المحتوى الرئيسى

كرة ما بعد الثورة‏..‏ رقابة مالية صارمة

03/10 23:51

بلال المسلمي لا يتوقف التساؤل عن موعد استئناف النشاط الكروي‏,‏ والمبرر أن التوقف الطويل يضر بمصالح الأندية ويؤثر سلبا علي اللعبة‏,‏ لكن التساؤل الأكثر إلحاحا هو كيف ستعود الكرة بعد ثورة‏25‏ يناير؟‏.‏ لقد كشفت الثورة عن عوراتنا ووجدنا أنفسنا أمام حقائق مفزعة‏,‏ كرة القدم ليست ببعيدة عنها‏,‏ دار حديث طويل حول أجور اللاعبين وطالب الكثيرون بوضع حدود قصوي لها‏,‏ فكرة بدت للبعض لا تخلو من المنطق باعتبار أن المبالغ أكبر من قيمة المسابقات‏,‏ لكن الحقيقة أن أوروبا التي سبقتنا أعلنت قبل أسابيع قليلة أنها فشلت في مساعيها لكبح جماح الأجور وقيمة الصفقات المرتفعة جدا‏,‏ وعندما أعلن الفرنسي ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فشل مشروعه لوضع حدود قصوي للأجور‏,‏ لم يكن يعني فشله في إصدار قانون ملزم بذلك لأنه لا يملك هذا الحق‏,‏ بل كان تأكيدا علي أن الاتفاق الأخلاقي الذي دعا إليه قد سقط‏.‏ كان بلاتيني قد طلب من مالكي الأندية الأوروبية الغنية الاقتصاد في الصرف والسيطرة علي جنون الأسعار وتلقي أول رسالة تأييد من مالك نادي تشلسي رومان ابراموفيتش الذي تعاقد بعد أيام مع مهاجم ليفربول الأسباني فرناندو توريس مقابل‏58.5‏ مليون يورو في تحد صارخ لمشروع رئيس الويفا‏.‏ ولهذا بدا للجميع أن تحديد سقف للأجور أمر صعب لكن بلاتيني لم ييأس ولم يستكن للفكرة بل واصل عزمه علي مكافحة البذخ لإنقاذ كرة القدم ومضي في طريقه نحو مشروع اللعب المالي النظيف للأندية الأوروبية والذي سينطلق في موسم‏2013/2012,‏ ويعتمد علي فرض نظام رقابة مالية صارمة علي الأندية بحيث لا تتجاوز نفقاتها حجم إيراداتها بأي حال من الأحوال‏,‏ إنقاذا لها من الإفلاس وحفاظا علي كرة القد ومستقبلها‏.‏ ولم يدع بلاتيني لهذه الخطوة إلا بعد أن بدأت تداعيات الأزمة المالية العالمية تلقي بظلالها علي الأندية الكروية وأن بعضها مهدد بالإفلاس بسبب التأثير السلبي للأزمة علي الشركات الراعية ومحطات التلفزيون الناقلة للمباريات وكشفت الإحصائيات أن موسم‏2010/2009‏ شهد خسائر كبيرة لعشرين ناديا أوروبيا منها ثمانية في انجلترا وواحد في إيطاليا وآخر في إسبانيا غير أن الأرقام تؤكد أن القواعد التي أقرها الاتحاد الأوروبي للشفافية المالية لو طبقت الآن فستكون نصف الأندية الأوروبية مخالفة وستتعرض لخطر الاستبعاد من المنافسات القارية لأنها مدينة بأكثر من نصف ميزانيتها‏.‏ ولهذا منح الاتحاد الأوروبي الأندية فرصة توفيق أوضاعها المالية خلال العامين المقبلين حتي لا تتعرض لعقوبات‏,‏ خاصة أن الأرقام تشير إلي أن عائدات الأندية الأوروبية في‏53‏ دولة أوروبية زادت بنسبة‏4.8%‏ أي‏11.7‏ مليار يورو عام‏2009‏ بينما ارتفعت النفقات بنسبة‏9.3%‏ لتزيد الخسائر‏1.2‏ مليار يورو‏.‏ ووفق نظام اللعب المالي النظيف يتوجب علي الأندية مراجعة سجلاتها المالية وتحسين أحوالها بشكل دوري ولن يسمح لها بالاستدانة بأكثر من‏45‏ مليون يورو مادام هذا الرقم يمكن تعويضه من جانب المالك‏,‏ هذه القواعد الجديدة والأكثر صرامة دفعت الأندية لإعادة حساباتها في التعامل مع لاعبيها عند تجديد عقودها مثلما فعل يوفنتوس الإيطالي عندما طلب من مدافعه كيليني التنازل عن جزء من راتبه إذا أراد تجديد عقده مع الفريق وهو ما حدث بالفعل‏,‏ وعرض كذلك النادي علي حارسه بوفون مرتبا سنويا يقل ثلاثة ملايين يورو عما يتقاضاه حاليا للبقاء مع السيدة العجوز‏,‏ ووضع مسئولو النادي لائحة بلاعبين مطلوبين في المستقبل يكونون أقل كلفة بحيث يستطيع النادي التخلص من ديونه التي تجاوزت‏60%‏ من ميزانيته وحتي يتجنب الاستبعاد من المسابقات القارية‏.‏ وإذا كان النظام المالي الجديد يهدف إلي انقاذ الأندية من الإفلاس فإنه ينشد الاستقرار ويكبح جماح الأسعار خاصة أن لألمانيا تجربة سبقت فيها الجميع عندما فرضت رقابة مالية صارمة قبل خمس سنوات انتهي بها الأمر بوضع أنديتها كأكثر الأندية أمانا اقتصاديا وببطولاتها المالية بالأكثر حضور جماهيري وارتفع تصنيفها في المسابقات الأكثر نجاحا إلي المرتبة الثالثة بعد إسبانيا وانجلترا وتخطت إيطاليا‏,‏ وانعكس هذا النظام بقوة علي سياسات الأندية فلم تعد تحتفظ بنجومها الكبار إذا كانت قيمتهم أكبر من طموحات النادي‏,‏ فقبل أسابيع فضل نادي فولفسبورج التخلي عن هدافه البوسني إدين دزيكو مقابل‏27‏ مليون جنيه استرليني لنادي مانشستر سيتي ليتعاقد النادي الألماني مع أربعة لاعبين بنفس المبلغ دعم بهم صفوفه‏,‏ وأمام نجاح التجربة الألمانية ودخول المشروع الأوروبي حيز التنفيذ يبدو هذا النموذج الأنسب إذا كنا راغبين في التعامل الجدي مع مرحلة مقبلة أكثر انفتاحا وحرية وشفافية وصرامة‏,‏ وستفرض علينا أمام الانفتاح السياسي اتخاذ إجراءات كالتي لجأت إليها إيطاليا في العقود الجديدة للاعبين بأن تضم بندا يمنع اللاعب من ممارسة أي نشاط سياسي طوال فترة تعاقده مع النادي تجنبا لانتقال الصراع السياسي من الشارع إلي المدرجات ثم إلي ملاعب الكرة‏.‏

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل