سياسة خارجيةالطريق سيكون طويلا

واهم من يعتقد أن الانتقال من نظم استبدادية إلي أخري ديمقراطية مستقرة في المنطقة العربية سيكون سلسا أو قصيرا زمنيا‏.‏ يكفي نظرة متعمقة إلي الأوضاع غير المستقرة في دول أوروبا الشرقية سابقا. والمتقلبة في منطقة البلقان والجراح التي لم تندمل بعد في دول الاتحاد اليوجوسلافي السابق بعد عقدين من سقوط الانظمة الشيوعية لكي ندرك أن الطريق سيكون طويلا مبثوثا بالمطبات والألغام وفترات من الفوضي والاضطراب‏.‏ ليس في ذلك دعوة لليأس وانفراط العقد أو الحنين إلي استقرار استبدادي تعايشنا معه طويلا بل إدراك واع بأن هدم المؤسسات الأمنية والسياسية للانظمة الدكتاتورية هو الجزء الأسهل وأن الاصعب سيأتي حين ننخرط في عملية بناء هياكل دعم الحريات ودولة القانون‏,‏ فهناك سنصطدم بمقولات أن العرب غير مؤهلين للخيارات الديمقراطية الصحية أو أنهم يحتاجون لوصاية قانونية تحميهم من مؤامرات خارجية تحاك لهم إذا اختاروا رئيسا تزوج من أجنبية وكأن اختيار رؤساء ذات دماء عربية نقية قد حما الشعوب من التورط في حروب لا طائل من ورائها ومن تدخل أجنبي استنزف الثروات‏.‏ حين نبني الهياكل الدستورية الجديدة يجب ألا يكون مرجعنا دساتير وضعت في عهود الاستبداد الملكي أو الجمهوري ولكن دستورا يستلهم بنوده من مواثيق حقوق الإنسان والقوانين المعترف بها دوليا حتي نختصر الطريق الطويل أصلا‏,‏ فالضمان الوحيد هو أن يكون الصبر والثبات علي المبدأ والثقة بالذات والتخلي عن فكرة الاقصاء بكل أشكالها هي العملة الوحيدة المتداولة حتي يمكنها طرد كل العملات الرديئة بالاختيار الحر‏,‏ طالما أن الاختيار الخاطئ قابل للتغيير عند أقرب اقتراع وطالما أن سلطات الرئيس متوازنة مع سلطات الهيئة التشريعية‏.‏ ما يثير القلق من عملية التغيير الطويلة زمنيا بالضرورة هو ما يصاحبه من تقلب اقتصادي يفاقم ما نواجهه من بطالة وبطء النمو‏.‏ المطلوب إذن تحرك داخلي يؤمن ما تبقي من موارد مالية في الداخل ويحميها من حركات الأموال الساخنة دخولا وخروجا حتي وإن تم اللجوء إلي إجراءات خارج سياق الاقتصاد الحر وهي إجراءات لجأت إليها دول تعرضت سابقا لأزمات وتحرك دولي لتأمين خطة دعم شامل يتوافق مع حجم التحديات تتبناه مجموعة العشرين لإبعاد شبهة التآمر الأمريكي ـ الأوروبي يتيح اجتياز مرحلة الانتقال الصعبة بالحد الأدني من الهزات الداخلية والخارجية المتمثلة في صدمة بترولية جديدة أو موجات من الهجرة أو أخطار إرهابية فالطريق الطويل سيحتاج إلي أصدقاء يحمون مصالحهم مع الشعوب وليس الحكام‏.‏ المزيد من أعمدة سجيني دولرماني