المحتوى الرئيسى

القضية الأولي‮: ‬الدستور الديمقراطي

03/07 00:35

الثورة ليست مجرد فوران عابر لا يغير من الواقع المصري شيئا‮. ‬ولا يصح ان‮ ‬تنحصر الاهداف في مجرد تغيير‮ ‬الوجوه او استبعاد المسئولين السابقين او الفاسدين‮.. ‬ذلك ان التخلص من الحكم السلطوي يقتضي مجموعة من الاجراءات بهدف تأسيس مرحلة جديدة‮.‬ولما كانت مشكلات ما بعد الثورة يمكن ان تجهض كل الآمال المعلقة علي التغيير‮.. ‬فاننا نلفت النظر الي أهمية وخطورة ودقة المرحلة الانتقالية التي يمكن ان تكون مليئة بالالغام‮.‬والملاحظ انه وسط قائمة طويلة من المطالب‮.. ‬يغيب المطلب الرئيسي الذي بدونه لن يتحقق الانتقال الي الديمقراطية،‮ ‬التي انتفض الشعب كله من أجلها‮.‬وقطع الصلة مع عقود طويلة من الحكم الفردي الديكتاتوري‮.. ‬لا يتحقق عن طريق تغيير وزارة أو أحد المسئولين في النظام السابق،‮ ‬وانما عن طريق دستور ديمقراطي جديد يجعل من الامة مصدرا للسلطات،‮ ‬ويجعل من البرلمان المنتخب من خلال انتخابات نزيهة وحرة تحت اشراف قضائي وبدن أي تدخل من الاجهزة الامنية والادارية‮..‬،‮ ‬صاحب السلطة الحقيقية الذي يختار حكومة من الحزب الذي يحصل علي الاغلبية،‮ ‬علي ان تكون هذه الحكومة مسئولة امام البرلمان‮.‬اننا في حاجة الي إعادة تأسيس مفهوم الامة وعن حقوق المواطن،‮ ‬التي هي اساس الدولة المدنية الحديثة‮.‬ومعلوم ان أي حراك لا ينطلق من تثبيت قواعد الدولة الحديثة يشكل اهدارا للوقت،‮ ‬لان الحرية والمساواة بين المصريين واستقلال ارادتهم هما الشرط اللازم لاستعادة المواطنين الي دائرة الانتماء الوطني وثقافة المواطنة‮.‬‮<<<‬والثورة المصرية ليست معنية بنصيب زعامات فردية او اقامة دولة تعيد انتاج السلطة المستبدة،‮ ‬وانما نريد مجتمعا حرا يحكمه تشريعات تضمن حقوق الانسان،‮ ‬والضمان يوجد في الدستور الذي يفصل بين السلطات ويضع قواعد المساءلة والمحاسبة وينزع الثقة من الحكومة التي لا تلبي مطالب الشعب ومن أي وزير منحرف‮... ‬دستور يكفل التداول السلمي الديمقراطي للسلطة‮.. ‬وعدالة توزيع الاعباء وتوزيع الثروة ويفتح الطريق لايجاد حلول للفقر والتهميش والبطالة والتفاوت الاجتماعي ولمأساة التعدي علي قيمة العمل الاجتماعي‮.. ‬وكلها مظاهر لعبودية من نوع جديد‮.‬ويعرف الجميع ان المواطنين عانوا طويلا من مشكلة انتهاك القانون‮.. ‬بواسطة القانون‮ »!« ‬وان الثروات الفاحشة التي تم جمعها عن طريق السرقة المنظمة جرت بواسطة تشريعات وقوانين وضعت خصيصا لتسهيل السطو علي المال العام‮.‬والمطلوب هو العقد الوطني الاجتماعي الذي يشكل برنامجا للتغيير،‮ ‬حتي يمكن استئصال امراض المجتمع واعادة‮ »‬المعني‮« ‬الي حياة البشر‮.. ‬علي هذه الارض‮.. ‬بعد ان أصبحت الفوارق الاجتماعية اكثر‮.. ‬وحشية وتدهورت اوضاع فئات اجتماعية إلي أدني درجات السلم الاجتماعي،‮ ‬وتحولت السلطة الي حفنة من اصحاب الامتيازات التي تستعين بكل ما هو ظلامي ومتخلف علي حساب كل ما هو إنساني‮.‬‮<<<‬عاش المصريون عقودا طويلة في ظل نظام يرد علي مطلب الديمقراطية بالفتنة،‮ ‬وعلي مطلب الحرية بالعبارات الانشائية،‮ ‬وعلي مطلب العدالة‮.. ‬باستخدام القوة الغاشمة‮. ‬كان كل شيء يخضع لضرورة الحفاظ علي السلطة والنظام القائم وحماية العائلة السياسية وضمان ولاء‮ »‬الرعايا‮« ‬وتبعيتهم للنخب الحاكمة وتنمية الاموال المنهوبة من الثروات القومية ولم يعد في ثقافة النظام الحاكم شيء اسمه الامة او الشعب،‮ ‬المهم ان يبقي الحاكم‮.. ‬حاكما بلا قيود او شرط والي ما لا نهاية‮!‬‮<<<‬الشعوي تصنع تاريخها الآن‮.‬وسقطت شرعية أنظمة القمع في كل مكان‮. ‬وانتهت الاوهام التي كانت تسيطر علي الطغاة وتجعلهم يتصورون أنهم يملكون البلاد والدولة والارض والسكان والموارد‮.‬لقد استنفد الحاكم صلاحيته منذ وقت طويل،‮ ‬وسقطت مرحلة تاريخية كاملة بكل عناوينها السابقة‮.. ‬وذهبت الي‮ ‬غير رجعة سياسة التنكر والرفض للمشاركة الشعبية بذريعة عدم نضج الشعب لممارسة الحرية والديمقراطية أو بحجة التحديات الامنية الخارجية‮.‬وحان وقت وضع آليات الانتقال الي الديمقراطية وبناء مؤسسات لنظام جديد واستكمال عملية التغيير،‮ ‬وذلك بوضع الدستور الذي ينظم حياة البلاد والدولة‮.‬والمواطن لا ينتظر صحة من حاكم بعد الآن بل ينتزع لنفسه حقوقه الديمقراطية والانسانية والحرية والكرامة والعدالة‮.‬ولما كان هذا الشعب لا يقل نضجا وأصالة ووعيا عن‮ ‬غيره من الشعوب فانه يستحق أن يضع لنفسه أرقي الدساتير‮.‬ولما كان الشعب قد امتلك زمام المبادرة وإرادة التغيير،‮ ‬فهو يستطيع القيام بهذه المهمة في فترة زمنية قياسية،‮ ‬دون إهدار للوقت‮.‬لسنا في حاجة الي تعديلات وزارية أخري‮.‬ولسنا في حاجة الي استبدال مسئول‮.. ‬بآخر‮.‬ولكننا في حاجة الي انتاج ثقافة سياسية جديدة‮.. ‬تنهي المزاوجة بين السلطة والثروة وتضع حدا لاحتكار العمل السياسي ولاذلال المواطن وكتم انفاسه،‮ ‬وتكون أمينة علي الثروات الوطنية‮.‬والدستور الديمقراطي ينبغي ان يكون البداية والمدخل‮.. ‬قبل اي خطوات أخري،‮ ‬فلا يمكن ان‮ ‬يتم انتخاب برلمان او رئيس في ظل دستور ‮١٧٩١ ‬الذي يحتوي علي عشرات المواد التي تمنح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة يمكن ان تفسد اي عملية انتقال الي نظام سياسي جديد‮.‬‮<<<‬الشعب المصري علي موعد مع التاريخ‮. ‬وقطار التغيير تحرك،‮ ‬ولن يكون بوسع كائن‮- ‬مهما كان‮- ‬إيقافه‮.. ‬ومصر الديمقراطية يمكن أن تستعيد أمجادها،‮ ‬وتستعيد قيادة الامة العربية،‮ ‬وتعود مركز اشعاع حضاري وثقافي ومنارة للتقدم والتنوير‮.‬واذاكانت الثورة قد أعادت الاعتبار للمواطن،‮ ‬واعلنت ان زمن الحكم الفردي المطلق قد ولي الي الابد،‮ ‬وان كلمة مواطن ومواطنة تعود الي القاموس السياسي وان‮ »‬المغول الجدد‮«‬،‮ ‬الذين استباحوا الوطن والمجتمع وجعلوا من أنفسهم آلهة لا يملكون اي إحساس بما يعانيه شعبهم‮.. ‬فان الواجب‮- ‬بل الضرورة القصوي‮- ‬يحتمان الآن اتباع الخطوات المنطقية لتحويل الحلم الي حقيقة واقعة‮.‬ولابد أن تكون اولي هذه الخطوات هي الدستور الديمقراطي الذي يقيم جمهورية برلمانية تنهي لأول مرة منذ آلاف السنين حكم الفرد الذي يضع نفسه فوق كل القوانين ولا يخضع لأي مساءلة او محاسبة ويملك الحق في تقرير مصير الوطن والشعب‮.‬وبدون ذلك‮.. ‬فإن البرلمان الذي سوف ننتخبه لن تكون له قيمة أو دور ولن يختلف عن مجالس الشعب السابقة‮.. ‬وبدون ذلك سوف تظل الحكومة بلا سلطات‮.. ‬وتنتظر التوجيهات والتعليمات الصادرة من‮ »‬الزعيم الاوحد‮« ‬و»القائد الضرورة‮« ‬و»الرئيس الملهم والحكيم‮« ‬الذي وهبته السماء لمصر‮ »!!«.‬‮<<<‬وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل الدستور الحالي‮ »‬دستور ‮١٧٩١« ‬سينطوي علي مخاطرة كبري،‮ ‬لاننا قد نشهد نزاعا أو صداما بين رئيس جديد يوفر له الدستور الحالي كل السلطات‮.. ‬وبرلمان يحاول أن ينتزع لنفسه القدر الممكن من السلطات لكي يتم التوصل،‮ ‬في نهاية المطاف،‮ ‬الي مساومات وحلول وسط تحت عنوان‮ »‬التوازن بين السلطات‮« ‬تبقي في يد الرئيس ما يكفي من تلك الصلاحيات المطلقة التي تغري كل من يملكها بأن يعمل علي توسيعها ليكون صاحب الامر والنهي علي حساب ممثلي الشعب‮.‬ولم تندلع الثورة لكي يكون محور برنامجها رجلا أو زعيما وإنما لكي تعود الامة الي المسرح السياسي وتكون صاحبة القرار من خلال ممثليها الحقيقيين‮.‬والدستور هو المفتاح الاساسي لكل ما سيجري لاحقا من خيارات واجراءات واصلاحات‮.‬إما ان نغرق أنفسنا في تفاصيل وجزئيات علي حساب القضية الحيوية والرئيسية الكبري‮- ‬الدستور الديمقراطي الذي يضمن إقامة مجتمع ديمقراطي حقيقي‮- ‬فان ذلك قد يعرض الثورة لخطر الاختطاف‮.‬

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل