المحتوى الرئيسى

الفلسطينيون والهوية البلاستيكية بقلم فرج العكلوك

03/10 21:21

بقلم فرج العكلوك عندما خرج اللاجئون الفلسطينيون من ديارهم عام 48 وعام 67 وفيما بينهما وفيما بعدهما كانت الأغلبية الساحقة منهم تعتقد أنها ستعود بعد أسبوع. كان الكبار يقولون للصغار إن الجيوش العربية ستسحق عصابات اليهود المجرمة ثم ستعدينا إلى منازلنا وقرانا ومزارعنا معززين مكرمين. لقد هرب اللاجئون من وجه الاغتصاب الممنهج للنساء والقتل البربري وحرق البيوت على ساكنيها. كان الشعب الفلسطيني أعزلاً إلا من سلاح حقه في أرضه فواجهت الأسر الفلسطينية عصابات من شباب يهود وصلوا إلى فلسطين قادمين من أوروبا ليذبحوا في كل قرية العشرات والمئات ويغتصبوا النساء وهكذا وجد الفلسطيني العربي نفسه أمام جيش منظم تسبقه مدرعات تبرعت بها بريطانيا لعصابات من لصوص ومرتزقة ولم يكن الفلسطيني يخشى على نفسه وأسرته من الموت لكن العربي الذي لم يهرب يوماً من الموت كان يهرب دوماً من عار يلحق به وبزوجته أو ابنته وكان العربي ولا يزال يفضل أن يقطع جسده إلى ألف قطعة ولا يمس عرضه وشرفه. خرج الفلسطينيون بأطفالهم ونسائهم هائمين على وجوههم فمنهم من اتجه إلى الأردن والتي أكرمت ضيافتهم بل وقدم يومها الطيران الملكي الأردني تذكرة طائرة مجانية لكل فلسطيني اراد التوجه من الأردن إلى أي دولة أخرى بشهادة أجدادنا الذين غيبهم الموت. كانت مصر جمال عبد الناصر تقف مع اللاجئين قلباً وقالباً وعلى الرغم مما يذكره الكثيرون عن مساوىء الرجل ولكل الحق في التعبير عن وجهة نظره إلا أن الرجل لم يقدم للاجىء فلسطيني واحد تذكرة سفر مجانية لكي يذهب بعيداً عن حدود وطنه كما فعل بعض العرب القريبين من حدود فلسطين. خرج اللاجئون الفلسطينيون على أمل العودة إلى فلسطين بعد 7 أيام. واليوم مات الجيل الأول من الذين خرجوا وبقي أبناؤهم الذين خرجوا معهم على قيد الحياة يرمقون فلسطين من بعيد بنظرات يملؤها الشوق والحنين. لقد عايش الفلسطينيون في سنوات لجوؤهم الطويلة والمريرة كثيراً من التجارب والمحن ولكنهم لم يقفوا يوماً ويقولوا أنهم تعبوا أو أنهم على استعداد أن يسلموا الراية. لقد ولدت ومعي 5 ملايين فلسطيني في الخارج ونعيش اليوم في أرض اللجوء والمنفى. نعيش اللجوء بكل معانيه وتفاصيله. نستنشق هواء اللجوء ونأكل خبز اللجوء ونشرب علقمه لكننا لا نتوقف لليلة واحدة عن إغماض اعيننا والحلم بها تلك الفلسطين التي سكنت فينا حتى وإن لم نسكن فيها. الهوية البلاستيكية هي تلك القطعة البلاستيكية والتي تحمل الرقم الوطني الفلسطيني والتي تصدر من تل أبيب. هذه البلاستيكة العجيبة هي حلم كل لاجىء فلسطيني لكن هؤلاء الخمسة ملايين ممن لا يحملونها لم يعودوا يرغبوا بالحصول عليها من تل أبيب. هذه القطعة البلاستيكية العتيدة العنيدة هي التي تسمح لهذا الفلسطيني بدخول فلسطين وأما من لا يحملها فعليه فقط أن يقف خارج حدود فلسطين ويقفز قليلا إلى الأعلى عله يستطيع أن يلمح بعضاً من فلسطين من خلف الأسوار. لاشك أن السلطة الفلسطينية وحتى حكومة حماس في غزة قد فشلوا سياسياً وبشكل ذريع في أن يلتفتوا ولو لمرة واحدة حقيقية للاجئين. لقد فشل كل ساسة فلسطين في خلق واقع سياسي فلسطيني كالذي فرضته دولة العدو عام 48 ضاربة بعرض الحائط كل لاءات العرب وسخافاتهم. لم يستطع فصيل سياسي فلسطيني واحد حتى اليوم من ان يتقدم بمشروع وطني ليصدر لنا نحن اللاجئين في الخارج هذه القطعة البلاستيكية وأن يجبر العالم كله على الاعتراف بها. حدث هذا لأن ساسة فلسطين جميعهم قد فقدوا احترامهم لأنفسهم وفقدوا إيمان الشارع بهم وهكذا غدت سلطة فتح وحماس فاقدتين للشارع الفلسطيني في الخارج هنا حيث تطارد الهوية البلاستيكية أحلام شباب اللاجئين وتغتال تفاؤلهم. وقف أحد أصدقائي اللاجئين الفلسطينيين يوماً على معبر رفح في الجانب المصري وقد منع من الدخول وأخذ يرمق الفلسطينيين من حاملي الهوية البلاستيكية ويقول لهم: حظكم جيد. لديكم هوية. قال أحد حاملي الهوية البلاستيكية له وبغضب: على هذه تحسدوننا؟! ضحك صاحبنا وكاد أن يقع على الأرض.المضحك هنا يا سادة هو أن فلسطينياً من أبناء شعبنا الفلسطيني لا يعلم أن اللاجىء الفلسطيني يحلم ليل نهار بهوية بلاستيكية رغم أنه لا يتمنى أن تصدر من تل أبيب. كان نظام حسني مبارك البائد لا يسمح للفلسطينيين ممن لا يحملون الهوية البلاستيكية من عبور بوابة معبر رفح للدخول إلى غزة ولا يزال إلى اليوم النظام الأردني يفعل نفس ما كان يفعله نظام حسني مبارك وهكذا فإن المعبرين الوحيدين إلى فلسطين واللذان يقعان في مصر والأردن مغلقان منذ عام 1967 في وجه أي فلسطيني يريد أن يدخل إلى الضفة الغربية أو إلى قطاع غزة. يمتلك ابني الأكبر محمد هوية بلاستيكية اكتسبها من والدته وقد ذهب إلى فلسطين يوماً ووقفت كما يقف كل يوم عشرات الفلسطينيين خلف بوابات معبر رفح المصري مودعاً أسرتي غير قادر على عبور هذه البوابة. نظر محمد إلي بعد أن عبر البوابة وكان عمره 6 سنوات وقال لي بغضب: سأقتل اليهود الذين منعوك من الدخول. كان محمد يقصد يهود اسرائيل لكنني كنت أقول لنفسي حينها أن يهوداً آخرين يجب أن يقتلوا أيضاً. لقد كان هؤلاء اليهود هم يهود الحزب الوطني الحاكم في مصر وقد قتلهم الشعب المصري العظيم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل