المحتوى الرئيسى

القزم والمارد بقلم:محمد خير عواد

03/08 16:49

القزم والمارد تجوب الرياح حاملة عبر طياتها صرخات الم وتحف في رؤوس الفقراء ساخرة منها ,وأثناء مرورها في سمائهم لا تحفل بأمرهم وحتى شعورهم لا تتطاير لأنها متجعدة ,فهي رياح مجنونة لا تعرف سوى وجهتها ثيابهم ممزقة تراقص تدافعات الرياح ساخرة منها لأنها أدركت أن الأجساد التي تلتف حولها لا تخلو من البدائل لتحفظ نفسها . يطول الزمان وتشتد الرياح حتى بليت الثياب تطايرت أشلاء لتسقط على الأرض. تماما كسقوط أوراق الشجر في موسم الخريف, وتتعرى الأجساد تماما لكنها تملك جلودا تكسو أجسادهم لتحميها وهي ليست ملكا لسواهم فهي تحتوي قوامهم منذ أن خلقوا على وجه الأرض, ولا تهترئ بسهولة , وإن اهترأت تنمو من جديد وينمو جسد حنظلة الصغير ويكبر مع كبر المأساة وينسلخ نهار من الليل لتتوالى الأيام وهي تعلم حنظلة الصغير أشياء جديدة . يمشي في الأسواق والأحياء, يشاهد جمعا من الناس, فضوله يدفعه لمعرفة ما يدور فهو مستمع جيد ويحب التعرف على كل شي ذات مرة سمع رجلا قوي البنية يقول لرجل هزيل القوام الذي ينظر إليه بعنجهية ووقاحة : إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك متسائل حنظلة قائلا لماذا لا ينتزع هذا الرجل القوي حقه من هذا الرجل الهزيل . وبعد ترقب قصير تبين أن الرجل الهزيل يستمد وقاحته من مرافقيه, عندها أدرك حنظلة أن القوة لا تؤخذ بشكلها بل بخفاياها, فالجمال كبيرة وضخمة وتملك قوة خارقة تقهر بها الصحراء ولكن يقودها حمار صغير ,يتابع حنظلة المسير مكدرا من مشاهد والقهر والتسلط وأقدامه تجوب فيه الطرقات على غير هدى حتى سمع كلمات دخلت عقله دون استئذان حيث نافذة مشرعة, علم أنها دار العلماء والحكماء, سحر الكلمات جذبه ليسمع المزيد, فهو لص بريء لا يأخذ سوى ما يشبع فضوله, قال أحدهم كبير القوم خادمهم, وأن كان بخير كانت رعيته بخير, ورد آخر بل كبير القوم كرأس من الجسد فإن كان بخير تمتع باقي الجسد بالراحة, وأحدهم قال العقل السليم في الجسم السليم وخرج صوت مميز بدا لحنظلة كهدير الحق القادم من السماء قائلا: أحب الناس عند الله من قال كلمة حق أمام سلطان جائر. حنظلة ينتفض كزوبعة أولها وجه الأرض ونهايتها أعالي السماء متسائلا! هل الطاغية يحيا مثلنا؟ وهل ثيابه مثل ثيابنا الممزقة!! وهل يحصل على قوته بعناء شديد كما نحن ! وهل يسكن في بيت كبيوتنا التي يمنعها من السقوط قدرة العلي فقط,ثم تنهد تنهيدة وكأنه يلفظ كبده, بعدها قرر كسر حاجز الخوف ويذهب لقصر الطاغية , ليقول له مقولة تعلمها قائلا لنفسه إما أبقى طول العمر صامتا, أو أموت مقهورا ومنسيا, أو أقول كلمة حق تدوي في سمائنا القاتمة,وإن كان دمى وقودا يفجرها فلن ابخل بذلك. عادت ذاكرته إلى أقصى ما يمكنها حتى وصل لبدايات طفولته, فلم يجد سوى وجه باك وابتسامة تزاحم البؤس ولمسة حنان تغمر قلبه, توالت مشاهد الذاكرة حتى حاضرة حيث يقف مقهورا , تأجج عنفوانه غلت دماؤه, بدا كفجوة بركان تحطم حاجز الخوف انطلق حيث وجهة القصر, تارة يتوارى وتارة يمشي حذرا حتى وصل أسوار القصر. تربص في جمع مهيب وهم من ذوي المقامات المحببة في موقع كهذا ومعهم أتباعهم من خدم وحشم مشى من بينهم ولم يتعرضه أحد لأنه ليس محط الأنظار لحظتها ولاذ بين الورود والأشجار حيث مكان أمن ينطلق منه إلى صاحب الشأن جثا بين الورود بجسده النحيل حيث شاهد بعض الجند القريبين , رائحة الورود دخلت صدره, أمعن في ألوانها, شاهد بعض نحلات تنتقل من زهرة لأخرى, ابتسم حنظلة وقال: لا غرابة في حريتها فوق الزهور, فهي تدفع الضريبة من قوتها لكي يتلذذ به الطاغية , مسكينة فأنت مثلنا قائمة على خدمته, شاهد نافذة قريبة ترتفع بما يوازي ارتفاع شجرة برتقال كبيرة تحاذيه, تسلل حيث هي وتسلقها حتى غمرت جسده النحيل أوراقها, حنظلة شعر بالأمان من شجرة رفات أسلافه ملحها, تارة يسمع نبرات صاخبة, وتارة همهمات لا يفهمها, وينتهي الأمر بقهقهة لا تكاد أن تتوقف . لحظات وتشرع أبواب النافذة , لكنه لم يعد يسمع شيئا سوى رائحة الهواء الذي لوث بأفواههم من كثرة خروج كلمات الباطل. هبط من علو الشجرة متثاقلا وسارع بالتربص وهو يتحين الفرصة لدخول قصر الطاغية ويفضي بالذي أثقل صدره. كبير الحراس مقبل من جهة حنظلة وهو يلوذ بين الزهور أدرك كبير الحراس حركة الزهور اقترب إليه شاهده, سارع لسؤاله من أنت ؟ وماذا تفعل هنا؟ تأتأ مدركا حجة ترضي تساؤله, قال أنا أنا ابن البستاني, نظر إليه بإ متعاض وقال لماذا ترتدي ثيابا قذرة فهي لا تليق بوجودك في هذا القصر فأنت تشوه صورته الجميلة. أجابه بلغة لا تخلو من الدهاء قائلا, أنا من الرعية ولا أملك سواها.. أيعقل أن أملك الماء وأتمرغ بالتراب! أيعقل أن أملك بيتا وأنام في العراء ؟ وأملك طعاما وأنام جائعا. كبير الحراس جحظت عيناه وانقض عليه يمسك به قائلا لا لا يمكن أن تكون ابن البستاني, هيا هيا سر معي وأنت هادئ, حنظلة حسنا ولكن إلى أين؟ ضحك ساخرا إلى أين ؟ إلى السجن أيها الأبله, حين وصوله باب السجن فتحه ودفعه خلف القضبان, كما لو كان حبة برتقال سقطت من يد مترف في بركة ماء تدافعت حلقاتها حتى النهاية تناقلت أخباره بين حاشية القصر إلى أن بلغ الطاغية الخبر. طلب منهم الفتى حنظلة ليمثل بين يديه, كبير الحراس جاء إلى حنظلة وهو قابع في سجنه , كبير الحراس يحمل ثيابا جميلة ألقى بها على حنظلة حيث يجلس قائلا: هيا انزع ثيابك القذرة وارتد هذه الثياب الجديدة فأنت ستمثل بين يدي سيدي بعد قليل , حنظلة نظر إلى الثياب وكأنه ينظر إلى جيفة دون أن ينبس بكلمة واحدة مما أثار غضب كبير الحراس , ودخل عليه مع بعض من الجند وأمسكه من كتفه ورجه بقوة قائلا: هل أصابك الصمم؟ هيا انزع ثيابك وارتد هذه الثياب ,حنظلة قال أحب أن أقابل سيدك على حقيقتي لا أريد أن أكون أمام السيد صندوقا مرصعا بالذهب والفضة وبداخله اوزار الوجود 0 كبير الحراس حاول إرغامه مع الجند لكنهم أمام إصراره لم يفلحوا ,قائلا حنظلة: لن أرتديها حتى لو قتلتني وإمام اصراره لم يجد خيارا سوى ارساله على النحو الذي يريده حنظلة وصل كبير الحراس مع حنظلة الصغير حيث قاعة الطاغية ومثل بين يديه ,وعندما وقع نظر الطاغية عليه اشمأز قائلا :لما انت بهذه الثياب؟ ومن أي مكان وزمان أنت ؟ اعتقد أنك قادم من العصور القديمة وانفجر ضاحكا وشاركه الجميع الضحك وبدت أسنانهم وكأنها حاجز بين الحق والباطل ,وبعد انتهاء الجميع من الضحك ساد المكان هدوء مفاجىء وتوجهت الأنظار إلى هذا الصغير الذي يبدو كقزم صغير بين مردة كبار قائلا بصوت واثق : مولاي صاحب المقام الرفيع سألتني بأي زمان تعيش وأنا أعيش في زمانكم اما عن اعتقادكم بأنني قادم من عصر غابر فأنتم من يعود بنا الى ذلك الزمان , ولو كنت اعيش ذاك الزمان الذي تزعم لكنت غيرت من معالم التاريخ لكي لا أصل الى زمانكم , صاح الطاغية غاضبا كموجة اعصار مدمر وهنا انقلبت سمة الطاغية قائلا: أنت فتى وقح وذو لسان سليط يحتاج البتر ,اندفع كبير الحراس وامسك بحنظلة صارخا بوجهه كيف تجرؤ أن تتفوه بوقاحة أمام عظمته ؟ واذ بالطاغية يأمره بأن يقفل فمه ولا يتحدث مع حنظلة بشيء لأنه يقف بين يديه وهو من يخاطبه والجميع صامتا والطاغية يدور حول كرسيه ببطء وكأنه يبحث عما يعيد له هيبته أمام حاشيته ثم قال: ما أسمك ايها الصبي ولماذا قدمت الى هنا ؟ لكن حنظلة بقي صامتا ثم عاود الطاغية قائلا ؟ ما هي حاجتك ؟ ووعده بتلبيتها قال حنظلة لقد أتيت لأمر أنتم قيمون عليه يا سيدي قال الطاغية بلهفة ما هو ؟ أجاب علمت من الأدباء والحكماء أن كبير القوم خادمهم قال الطاغية : وماذا في ذلك ؟ قال الفتى: ما زلنا لا نجد من خدماتكم ما ينطبق عليكم بهذا القول بل تقوم الرعية كلها بخدمتكم وخدمة جاهكم وسمعت يا سيدي أن كبير القوم كالرأس من الجسد ان كان بخير تمتع باقي الجسد بالراحة ونحن لا نعرف سوى الشقاء والعناء والجوع 0 فصاح الطاغية قائلا وهل أضع الطعام في أفواهكم لكي أكون خادمكم فلكم الأرض والزرع والمواشي فهي أنعاما خلقت لأجلكم وخدمتكم قدموا لها الرعاية فترعاكم الا تملك ألأرض لتحرثها والمواشي لتحلبها وتأكل لحمها وتحيك صوفها وترتدي ثيابها واذ بحنظلة يقول بأعلى صوته إن خيرات الأرض والأنعام هي للغرباء الذين أدخلتهم الى أرضنا والمحروسين من جندك وشرطتك فلم يبق لنا سوى فتاتكم واخذ الطاغية يغلي غيظا من الفتى لكنه كالرماد الذي يخفي تحته الجمر 0 وينظر اليه بعنف وغضب ثم عاد وابتسم متظاهرا بالرضى والهدوء ولكن يدور برأسه الكثير من التساؤلات والأفكار قائلا لنفسه لو حققت جميع رغباته لن أكون في مكاني هذا ونظر الى العرش فمعادلة المالك والمملوك لا تجتمع في مكان واحد وان كنت قويا استمد قوتي من ضعفكم وان اصبحتم أقوياء أكون قد ضعفت ولن احيا كما أحلم ثم أبتسم ابتسامة عريضة قائلا: سوف احقق لك جميع رغباتك يا بني أما أنا فنذرت نفسي لأجلكم فأنا فخور بشجاعة فتى يقوم الأعوجاج في بلادنا وظهرت قسمات الفرح والأنفراج على وجوه معظم حاشيته من دفء كلماته نحو هذا الملاك الصغير وبعدها غادر الجميع قاعة القصر ووضع حنظلة في أحد أجنحة القصر ضيفا على الطاغية وفي اليوم الثاني كانت مكيدة االطاغية تنتظر حنظلة فهو كشعاع الشمس ولو خشي ان يصطدم بسطح الأرض ما انبثق عنها وأخذالطاغية واعوانه يشيعون أخبار بأن ا سيد القصر اعطى الفتى الهدايا الثمينة ومكرمات عدة وفعلا غادر حنظلة المكان محملا بكل ما يسر الناظر اليه متجاوزا حرمة القصر وسلك الطريق المتعرج بين السهول والهضاب وقبل ان يصل عبارة النهر كان رجال الطاغية بإنتظاره وأوقفوه وأنزلوه عن ركوبته وصلبوه على شجرة برتقال وأخذوا يجلدونه بسياطهم وزفرات أنفاسهم كأنها فحيح أفاعي تنفث سمومها الى أن تمزق جلده وتضرج جسده بالدماء وبعدها فكوا وثاقه وسلبوا كل شيء بحوزته ليبدو أنه تعرض لقطاع طرق سلبوا كل شيء حتى حياته والقوا به على ضفة النهر 0 فهم مثل أعوان الملك هيرودس بزمانه الغابر لقد قتلوا الكثير من أبناء ملته وأبناء لغته من سن عامين وما دون من أجل محرقة مملكته على أثر ظهور السيد المسيح عليه السلام 0 لأن رياح الحق ترافقه وخشي ان تقتلعه من جذوره والطاغية المعاصر هذا يحذو حذوه ويلبس قناع سمرتنا ويرتدي لسان لغتنا وكأنهم مواسم الخريف تأتي على أرضنا في كل الأزمنة لكي يزيل من الدنيا زهوتها وأخذت دماء حنظلة تتدفق الى النهر وكأنه ينبوع آخر يزيد النهر عطاء ولونت مياه النهر التي تروي الأراضي المجاورة وسماء المنطقة تعبق برائحة الدماء الزكية وتدفعها الرياح حيث وجهتها وعندما أتى الربيع أمتلأت الأرض بزهور شقائق النعمان الى أن وصلت حديقة القصر , وفي الصباح نهض الطاغية على أثر حلم قض مضجعه وشاهد فيه نيرانا تتوهج وتلاحقه وكلما أفلت داهمته من جديد ,وعندما نظر الطاغية من النافذة تعجب لهذه الزهور الحمراء التي تملأ الحديقة وسمع أحد الحراس يقول لصاحبه لا شك أن هذه الزهور تكتسب حمرتها من دماء الفتى الصغير الطاغية انتفض كزلزال مدمر وصاح بأعلى صوته اقتلعوا هذه الزهور اللعينة لا أريد أن أراها , باشر كل من في القصر بالعدو نحوها وبعد لحظات اختفت من مكانها لتحل محلها حكاية أوشك الناس على نسيانها , ولكن ماإن غادر الربيع حتى سقط مكانه عنوة على الكارهين ربيع آخر وتظهر الزهور من جديد حتى بات الطاغية يخشى قدوم الربيع في كل عام 0 بيد أن عروش الطغاة ثقل الجبال لكن حبات المطر حين تتوحد مع بعضها تجرف ترابها دفعة وراء اخرى فتجد صخورها تهاوت ويخبو علوها لتنحني أمام ارادة طلاب العدالة في هذا العالم الكاتب محمد خير عواد

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل