثورة 25 يناير فى الجهود المأمولة لتحويل عملية إعادة بناء كنيسة أطفيح إلى مظاهرة حب تستلهم من جديد روح ميدان التحرير، وتشعر الشعب المصرى بأهمية وإمكانية مواصلة الطريق الذى بدأه إلى أن تحقق الثورة كل أهدافها. فإذا ما نجح شباب مصر فى أن يحيل عملية إعادة بناء كنيسة أطفيح إلى فصل جديد فى ملحمة الثورة فسيكون هذا النجاح هو الرد الأقوى على فلول العهد البائد وصناع الثورة المضادة، وسيؤكد مدى تصميم الشعب المصرى كله على التقدم إلى الأمام وعدم السماح للماضى بالعودة مهما كان الثمن. مصر جديدة تولد الآن، وعلينا جميعاً أن نحرص على أن يولد الجنين صحيحاً معافى وألا نسمح أبداً بتشويهه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل