المحتوى الرئيسى

> مصر المستقبل والبحث عن الذات

03/06 22:02

إذا كانت الأحداث التي شهدتها البلاد منذ مطلع العقد الثاني من الألفية الحالية، التي تم تتويجها بالإطاحة بالنظام الذي حكم البلاد طوال عقود، قد حملت معها الكثير من الآمال والتوقعات، فإن هذا لا يجب أن يحجب عن الأنظار تعدد التحديات التي يلزم علي الشعب التعامل معها خلال مسيرته لبناء مصر المستقبل بجميع أركانها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وفي هذا الخصوص قد يكون من المفيد التركيز علي النقاط التالية: 1- يتعلق الأمر بلحظة فارقة في تاريخ الأمة تفرض عليها البحث عن الذات، فالثورة علي النظام تعني عدم القناعة بتوجهاته من جانب، والرغبة في إحلال منطلقات جديدة محلها من جانب آخر، وتبرز المحصلة النهائية للتفاعل بين هذين البعدين ضخامة التحدي الذي تواجهه البلاد حاليا. 2- يمكن تصنيف المطالب التي طفت علي السطح خلال الفترة القصيرة الماضية في مجموعتين رئيسيتين: الأولي ذات طبيعة عامة تدور حول قطع الصلة مع الماضي القريب بكل سلبياته ورموزه وقياداته وتوجهاته، والثانية أكثر تحديدا تتصل بالسعي لتحقيق مطالب تمس حقوق المواطن بأنواعها المختلفة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، وبين هذا وذاك يثور التساؤل حول كيفية إدارة الوضع لتأمين حاضر مستقر والانتقال إلي مستقبل واضح ومحدد المعالم، خاصة في ظل هيمنة الفراغ الأمني وسيادة نموذج التعامل السلبي بين المواطن والمؤسسة الأمنية بما يعنيه ذلك من مخاطر علي الأمن والاستقرار الداخلي. 3- تتمثل الحقيقة الغائبة عن الأذهان في أن أية حكومة انتقالية لا تمتلك عصا سحرية تمكنها من تقديم معالجة جذرية شاملة لجميع المطالب، بل تقتصر مهمتها الرئيسية علي تعبيد الطريق لتحقيق الانتقال السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة نزيهة يقول خلالها الشعب، بجميع طوائفه، كلمته ليس فقط فيما يتصل بالأشخاص وإنما والأهم من ذلك التوجهات التي ترسم ملامح التحرك المستقبلي بأبعاده المختلفة بشكل يعالج جذور المشاكل ولا يقتصر علي تقديم مسكنات لتخفيف آلامها اليومية. 4- مثل الشعار الرئيسي الذي برز منذ اليوم الأول لثورة الخامس والعشرين من يناير، وترددت أصداؤه في جميع أرجاء الوطن: «الشعب يريد إسقاط النظام» تعبيرا صريحا عن الرغبة في انتزاع حقوق سياسية شعر المواطن بأنه حرم منها عمليا، في وقت حرص فيه النظام السابق علي إظهار أنه يمارسها علي الأقل نظريا، إلا أن استعادة الحقوق يعني تحمل المسئوليات من أبرزها تحديد معالم النظام الجديد. 5- إن التعديلات الدستورية المحدودة، التي تم إعدادها وسيتم استفتاء الشعب عليها، تمثل في حقيقتها حلا مؤقتا لتمكين الشعب من التعامل مع استحقاقات المرحلة الحالية بأسلوب ديمقراطي عبر انتخابات حرة ونزيهة لكل من رئاسة الدولة وأعضاء المجلس النيابي، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن هذه التعديلات، شأنها في ذلك شأن الحكومة الانتقالية، لا تكفي لتحديد معالم التحرك المستقبلي. وفي ضوء ما تقدم، تكمن المعضلة الرئيسية في ضرورة «البحث عن الذات»، الأمر الذي ستعكسه المداولات المستقبلية حول «الدستور الجديد» الذي سيعلن عن الميلاد الحقيقي للجمهورية الثانية، وبعبارة أخري، فإن الحراك السياسي الحالي لا يعني أننا قد بلغنا نهاية المطاف وأن جميع المشاكل سيتم التعامل معها بشكل فوري، بل إنه يمثل بداية عملية مخاض لمولد التغيير الحقيقي الذي سيكون محصلة البحث عن الذات، وهي العملية التي تطرح العديد من التساؤلات الجوهرية والمعقدة من أبرزها: ما هي ملامح مصر المستقبل علي الساحة الداخلية؟ وهل ستحمل راية التغيير في العالم العربي لتحقق حلم الوحدة العربية بثوب جديد؟ وما هي ملامح توجهاتها الخارجية في دوائرها التقليدية؟ وما هي طبيعة وشكل تحركاتها علي الساحة الدولية بتعقيداتها الحالية وصراعاتها الخفية؟ وإذا كان المواطن هو محور التعامل في هذه المرحلة الحاسمة، فإن طاقاته يجب أن تتجه لمحاولة الإجابة علي هذه التساؤلات بما يمكنه من ممارسة حقه في الانتخابات وهو علي وعي كامل بخياراته.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل