آفاق المستقبلإعـــادة اگتشـــاف الدولـــة!
(اقليم/ أرض) + (شعب)+ (نظام/حكومة)= دولةمدخلات المعادلة ثابتة منذ تأسيس الدولة بمفهومها الحديث، لكن المنتج النهائي مختلف، فشكل الدولة، وطبيعتها، والعلاقات السائدة فيها تتباين، ويتعدد نموذج الدولة وفق التفاعلات بين مكوناتها، خاصة ما يتعلق بآليات النظام السياسي.غير أن ثورة 25 يناير في مصر، وقبلها في تونس، وما يسود المنطقة العربية من حراك ثوري، فضلا عما تشهده معظم دول العالم منذ نهايات القرن الماضي، وحتي الآن، يشير بوضوح الي أن كل شعوب الارض - تقريبا - تجتهد للبحث عن نموذج جديد للدولة بعيدا عن إعادة إنتاج ما كان، أو ما هو كائن، يجتمع علي ذلك الهدف اصحاب الحضارات العريقة التي انشأت دولها - المركزية في الاغلب - منذ قرون طويلة، أو تلك التي تأخر قيام الدولة علي ارضها مع تعدد الاسباب التي ادت لهذه التفاوتات.في النموذج المصري؛ لم يكن مفهوم الدولة المدنية الحديثة قد تجسد تماما رغم عراقة الدولة المصرية! لكن حتي في تلك الدول التي ينظر اليها علي انها كانت في طليعة من ترجم فعليا هذا المفهوم، فان العلاقة التي بدت راسخة بين مكونات الدولة اصبحت محل اعادة نظر! وربما كان من المفيد هنا ضرب المثل بنموذج بلچيكا المتجهة بقوة للانقسام إلي دولتين بفعل الاختلافات العرقية واللغوية، وبدرجة اقل ايطاليا التي ترتفع الاصوات داخلها داعية لانفصال الجنوب عن الشمال لاسباب اقتصادية بالاساس!حتي في أمريكا فإن هناك من يجادل بشدة في دور الدولة- وعلي طرفي نقيض- فثمة من يري أنه يجب الإكتفاء بدور الدولة الحارسة أي أن تقتصر وظائفها علي الامن والدفاع، مقابل من يؤكد سقوط هذا النموذج والاستشهاد بما حدث خلال الازمة المالية الاقتصادية بدعم أصحاب التوجه الثاني!ليس هذا كل شيء فثمة مشروعات تستهدف إعادة فك وتركيب ليس دولة بعينها، ولكن مناطق بأكملها، وفكرة الشرق الاوسط الجديد أبرز تلك المشروعات، وإذا كان ذلك يحدث لفرض ارادات خارجية، فإن النزعات الانفصالية علي تعدد العوامل التي تدفع بإتجاهها، تعكس ليس فقط رغبات من يتمايزون لغويا او عرقيا او دينيا لكن الأخطر أنها تشي بوجود رفض للمفاهيم والآليات القائمة والتي تحكم العلاقات داخل بعض الدول!لا شك ان ثورة الاتصالات من جهة، وثورة التطلعات من جهة اخري، وعجز الاشكال المؤسسية والعلاقات والآليات الحاكمة عن الوفاء بطموحات الشعوب، باتت تفرض ضرورة إعادة إكتشاف الدولة، وليس رفضها او السعي لتدميرها.المؤسسات الحكومية والاحزاب والمجتمع المدني، أصبح آداؤها دون متطلبات المواطنين، بصورة تكاد لا تستثني شعبا حتي تلك الشعوب صاحبة التجارب الاكثر نضجا علي صعيد الممارسة والمشاركة السياسية، من ثم فان الكثير من التفاعلات التي كانت تتم عبر مؤسسات ووفق آليات صمدت زمنا طويلا، اصبحت الآن متخلفة بمعايير اللحظة الآنية، فما بال الامر عندما يتعلق بأي محاولة لاقتحام المستقبل؟!شكوك وهواجس عديدة تسود في معظم الدول الآن بشأن مفهوم الحكم الرشيد، ومدي المصداقية التي تحكم- او لا تحكم- آليات الممارسة الديمقراطية دخل كل المؤسسات تقريبا، مما انعكس خصما من الثقة في الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات فضلا عن الحكومات، وكان البديل اما إنكفاء المواطن علي ذاته، أو اللجوء للعالم الافتراضي لصنع المستقبل بمعايير مختلفة، .. و.. ولا شك أن كل هذه المظاهر تفرض ضرورة الاجتهاد لاعادة اكتشاف مفهوم الدولة علي اساس صياغة جديدة للعلاقة بين مكوناتها التي سوف تظل ثابتة، لكن الآليات الحاكمة لها هي التي تحتاج إلي ثورة، وليس فقط مجرد اصلاح.وتلك قضية أخري.
Comments