المحتوى الرئيسى

الثورة المضادة والدهاء السياسي

03/11 02:15

إن ‮ ‬ثمة قوانين سياسية بمعني قوانين علمية برزت من دراسة التطور التاريخي للعلوم السياسية والفكر السياسي،‮ ‬ومن بين تلك القوانين‮: ‬إن الثورة تأكل أبناءها،إن السلطة السياسية تنجذب بعد فترة نحو السلطة الاقتصادية والعكس،‮ ‬وغيرها من القوانين العلمية ذات الصلة بالتطور السياسي توصل إليها علماء السياسة من دراستهم لتاريخ الشعوب وتطورها‮. ‬ولعل من أهم القوانين هو القانون المعروف بأن لكل ثورة ثورة مضادة‮.‬وقد اعتمد قانون الثورة المضادة بوجه خاص علي دراسة الثورة الفرنسية التي خلقت نوعين من الثورة المضادة لها أولاهما خارجية بتحالف الدول الأوروبية ضدها،‮ ‬وبخاصة امبراطورية النمسا المجر،‮ ‬وبروسيا وروسيا وبريطانيا وعقدها معاهدة فيينا ‮٥١٨١ ‬وبروز السياسة المعروفة باسم‮ »‬الوفاق الأوروبي‮« ‬Faropean Concert،‮ ‬ونظرية توازن القوي‮  ‬Balance of power‮. ‬وعبثاً‮ ‬حاول نابليون الحيلولة دون ذلك من خلال نظرية تأليف القلوب والشعوب عن طريق الزواج،‮ ‬ولكن زواجه من الاسرة الملكية العريقة‮ »‬الهابسبرج‮« ‬في إمبراطورية النمسا المجر لم يسفر عن شيء،‮ ‬لأن تعارض المصالح كان أقوي من التقارب الذي تخلقه رابطة الزواج‮.‬أما الثورة المضادة الثانية فكانت داخلية في فرنسا ذاتها فرغم قيام الثورة وتحطيم سجن الباستيل اشهر السجون في العالم في ارتباطه بثورات الشعوب،‮ ‬فإن القوي الملكية الفرنسية سرعان ما عملت علي لملمة شتات مصالحها ومؤيديها لكي تسترد النظام الملكي بعد سقوط نابليون،‮ ‬وظلت حالة الصراع الداخلي الفرنسي بين القوي المتعارضة زهاء خمسين عاما حتي سقوط إمبراطورية نابليون الثالث‮.‬وما نقصد إبرازه هنا أن مفهوم الثورة المضادة ليس شيئا جديدا ولا اكتشافا مستحدثا ولا نابعاً‮ ‬من الهواجس والشكوك لدي القوي الثورية لثورة ‮٥٢ ‬يناير ‮١١٠٢‬،‮ ‬ولكن له جذوره التاريخية والمجتمعية لأن القوي القمعية المتجذرة في بنية المجتمع لن تستسلم بسهولة وسوف تظل تدافع عن مصالحها في مواجهة قوي التغيير الوافدة،‮ ‬خاصة في مجتمع مثل المجتمع المصري نجد الفكر الفرعوني عميق الجذور في الشخصية المصرية سواء من الثوريين أو أنصار النظام القديم،‮ ‬سواء من الاحزاب الحاكمة أو الاحزاب المعارضة،‮ ‬ولعل من الشواهد علي ذلك هو أن النظام الحاكم السابق في مصر كان يعاني من الشيخوخة في جميع اجهزته وانسداد شرايينه انسدادا لم يترك فرصة للتغيير ولعب كثير من المثقفين ورجال القانون والسياسة والإعلام دورا بارزا في ترويج للفكر الاستبدادي وتحويل الحاكم من حمل وديع إلي أسد هصور‮. ‬بل روجوا لمفهوم التوريث في النظام الجمهوري بأساليب متنوعة ولعبت شجرة الدر دورها الخطير،‮ ‬في هذا المجال،‮ ‬باحتضان قوة المرأة،‮ ‬في حين لعب رجال الأعمال ولجنة السياسات دورهم في تطويع مفاصل النظام السياسي والجهاز الاداري بما في ذلك جهاز الأمن،‮ ‬وكادوا يصلون إلي القوات المسلحة التي لحسن الحظ ظلت هي الحصن الوطني الوحيد المنيع،‮ ‬ومن هنا كان سلوك القوات المسلحة في مواجهة ثورة ‮٥٢ ‬يناير متسما بالحياد الميال للتعاطف واحتضان مصالح الشعب،‮ ‬ولولا ذلك ما كان يمكن ان تكون ثورة ‮٥٢ ‬يناير بهذا النجاح وبهذا العمل السلمي لو كانت القوات المسلحة سيطرة عليها قوة الحزب ولجنة السياسات،‮ ‬كما سيطر علي مجلسي الشعب والشوري،‮ ‬وعلي وزارة الداخلية وغيرها من اجهزة الدولة،‮ ‬وللأسف حدث اختراق خطير لأجهزة القضاء رغم ان القضاء ككل بقي سليما إلي حد كبير،‮ ‬ومن اكبر الاختراقات كان في الصحافة التي اطلق عليها صحافة قومية‮.‬إن مفهوم الثورة المضادة هو الثورة حقيقة مماثلة،‮ ‬ولايمكن إغماض الطرف عنها،‮ ‬ولكن حدوث الثورة المضادة ليس فقط في أحشاء النظام القديم،‮ ‬وإنما ايضا من احشاء ثورة ‮٥٢ ‬يناير ذاتها وهذا هو الاخطر،‮ ‬وهنا نشير إلي ثلاث حقائق،‮ ‬الاولي‮: ‬ان كل هذه الاحزاب والاخوان المسلمين ينتمون للعهد القديم،‮ ‬وهو فلول تاريخ مصر ما قبل ثورة ‮٢٥٩١ ‬وما بعدها،‮ ‬واحزاب اخري هي احزاب أنابيب انشأها الحزب الوطني لإعطاء الشكل الديمقراطي وهي ليست احزاب حقيقية فهي بلا قواعد وبلا برامج وبلا فكر‮. ‬فلو اخذنا بمنطق الاستبعاد فإن الجميع ينبغي استبعاده،‮ ‬ثم ان بعض الاحزاب الصغيرة للغاية التي ظهرت في السنوات الخمس الماضية،‮ ‬بعضها من مثقفين ذوي فكر مستنير ولكن بلا قواعد شعبية،‮ ‬وأنا اكرر دائما ان المثقف عليه دور التنوير والتثقيف وليس الحكم والادارة‮. ‬الثانية‮: ‬ان الشعب المصري سئم من كل هذه الاحزاب التي بلغت من الكبر عتيا كأحزاب وكقيادات ولم تجدد شبابها،‮ ‬الثانية‮: ‬انه من المهم تعديل نظام الاحزاب،‮ ‬وإنشاء احزاب جديدة علي اسس سليمة اسوة بما يحدث في الدول الاخري الديمقراطية،‮ ‬كما في الهند أو حتي بنجلاديش وباكستان أو تركيا‮.‬‮>>  ‬كاتب المقال‮ : ‬خبير في الدراسات الدولية والصينية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل