المحتوى الرئيسى

الأنا ونيرونات العرب بقلم فرج العكلوك

03/09 18:07

بقلم فرج العكلوك كثير هم من يؤمنون أن الثورات عادةً ما تنتج ثورات مضادة مختلفة في الأداء والتفاصيل لكنها دائماً خطيرة في المؤثرات. كانت الثورات المضادة دائماً حاضرة في التاريخ القديم والحديث وعادةً ما كانت تتخذ أشكالاً متنوعة ومختلفة في أدائها ونتائجها تبعاً للتنوع الجغرافي والثقافي لكل أمة. لقد رأينا على سبيل المثال وفي مصر نفسها كيف أن عدداً من الباشوات الذين فقدوا امتيازاتهم بسقوط الملكية في مصر قاموا بالاتصال بالسفارة البريطانية أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 وعرضوا أنفسهم كبديل عن جمال عبد الناصر ووصلت الاتصالات إلى حد بدء الباشاوات في تشكيل وزارة من شدة ثقتهم في انتصار القوات البريطانية والفرنسية والاسرائيلية على القوات المصرية والمقاومة الشعبية في بورسعيد. وبالنظر الى الثورة المصرية وخصوصيتها البالغة في المحيط العربي نظراً لما تتمتع به مصر من إرث تاريخي عربي وإقليمي يمتد منذ آلاف السنين فإن الثورة المصرية تواجه في الوقت الحالي وكما يرى الكثيرون ثورة مضادة منظمة من أركان النظام السابق المتمثلين في بقايا الحزب الوطني وخاصة المتنفذين اقتصادياً منهم من قيادات الصفين الثاني والثالث والذين لم تكن الأنظار موجهة إليهم في عهد دولة مبارك. ويعزو كثيرين قوة الإشارات الواردة بشأن تلك الثورة المضادة التي يتم التحضير لها إلى تواجد الرئيس المصري المخلوع في منتجع شرم الشيخ وما تردد دون توثيق حتى الآن عن أن الرئيس المخلوع يتلقى يومياً عشرات الاتصالات الهاتفية من أفراد في الحكومة المصرية الحالية يعرضون عليه بعضاً أو كثيراً من الأمور المتعلقة بتصريف شئون الدولة. كثيرة هي التسريبات الغير موثقة أيضاً وبشكل رسمي والتي ظهرت إلى العلن عن قيام أعضاء بارزين في الحزب الوطني المنهار بمحاولة تكليف بعض الشخصيات التي كانت تنتسب لذلك الحزب وممن لهم ثقل شعبي في بعض أجزاء من الشارع المصري من أجل تنفيذ خطة الانقلاب على الثورة. لكن المراقبين يرون أن فورة الشارع الحالية سوف تقطع الحبال التي يتعلق بها هؤلاء إن استمرت هذه الفورة بنفس الوتيرة العالية. علينا أن نتذكر أن فلول النظام السابق تنظر الى مسألة الثورة المضادة من زاوية أكون أو لا أكون حيث أن اقتياد أحمد عز وغيره إلى السجن في مشهد لم يكن يتصوره حتى الشعب المصري نفسه في يوم من الأيام قد خلق حالة لدى ما تبقى من قيادات الحزب الوطني ممن لم يتم وضعهم حتى الان وراء القضبان تتمثل في حاجتهم إلى الدفاع المستميت إلى آخر لحظة عن فكرة الثورة المضادة خاصة وأنهم يشعرون أنهم لم يعد لديهم ما يخسرونه. الثورة المضادة تقودنا مرغمين إلى إطلاق البحث في مفردات وأوجه الشبه بين حالتين تاريخيتين فريدتين هما نيرون روما وبعض حكام العرب الذين يستحقون بجدارة لقب النيرونات. وعند النظر إلى أوجه التشابه بين الحكم النيروني الروماني والحكم النيروني العربي نجد أن مقاربةً ما بين تاريخ نيرون روما وحكمه وتاريخ كثير من حكام العرب وأنظمتهم هي أمر قد يستحق أن نتوقف عنده بشدة. ينتمي نيرون من جهة أبيه إلى أسرة الدوميتيين الأهينوياربيين وقد لقبوا بهذا الاسم لأن رجال هذه الأسرة كانوا يشتركون في أن لحاهم كانت ذات لون برونزي لكن الأهم من ذلك كان اشتهارهم في روما وعلى مدى خمسمائة عام بقدراتهم الكبيرة وجرأتهم وغطرستهم وقسوة قلوبهم وكان جد نيرون لأبيه مولعاً بالألعاب والمسرح وكان يقود عربة خاصة به في السباقات وينفق الكثير من الأموال على اقتناء الوحوش وصيدها وكان معروفاً بقسوته الشديدة تجاه خدمه وأرقاءه. قد يتشارك كثير من الحكام العرب مع جد نيرون في كثير من هذه الصفات لكن سيرة نيرون وسنوات حكمه تأبى إلا أن تكون قاسماً مشتركاً يطرح كثيراً من أوجه الشبه بين أسلوب حكم نيرون روما ونيرونات العرب الذين حكموا أوطانهم بنفس الطريقة. أحاط نيرون نفسه بمعاونين من ذوي الغلظة والفظاظة، فأصبح تجلينس، رئيس شرطة المدينة، مستشاره الأول، ويسر رئيس الشرطة هذا للزعيم كل سبيل الملذات. كان نيرون روما قد اعتلى عرش روما وهو في سن الخامسة عشر وبدأ حكمه بإصلاحات سياسية واجتماعية وهو ما فعله كل نيرونات العرب تقريباً عند بداية حكمهم وما لبث بعدها أن انقلب حكم نيرون روما إلى نظام مليء بالفساد ومحاباة جنده وأتباعه بالرواتب المرتفعة بينما كان الشعب يرزح تحت فقر مدقع. كان هاجسه اليومي أن يتعرض لانقلاب ولذلك نكل بالكتاب والشعراء ومن توجس منهم خيفة أن يكونوا ضالعين في مؤامرات تخيل أنها تحاك ضده وكان حرقه لروما وجلوسه متفرجاً بمثابة المسمار الأخير في نعش حكمه. خرج مجلس شيوخ روما على نيرون فهرب يتلوى من الجوع ترتعد فرائصه وبلغه بأن مجلس الشيوخ قد نادى به عدواً للشعب وأمر المجلس بالقبض عليه ومعاقبته بالتجريد من ثيابه والصلب على عمود بمسمار ذي شعب يدق في عنقه ثم يضرب حتى الموت. ارتاع نيرون من هول العقاب فحاول أن ينتحر لكنه فشل في ذلك فطعن نفسه مجدداً لكن يده اضطربت فأعانه إبثروديتس أحد معاتيقه على أن يدفع سن الخنجر إلى نهايته. إنه فساد النفس من داخلها. لقد كان نيرون روما أيضاً فاسداً في توزيعه للثروة وكأن التاريخ يريد أن يقول لنا أن طغاة العالم ومستبديه كلهم يشتركون في صفات واحدة يكررها التاريخ دوماً كصور لا تتلاشى من ذاكرة الأجيال. لقد عرف التاريخ قادة أنهوا حياتهم السياسية بشرف واعتزاز فمنهم من قتله عدوه لموقف ما اعتنقه ودافع عنه ومنهم من وهب حياته وسنوات شبابه الجميلة خلف قضبان الاعتقال مدافعاً عن فكره أو رأيه أو وطنيته ومنهم من قتل في معركة خلدها التاريخ، لكن القادة الذين خرجوا من الحياة السياسية وهم يجرجرون أذيال الخزي والعار والفضائح المالية اشتركوا جميعهم في أنهم سعوا وبشدة إلى ثورة مضادة فكان نيرون روما يرى في حرق روما انتقاماً منها ومن أهلها الذين توقفوا عن مبادلته مشاعر الحب التي كان يؤمن بشدة أنه يستحقها. إن الطغاة دوماً يعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم يستحقون تقدير وحب شعوبهم حتى وإن ظلموا تلك الشعوب ذلك أنهم يعتقدون أيضاً في نفس الوقت أن شعوبهم لا ترقى إلى درجة تستحق معها أن تمنح حقوقاً سياسية نسميها اليوم بالديمقراطية. هذه السيكولوجية المعوجة والتي هي حقيقة في واقع التاريخ ليست ضرباً من الخيال أو بمثابة هذيان سريالي في ليلة انتصف فيها القمر. إنه التاريخ يريد أن يقول لنا أن"الأنا" تخلق النيرونات وأن الأمم والشعوب وخاصة الفقراء منهم والهائمين على وجوههم بحثاً عن كسرة الخبز في صفائح القمامة هم ابعد ما يكونون عن معرفة معنى هذه الكلمة النيرونية العمياء "الأنا". وبين "الأنا" و "آه" الشعوب خيط رفيع بين الطغيان الضارب في جذوره في معظم دول الشرق الأوسط اليوم وبين أمل يتلألأ في عتمة الليل البهيم الذي يعيشه منذ ما يقارب المائة عام مطلقي صرخات "الآه" في عالمنا العربي النيروني.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل