المحتوى الرئيسى

ما الذي يريده الشعب حقَّاً؟ بقلم: جواد البشيتي

03/09 18:08

ما الذي يريده الشعب حقَّاً؟ جواد البشيتي أنظمة الحكم العربية، وعلى كثرتها، هي، من حيث ما تشترك فيه جميعاً من خواص وسمات جوهرية، نظام حكم واحد؛ لكن بوجهين: جمهوري وملكي. ولقد وَعَت شعوبنا حقوقها كافة، وفي مقدَّمها حقوقها الديمقراطية، بما يكفي لجعلها ترى الفرق بين "الجمهورية" و"الملكية"، في عالمنا العربي، في حجمه الواقعي الحقيقي؛ وإنَّه لحجم من الضآلة بمكان؛ ذلك لأنَّ "الجمهوريات" و"الملكيات" العربية تشترك جميعاً في كونها تصارِع دائماً في سبيل بقاء "الوجود السياسي والديمقراطي للشعب" ضئيلاً ضآلة حجم الفرق بين "الجمهورية" و"الملكية" العربيتين. إنَّ شعوبنا تريد الآن (وتحتاج الآن إلى) إنشاء وتطوير صلة جوهرية بين "الجمهورية"، أو "الملكية"، وبين "الديمقراطية" المعمول بها عالمياً، وغير المُفْسَدة بـ "التعريب"، أو بما يسمَّى "الخصوصية (القومية والثقافية والاجتماعية..)"، والتي ضُخِّمَت حتى كاد "العام"، و"العالمي"، من القيم والمبادئ الديمقراطية، يختفي منها تماماً. وإنَّ شعوبنا، من ثمَّ، ستجيب الإجابة السليمة عن سؤال "ما العمل الآن؟"، إنْ هي آمنت وسلَّمت بما هو في منزلة البديهة الهندسية الآن، ألا وهو أنَّ "الجمهوريات" و"الملكيات" العربية هي جميعاً نظام حكم عربي واحد، يقوم، من حيث الجوهر والأساس، على نفي الديمقراطية، ومناصبتها العداء، الصريح تارةً، والمستتر طوراً؛ فإنَّ الشعب الذي يُعْمَل، على مدار الساعة، على الحيلولة بينه وبين تمتُّعه بحقوقه السياسية والديمقراطية، وممارسته لها بحرِّية تامة، هو الذي يريدونه شعباً أبدياً لنظام الحكم العربي الواحد، بوجهيه "الجمهوري" و"الملكي". من قبل، كان متعذَّراً على كثير من العرب المحكومين بالأوهام أيضاً أنْ يروا الوهم الكبير في شعار، أو مطلب، "الإصلاح السياسي والديمقراطي.." لأنظمة الحكم العربية، أو لنظام الحكم العربي بوجهيه؛ أمَّا الآن، وبعد كل هذا الذي رأيناه في تونس ومصر واليمن، وفي ليبيا معمَّر القذافي على وجه الخصوص، فلقد أصبح في منزلة بديهية "القاهرة عاصمة مصر" أنَّ هذا "الإصلاح" كصلوات كاهن في مواجهة انحباس المطر؛ فنظام الحكم العربي غير قابل للإصلاح، فَلْتَكفُّوا عن الصلوات والدعاء، وعن تعليل أنفسكم بالأوهام، وفي مقدَّمها وهم "الحكم الرشيد"، الذي كان فاسِداً مُفْسِداً، فأراه الله الحق حقَّاً..، والباطل باطلاً..! إذا امتثلنا واستخذينا لسلطان "الحقيقة" و"الواقع" و"العقل".. و"التجربة الثورية" في تونس ومصر واليمن والبحرين..، ونبذنا، من ثمَّ، "الإصلاح"، أي وهم الإصلاح، شعاراً ومطلباً ونهجاً سياسياً للشعوب، فما هي الطريق إلى التغيير الذي تريده، وتحتاج إليه، أُمَّة خرجت من الأجداث سِراعاً؟ إنَّها فحسب طريق "الثورة (الشعبية الديمقراطية)" التي هي وحدها الإصلاح الحقيقي الواقعي؛ لكونها اجتماع "الهدم" و"البناء" معاً؛ إنَّها تهدم (وينبغي لها أنْ تهدم) من أجل البناء، وتبني بعد، وبفضل، الهدم؛ ولقد رأينا أنَّ مجيء الحق وزهوق الباطل قد خالطهما حتماً هدم الأصنام. قلنا، ونقول، إنَّ الفرق بين "الجمهورية" و"الملكية" في أنظمة الحكم العربية هو فرق شكلي، ضئيل الحجم والأهمية، ويكاد يشبه الفرق بين "المرأة" و"الرجل" في "الكتاب الأخضر" لمؤلِّفه الفيلسوف العقيد، فإنَّ "المرأة تحيض، والرجل لا يحيض"! وإذا أردتم دليلاً على صِدْق ما أقول (في أمْر الفرق بين "الجمهورية" و"الملكية" في عالمنا العربي) فإنَّي أقْتَرِح عليكم أنْ تفكِّروا مليَّاً في إجابة الواقع عن السؤال الآتي: "هل تمخَّضت إطاحة نظام الحكم في مصر عن إلغاء الجمهورية؟". وفي البحرين، قد نرى، عمَّا قريب، إطاحة نظام الحكم فيها مع بقاء الملكية؛ ذلك لأنْ ليس من صلة سببية بين "ثورة تطيح نظام الحكم" وبين "بقاء الملكية شكلاً لنظام الحكم الجديد". توضيح هذا يشقُّ الطريق إلى توضيح أمْر آخر لا يقل أهمية؛ وهذا الأمْر هو شعار، أو مطلب، "الملكية الدستورية". إنَّني لم أفهم شيئاً من هذا الشعار، أو المطلب؛ أمَّا السبب فيكمن في كونه مستغلقاً على الفهم. "الملكية الدستورية" إنَّما تستمد معناها الواضح الجلي، وتُفْهَم على خير وجه، من خلال مقارنتها بنقيضها ضِمْن النُّظم الملكية، فإنَّ الحكم الملكي المطلق الأوتوقراطي، أي الحكم الذي يمارسه الملك بلا دستور، أو من غير أنْ يتقيَّد بدستور، هو هذا النقيض، الذي إنْ وَقَفْنا عليه، وعلى خواصِّه وسماته الجوهرية، ندرك، عندئذٍ، ماهية، أو ما هي، "الملكية الدستورية". وهذا الذي قلْت إنَّما يعني أنَّ "الملكية الدستورية" شعاراً، أو مطلباً، لا معنى له حيث النظام الملكي "مُدَسْتَر"، أي له دستور، أو حيث الملك يمارس سلطاته وحكمه متقيِّداً بدستور. وعملياً يعني أنْ ننأى بـ "الجمهورية" و"الملكية" عن التغيير الشعبي الديمقراطي الثوري الذي تريده، وتحتاج إليه، شعوبنا ومجتمعاتنا العربية؛ فهذا التغيير يمكن ويجب أنْ يتحقَّق ضمن "الجمهورية" في الجمهوريات العربية، وضمن "الملكية" في الملكيات العربية. ويعني (عملياً أيضاً) أنْ تُطلِّق شعوبنا ومجتمعاتنا ثلاثاً وهم "الإصلاح السياسي والديمقراطي.." لأنظمة الحكم العربية؛ فها هي التجربة (في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين..) تؤكِّد لكل أولئك الذين ما زالوا يطلبون دليلاً على وجود النهار أنْ لا عطَّار يمكنه إصلاح ما أفسده الدهر؛ فإنَّ هذا الإصلاح وهم يعمي الأبصار، ويشل البصائر. ويعني أنْ تسير (شعوبنا ومجتمعاتنا) فحسب في مسار الثورة، والذي فيه نرى البناء يأتي من الهدم.. من هدم كل ما يجب هدمه، توصُّلاً إلى ابتناء مجتمع حر، الفرد فيه من أجل الكل، والكل من أجل الفرد. ويعني أنَّ الحكومة البرلمانية، أي التي تقيمها الغالبية البرلمانية، هي السلطة التنفيذية، وأنَّ السلطة التنفيذية هي "هذه" الحكومة؛ فمتولِّي السلطة التنفيذية لا يتولاَّها إلاَّ إذا كان، دستورياً، مسؤولاً مسؤولية تامة عن قراره وقوله وعمله، وعُرْضَة للمحاسبة والمساءلة.. وللعزل أيضاً. ومع الإقرار بمبدأ أنَّ "هذه" الحكومة والسلطة التنفيذية هما شيء واحد يصبح ممكناً، من الوجهة العملية والواقعية والمنطقية، عندئذٍ، تطبيق مبدأ "التداول السلمي (الديمقراطي) للسلطة"، أي للسلطة التنفيذية (أو الحكومة). إنَّ الشعب يريد، ويجب أنْ يريد، "إطاحة نفسه"، أي أنْ يتحوَّل من أفراد إلى جماعة منظَّمة سياسياً، تُنظِّم نفسها بنفسها، تعي حقوقها كافة، وفي مقدَّمها حقوقها السياسية والديمقراطية، وتعرف كيف تحامي عنها، وتنتخب حكومتها انتخاباً حُرَّاً ديمقراطياً، من خلال انتخابها (انتخاباً حُرَّاً ديمقراطياً) لبرلمان يمثِّلها سياسياً، له عيون وآذان وأظافر وأنياب. وإنِّي لمتأكِّد تماماً أنَّ الشعب لن يتمكَّن من "إطاحة نفسه"، على هذا النحو، وبهذا المعنى، قبل استنفاده فترة أو مرحلة الانتقال إلى المجتمع الحر الديمقراطي، والتي فيها نرى الشعب متمتِّعاً بحقوقه السياسية والديمقراطية كافة، يمارسها بلا خوف أو وجل، تنمو فيه "الجماعية"، روحاً وتفكيراً وإرادةً وميلاً وعملاً..، وينظِّم نفسه بنفسه، دفاعاً عن حقوقه ومصالحه، ويحيي عظام "الحزبية السياسية" وهي رميم، فتزدهر الأحزاب ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، ويلبس هذا المجتمع، من ثمَّ، لبوساً دستورياً جديداً، على أنْ يكون قانون الانتخاب (الديمقراطي) الجديد هو الجزء الأهم من هذا اللبوس الدستوري؛ وهذا القانون لن يكون بهذه الأهمية إذا لم يتضمَّن "نظام التمثيل النسبي". الشعب، بانتفاضته (أو ثورته) السلمية المدنية، إنَّما يريد شيئاً واحداً فحسب هو "حقوقه السياسية والديمقراطية كافة"، مع هدم "السور الصيني" الذي أقيم بين "الحقِّ في التعبير" و"الحقِّ في التغيير"؛ فشعوبنا آمنت الآن بأنَّ "التفسير" لا أهمية له إنْ لم يهيِّئ لـ "التغيير".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل