المحتوى الرئيسى

الثورة ليست مقصلة عمياء

03/09 09:42

لا أجد تشبيهاً دقيقاً لما يحدث فى مصر بعد الثورة أفضل من الوصف الذى سمعته من الزميل يحيى غانم، رئيس قسم الشؤون الدبلوماسية بجريدة «الأهرام»، الذى وصف ثورة 25 يناير بأنها «تشبه شلالات المياه المتدفقة عند منابع النيل»، وأن الثورة إذا لم تعثر فوراً على مسارات منضبطة، وآمنة، سيحدث لها ما حدث مع مياه النيل المتدفقة باندفاع عارم عند المنابع، ورغم ذلك تحولت بسبب عدم وجود ضفاف تضبط اندفاعها إلى انجراف عشوائى ضائع فى الأحراش والمستنقعات.. وإلى بؤر سياسية ملتهبة تنذر بحروب ومجاعات بدلاً من أن تبشر بالخير والنماء والإعمار. نعم، الثورة شلال متدفق، يبشر بالرخاء والنظافة والانطلاق نحو مستقبل آمن وأمين، لكن غياب الضفاف التى تضبط إيقاع الثورة وتأخذها إلى مسارات التنمية والإنتاج والعدل الاجتماعى سيقذف بهذا الشلال المبهج إلى مستنقعات كريهة تتكاثر فيها الطحالب والأوبئة. وغياب الضفاف التى تضبط وتجمع شلال الثورة يتمثل فى الغياب المخيف لقوى الضبط الاجتماعى، والحضور المرعب لأخلاق الترصد والتشفّى والتخوين التى اندلعت الآن فى كل مواقع العمل، وأصبحت حرائق الشرف أكثر اشتعالاً من حرائق الملفات والمستندات فى الشركات والبنوك والهيئات الاقتصادية ومقار مباحث أمن الدولة. إن الثورى الحقيقى هو الأكثر احتياجاً الآن، وفوراً، إلى العودة الآمنة والكريمة لجهاز الشرطة بكامل عتاده وهيبته، وأى تحريض أو تشجيع للاعتداء على ضباط وأفراد الشرطة يمثل الآن جريمة سياسية لا تغُتفر، وأى تعمد من جانب بعض ضباط الشرطة لإثارة الفوضى وإطلاق البلطجية على المواطنين يمثل جريمة ضد الإنسانية تضع مرتكبيها فى خانة الخونة وأعداء الوطن والثورة. أعرف أن هناك ضباط شرطة تغولوا فى أعراض الناس ونهبوا أموالهم ودمّروا كرامة كثيرين، وأعرف أن هناك علاقة عضوية بين الشرطة والبلطجية، وأعرف أن دماء الشهداء والمصابين لا تقبل التفاوض أو المصالحة، لكن الشرط الأول لاستكمال أهداف الثورة وتطهير جهاز الشرطة والقصاص العادل للشهداء والجرحى يتمثل فى إخضاع كل شىء لتحقيق قضائى منضبط لا يسمح لمجرم بالإفلات من العقاب، ولا يسمح للثورة بأن تتحول إلى مقصلة عمياء تطيح برقاب الشرفاء والأبرياء أكثر مما تطيح برقاب الفاسدين والمجرمين. إن الخاسر الأكبر من انفلات الثورة هو المواطن الذى قامت الثورة من أجله، وكل اعتداء يقع على ضابط شرطة فى مكان عمله أو فى الشارع هو إزهاق مع سبق الإصرار والترصد لروح الثورة، وتجريد متعمد وجهول لكل المواطنين من أهم وسائل الضبط الاجتماعى، وتخطيط واع لانفلات مجتمعى تتحول معه الثورة إلى جثة بلا روح، وإلى مستنقع يشغى بالأمراض والأوبئة. لقد سرحت الضباع فى شوارع القرى والمدن، وتوحش البلطجية فى الاعتداء على الآمنين، وتحولت أعداد غفيرة من العمال والموظفين إلى معاول هدم وتخريب لأماكن العمل، والمدهش أن كثيرين من هؤلاء كانوا قبل الثورة خانعين، وقد أصبحوا الآن قضاة شعبيين يصدرون الأحكام برعونة ضد رؤسائهم، ويصادرون حق أى متهم فى محاكمة عادلة أمام قاض طبيعى لا تتحكم فيه أهواء التشفى وتصفية الحسابات الشخصية. فيا عتاة الثوار الجدد.. ويا كل المناضلين بعد أن أصبح النضال سهلاً: ارحمونا من هذه الفوضى، وكفوا ألسنتكم وأيديكم وأقلامكم حتى يتدفق شلال الثورة فى مسار يأخذنا جميعاً إلى مستقبل آمن. [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل