المحتوى الرئيسى

عبد الله محمد الناصر.. الشجرة والرموز وشبه الامثال الخرافية

03/08 12:51

بيروت (رويترز) - في مجموعة (الشجرة) القصصية للكاتب السعودي عبد الله محمد الناصر تبرز عدة سمات منها تلك الاجواء التي تشبه الامثال الخرافية وقصص زكريا تامر وتلك الاستعمالات الرمزية التي لا يصعب العثور عليها عند بعض القصصيين السعوديين المعاصرين.مما يلفت النظر عند الكاتب في مجموعة قصصه القصيرة هذه ان القصة لديه قد لا تعتمد كثيرا نسج الشخصيات وتطويرها وانسجام الاحداث بعضها مع بعض ومع الشخصيات ايضا اكثر من تركيزها على فكرة او حكمة تريد ان تزجيها الى القارىء.لكن ذلك ليس مما يشينها فعلا لان قدرة الكاتب على التأثير واثارة الاهتمام وعلى الوصف الحي التصويري في احيان كثيرة تغطي على الامر بل تبدو انها تتبع نوعا اخر من القصص له غاية مختلفة كما نجد عند الكاتب السوري زكريا تامر.صدر الكتاب عن دار "رياض الريس للكتب والنشر" في 174 صفحة متوسطة القطع واحتوى على 20 قصة قصيرة.وكقياس نموذجي وناجح نأخذ مثلا القصة الاولى التي حملت عنوانا هو "عراب". فلننتبه الان الى لعبة الجذر "عرب" ومدلولاته الواقعية والرمزية وما يقوله الكاتب مداورة من خلاله. تصبح القرية اكبر من قرية بكثير بل "ميكروكوزم" لعالم اوسع منها لكنه يشبهها. وكأن الكاتب يقول ان على اللبيب ان يفهم فالاشارت ليست غامضة والرموز ليست معميات.تقول القصة ان اهالي قرية "عريبة" اجتمعوا عند زعيمهم "عريبان" طالبين حمايتهم من غارات القرى المجاورة. جرى تقديم اقتراحات منها بناء سور عظيم فجاء الجواب انه امر مكلف جدا. اقتراح اخر هو انشاء قوة سيارة تدور حول القرية ومزارعها ليلا ونهارا لكنه لم يلق الاستحسان لانه ايضا مكلف جدا. وطرحت فكرة التحالف مع الجوار فلم تفلح.وسئل حكيم القرية العجوز المحنك عن رأيه فاقترح ان يصنعوا سلاحا فعالا ينصبونه على تلة القرية لحمايتها. سر الجميع بالاقتراح وبدأ زعيم القرية جمع الاموال الضرورية. وقصد وفد منهم بلدا صناعيا مشهورا لشراء مصنع اسلحة لكنه اشترى بدلا من ذلك مدفعا ضخما بعد ان "اقنعوه" بذلك. الكاتب لم يضع كلمة اقنعوه بين اهلة لكن القارىء قد يتصور انه وضعها ضمنا.اسمى اهل القرية المدفع "عراب" وفي يوم تجربة اطلاق المدفع الكبير المخيف سدت الاذان لاتقاء صوته وانذرت الحوامل وطلب اليهن الابتعاد كي لا يجهضهن دوي القذيفة. لكن يبدو ان فعل هذا المدفع هو داخلي اكثر منه خارجيا كما سنرى.تطلعت العيون "ووضع الرامي يده على الزناد وراح زعيم القرية يعد.. واحد.. فوجفت القلوب وبلغت الحناجر. اثنان.. شخصت الابصار واحتبست الانفاس. ثلاثة.. تش تش تش تشتشتش وثار غبار هائل من مؤخرة المدفع."المغازي السياسية قد تكون كثيرة. من عدم الاهتمام بامن البلاد بل بالمال الى "الوسيط" الى فكرة ان الدول الصناعية تريدنا استهلاكيين لا منتجين. ترى هل يريد الكاتب القول ان الدول باعتنا اسلحة غير كافية ام اننا نحن اردناها كذلك ام انه يلمح الى مقولة شهيرة هي ان اسلحتنا ومعداتنا تتكيف بنا لتصبح مثلنا وان " عراب" وهو المدفع "العربي الان" قد فعل ذلك.في قصة "الاغربة" طرح فكري وجداني من خلال حوار بين اثنين مثقف مثالي وصديق له عملي. الاول لن يساوم على مبادئه ولذا فهو يقول "لا لن اذهب اليه ولن ابارك له انه لا يفهم من الحياة الا ارصدة و بنوكا. قلت له ذات مرة انني شاعر. هز كتفيه في احتقار ولؤم وقال 'كم قصيدة لك في رصيدك في البنك'. يقول 'انني ارى المثقف انسانا فضوليا ليس سوى ثرثار عاجز عن خلق اي شيء ايجابي سوى الجعجعة والسفسطة'."وفي النهاية يقتنع من صديقه بسوء وضعه وضرورة مهادنة الحياة ويقرر "الذهاب اليه" لكن مشهدا من النافذة اوقفه هو مشهد غربان تتقاتل على نفايات "وزكمت انفه رائحة القمامة العفنة فاغلق الشبك بعنف وقد أحس بانه اغلقه الى الابد."موقف فكري وضع في شكل قصصي لكنه مع ذلك بقي الى الموقف الفكري الخالص اقرب منه الى عمل قصصي.في قصة "الجراد" وصف دقيق وتصويري محرك لجو من الرعب يذكرنا بفيلم سينمائي للمخرج الشهير الفريد هيتشكوك هو فيلم (الطيور). يستعيد الكاتب مشهد اقلاع طائرة "مشهد لحظة الاقلاع والارض والحجارة والرمل تمر امام عيني كشريط بالغ السرعة."ويتحدث عن "ذلك اليوم القائظ حينما زحفت جحافل من الجراد منها ما هو طائر فويق الارض ومنها ما هو زاحف بالسرعة نفسها. كان مشهدا غريبا يشبه انحدار سيل عرم جاء من مسافة بعيدة في عز الظهيرة. مر على الحقول الخضراء فاحالها في لحظات الى فراغات من الغبار."وقيل ان ما يأتي بعد الجراد يكون خيرا يصف ليلة رهيبة وما اعقبها من خير وصفا مموسقا يكاد يجعل الرعشة تدب في الجسم والنفس تحت وطأة البرق والرعد."فاظلمت البلدة وصارت تهتز تحت هزيع (هزيم) الرعد وجلجلته وصارت سيوف البرق تمزق جسد الظلام وسقط مطر نادر غريب في كبره وغزارته وسقط برد كأمثال الحجارة."لكن الشمس تشرق من جديد كما يقول عنوان رواية ارنست همنجواي. اختبأ الناس وذات يوم فتحوا ابوابهم فوجدوا ارضهم قد ازدهرت وربت وانتجت من كل زوج بهيج."في "مدرسة الحمير" نموذج شديد الشبه باجواء زكريا تامر من حيث السخرية والجو الغريب شبه الخرافي. سخرية من اساليب التعليم و فلسفته القديمة ونظرية القول للمعلم عن الطالب "لك اللحم ولنا العظم."في "داود" ترداد لنظرية تتهم ودون تسمية اليهود بكثير من مشكلات العالم. وفي قصة "هلقم" مثلا حوار فلسفي عن الحياة والطعام. هل نأكل لنعيش ام نعيش لنأكل..من جورج جحا

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل