المحتوى الرئيسى

الأقباط والحقوق الضائعة.. البرادعى والثورة

03/09 09:42

لا تكتمل الديمقراطية دون إعلاء شأن «المواطنة».. ولا تتطور أمة فى غياب مبدأ المساواة وقيمة العدالة.. والثورة المصرية لن تنجح إلا إذا نظرت لملف الأقباط بوعى وتحضّر.. فليس خافياً على أحد أن النظام السابق ارتكب أخطاء «فادحة» فى معالجة هذا الملف.. منها إسناده دائماً لأجهزة الأمن، مع أنه ملف سياسى واجتماعى، فغابت الحنكة والشفافية، وصنع الأمن عداءً حاداً مع الأقباط، لأن الملف ليس ملفه، والدور ليس دوره! ومن الحكمة الآن أن نعيد فتح الجروح الغائرة فى جسد الوطن.. ومن العدل أن نقول إن الأقباط لديهم مطالب حقيقية، وإنهم تعرضوا للظلم على مدى عقود طويلة.. وليس معنى أن الظلم كان يطال كل المصريين أن يظل وضع الأقباط فى مساحة الصمت والتجاهل.. فأنا لا أفهم أن يُحرَموا من بعض المناصب القيادية والمهمة والحساسة لأنهم «أقباط».. ففى ذلك انتقاص واضح، ليس من حقوقهم فحسب، وإنما من وطنيتهم باعتبارهم مصريين! وأنا لا أفهم أيضاً إصرار النظام السابق على محاولة إقناعنا بأن بناء كنيسة خطر على الأمن القومى، وكأن دولة معادية هى التى تبنيها وتُصلّى فيها.. ولا أفهم أن يرسخ النظام ورجاله وإعلامه عبارة «الوحدة الوطنية» فى أذهان شعب عاش طوال تاريخه دون «طائفية».. ولا أفهم أن تتعامل أجهزة الأمن مع الأقباط باعتبارهم كياناً داخل الدولة يحكمه البابا: يتفاوض للحصول على مكاسب.. ويغضب ويعتكف لحماية «شعبه».. ولم أفهم فى أى مرة أن تقوم الدنيا ولا تقعد لأن فتاة مسيحية أسلمت، أو فتاة مسلمة أحبت شاباً مسيحياً.. غير أننى أفهم جيداً أن هذه الحالة لم تكن يوماً من صُنْع الشعب، وإنما هى «لعبة» كان يمارسها النظام لحفظ أمنه هو ومبررات استمراره فى ظل الأجواء المشتعلة دائماً! لا أحب الحديث عن الأقباط باعتبارهم آخر.. كيف لى ذلك وقد تعلّمت وتربيت فى بيتى الأستاذين الراحلين «جرجس» و«فايز».. كانا يعملان مع والدى، يرحمهم الله جميعاً، فى التربية والتعليم.. وحين كان والدى ووالدتى يسافران فى زيارات عائلية كانا يتركاننا أمانة فى رقبة أحدهما.. وكان الأستاذ «فايز» يقرص أذنى حين أخطئ فى اللغة العربية أثناء «حصة الحساب».. وكان «عمى جرجس» يقرص الأذن الأخرى حين أغفل إحدى الصلوات وأنا فى بيته.. مازالت كلماته ترن فى أذنى وهو جالس فى صالة بيته وأنا أقف على «حوض الطرقة الصغيرة»: «اتوضى كويس يا مجدى.. العشا 4 ركعات مش العصر اللى كروتّه فى ركعتين».. كانت ضحكته ترنّ، فأضحك وأرتمى فى حضنه! لا شىء لك فى دينى.. ولا كلام لى فى عقيدتك.. كلانا مصرى عانى من سنوات القهر ووضع حياته على كفه لنجاح الثورة.. فقد خرج المصريون جميعاً إلى ميدان التحرير.. المسلم توضأ من ماء يحمله المسيحى.. والمسيحى نام ساعة راحة على كتف المسلم.. فكيف نسمح بالتطرف ونعرة طائفية زرعها النظام السابق فى عقول جاهلة؟! للأقباط حقوق المواطنة.. وواجب علينا جميعاً أن ندافع عنها.. ولكن ربما يكون الوقت الآن غير مناسب.. فمصر منهكة بعد الثورة.. وعلينا أن نضع هذه الحقوق ضمن أولويات المرحلة الجديدة من البناء.. وعلى الأقباط التعبير عن ذلك بتحضر وسلمية، ودون إنهاك البلد أكثر وأكثر.. وأنا أقول لكل المصريين: مَنْ صنعوا الثورة وهزموا النظام القمعى والباطش لن يكون صعباً عليهم الدفاع عن حقوق الأقباط وترسيخ التعايش والتسامح الدينى فى المجتمع.. فقط بعض الوقت لتنظيم الحركة! ■ البرادعى والثورة: كتبت هنا يوم 27 يناير غاضباً من الدكتور محمد البرادعى.. كان ذلك قبل قدومه إلى القاهرة وخروجه فى مظاهرة «جمعة الغضب».. وللحق فإن غضبى نبع من حبى الشديد وانتمائى لمشروع وأفكار ووطنية البرادعى.. كنت أشعر، مثل كثيرين، بالفراغ والخوف على البلد حين يسافر.. كنت أريده بجوارنا دائماً لنستمد منه القوة على مواجهة النظام.. كنا جميعاً نفكر، ونكتب، ونحن فى غمرة الثورة والقمع للمتظاهرين.. وكان المشهد مرتبكاً للغاية! غير أن الموضوعية والهدوء عادا إلىَّ بعد عودة البرادعى.. كنت سعيداً وأنا أراه فى «جمعة الغضب» وأمواج الثورة التى نادى بها منذ قدومه إلى مصر.. أعرف أن عتابى له لم يُغضبه لأنه ليبرالى حقيقى.. ولكن الإنصاف يفرض علىّ أن أقول إنه المفجر الحقيقى لهذا التحرك.. وأراه أيضاً صاحب الدور الأكبر فى المرحلة المقبلة.. وأطالب كل من اختلفوا معه ممن أحاطوه فى البداية بأن يلتفوا حوله الآن لبناء مصر التى حلم بها كثيراً، فزرع بداخل كل منا الحلم ذاته الذى يتحول اليوم ـ بإصرارنا ـ إلى واقع ملموس. [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل