في عين الشمسحكامنا .. من»الكراسي « إلي »المقابر« مباشرة
لماذا تهتز ثوابت الدولة والمجتمع كلما انتهت فترة من الحكم؟ .. ولماذا تنتهي الرئاسات العربية نهايات درامية دامية؟ولماذا يؤخذ حكامنا العرب، أخذ عزيز مقتدر، من »الكراسي « إلي »المقابر« مباشرة.. الخطأ في من ؟إن الشعب الذي يترك حاكمه يحكم مدي الحياة هو شعب يبدو قاصرا ومقصرا ويستحق ما يجري له، نتيجة تصديق الموروث السلبي الذي ترسخ في وجدان الأمة عبر التاريخ من قبيل: »يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن« و»تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع« و»سلطان تخافه الرعية خير للرعية من سلطان يخافها« و»من تعرض للسلطان أرداه، ومن تطامن له تخطاه، وإئا زادك السلطان إكراما فزده إعظاما، وإذا جعلك عبدا فاجعله ربا« و»إذا كان الحاكم عادلا فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائرا فعليه الوزر وعليك الشكر« وعلي الطريقة الحديثة يأتي توصيف الشاعر نزار قباني في إحدي قصائده السياسية المتوحشة:»فنحن شعوب من الجاهلية... نبايع أربابنا في الصباح...ونأكلهم حين تأتي العشية«والحاكم يسكره كأس السلطة بعد دورة أو دورتين، فيتوهم البقاء والخلود والدوام بدون أن يدري أولا يدري فيعيث في الناس فسادا وإفسادا، من خلال الظواهر الثلاث: »الفرعونية« و»الهامانية« و»القارونية« وحين تتحالف هذه السلطات الثلاث :فرعون رأس السلطة السياسية، وهامان رأس السلطة الدينية وقارون ممثل الأغنياء بل أغني واحد فيهم، تتسبب في هلاك الأمم والحضارات، وإبادتها إما عبر التآكل الذاتي أوالقوة القاهرة، أوالنقمة الإلهية فالفرعونية نسبة الي الحاكم الفرعون وفرعون ليس اسما، لكنه معني مطلق يطلق عي كل حاكم مستبد يتصور أنه »إله« فيزعم »أنا ربكم الأعلي«و»ما علمت لكم من إله غيري« و»ما أريكم الا ما أري، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد« غافر: ٩٢، والهامانية نسبة الي »هامان«وهو رمز الكهنة الذين يزينون للحاكم سوء عمله، وهم رأس البطانة الشريرة ، وهو الذي يصوغ نظرية المؤامرة بقلب نظام الحكم، والقارونية التي تشير الي ظاهرة الاستبداد الاقتصادي(وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة)... ولا يزال بيننا في هذا العالم ألوف مؤلفة من »الفراعنة والهامانات والقوارين« ينتشرون في الأرض ويأخذهم الله بالحرب الربانية المباشرة ذلك أن المستضعفين في الأرض حين يكونون عاجزين عن أخذ حقوقهم بأيديهم فتأتيهم المساعدة من السماء بإهلاك القوم الظالمين لكن شريطة أن نساعد أنفسنا ليساعدنا الله.. ولايزال بيننا أبو جهل وأبو لهب وغيرهم ممن يتزعمون العشائر والقبائل العصرية ولايبالون بالقنابل المسيلة لكبرياء النفوس الأبية، لكنهم لا يفقهون.. ولايزال بيننا »الحجاج« الذي يظن أيضا أنه يري رؤوسا قد أينعت وحان قطافها ، ويرتدي العمامة حتي نعرفه لأنه ابن جلا وطلاع الثنايا.ولا يزال فينا خلفاء القصور وما يجري في دهاليزها وأقبيتها من فتن وصراعات وقتل وتقتيل وسفك دماء ومحارم.. ولا يزال فينا عبدة الأوثان، وخدام الأصنام .. ولا يزال صوت وصمت القبور يحكمنا ..ومع ذلك فلا تزال شعوبنا العربية فيها النار تحت الرماد، وخذ المصريين مثلا أعلي فلم نتعب كمصريين، لكن الطريق هو الذي تعب، صبرنا وصابرنا ونحن في صبرنا كالجمال نشهد ونسمع ونقاسي حتي تحين اللحظة، وقد حانت ( مع التحفظ علي كلمة »الجمال« بما أثارته في مناخ ميدان التحرير من ظلال بغيضة) فقط استعنا بالصبر الذي يبدو وكأنه فاق صبر أيوب، لكننا لم نقنط إلا قليلا، حتي إذا استيأسنا وظننا أننا قد غلبنا انفجر منا الهاتف الداخلي ، فجاءنا نصر الله، وانطلق المارد في كل أرجاء مصر، ليخترق الحدود بشظاياه وستفعل فعلها.. إنه الفعل.. الفعل..الفعل. وهو ما فعله الشعب المصري بالضبط، مجرد شرارة للإرادة، فلا غطاء من أسلحة ولا طائرات ولا صواريخ ولا دبابات، فقط كان علينا أن نهز بجذع المنظومة العتيقة المتهالكة رغم جبروتها العيني والمادي، وقد تحولت الهزة الي بشارة أسقطت النظام المتآكل ذاتيا، فكان لا بد من إشارة التقطتها جماهير الشعب، وتعالت الي تباشير النور والحق، فتتحقق مصداقية الخبر القرآني في الآية رقم٢٨ من سورة يس (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وقد كان ، وسيكون. وهنا يستدعي السياق تجليات الآية العظيمة( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ❊ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف:٢، ٣، الفعل والقول معا ولا انفصام بينهما، فلا أخطر علي المجتمع في مثل هذه الظروف من مغايرة التصورات للتصديقات.نعم .. إن الأمان في الإيمان!
Comments