المحتوى الرئيسى

فارس عودة ونيرون فلسطين بقلم: فرج العكلوك

03/06 17:35

بقلم الكاتب الصحفي فرج العكلوك عندما وقف فارس عودة ابن الخمسة عشر ربيعاً ممسكاً بحجر أمام دبابة إسرائيلية في الشهر الثاني من انتفاضة الأقصى التي اندلعت سنة 2000 كان هذا الفتى لا يحاول صنع ثورة على الأرض لأنها كانت موجودة بالفعل لكنه أراد صنع ثورة في عقول وقلوب أقرانه أولئك الذين لم يتجاوزوا الخامسة عشر حينها أو تجاوزوها. قالت السيدة إنعام عودة والدة فارس بعد استشهاده أنها فخورة بما فعله ابنها لكنها في ذات الوقت تخشى أن يكون فارس قد استشهد للاشيء وتخشى أيضاً أن يعود كل شيء إلى سابق عهده ويكون كل ما حدث هو أنها فقط فقدت ابنها. عندما ننظر الى تضحيات الشعب الفلسطيني منذ العام 1917 وهي السنة التي أحتلت فيها فلسطين من قبل بريطانيا فإننا نجد أن التضحية والفداء والاستشهاد والمقاومة والألم والأمل كانت كلها مفردات حاضرة في وعي الفلسطينيين مع أنها شهدت أمواجاً من المد والجزر عبر سنوات الكفاح الفلسطيني المتواصلة وشهدت أيضاً تلك السنوات الكثير من التبدل والتغير في المفاهيم فوجدنا فئة من قادة الشعب الفلسطيني والذين لم يقدم أحداً منهم ابنه مثلاً على مذبح حرية فلسطين يكفرون بالنضال الفلسطيني ويكفرون بالمقاومة والكفاح المسلح ويعلنون أنهم قد أعياهم المسير وبعدت عليهم الشقة ولم يعودوا قادرين على مواصلة الطريق مما أجبرهم على تسليم الثوابت لاسرائيل وتسليم مفتاح القضية لتل أبيب في مشهد مفهوم سيكولوجياً مرفوض أخلاقياً. عندما تتحدث سيدة كأم فارس عودة عن خشيتها من أن هناك من سيسرقون دم ابنها وسيعودون بفلسطين الى المربع الأول فهي لم تكن تقول أنها نادمة على استشهاد فارس ولكنها كانت تتحدث عنا نحن الفلسطينيين الذين بذلنا من التضحيات الكثير والكثير ولا تزال القيادة الفلسطينية ترجع بنا كل عشر سنوات الى المربع الأول. لقد اضحت القضية الفلسطينية كمن في حفرة من الطين يحاول أن يتسلق ربوة من الطين فيقع كل يوم ألف مرة فإذا ما أعياه الأمر نام قاعداً ثم ما يلبث أن يعاود الكرة كل صباح ليجن عليه الليل من جديد فيرقد نفس الرقدة التي رقدها في ليله المنصرم. إن الله تعالى قد خلقنا بشراً نشعر ونحس ونتألم ونفرح ونحبط وكما أن الاحباط يصيبنا أحياناً أو كثيراً فإن الأمل يغمرنا في بعض اللحظات. لكن الناس متفاوتون في نظرتهم للأمور وإداركهم للأشياء. هناك من أبناء شعبنا من يتصفون بالهمة العالية ممن لديهم المقدرة على التضحية إلى آخر نفس في صدورهم وإلى آخر قرش يمتلكونه وإلى آخر ابن أو بنت وإلى آخر قطرة دم تجري في عروقهم. وهناك من لا يستطيعون أن يبذلوا من هذه الأمور شيئاً فهم نهب دائماً لليأس والاحباط ولا يستطيعون الصمود في وجه العواصف وهم ليسوا بأشرار لكن هذه هي طبيعتهم وهكذا هم. ما بين الفريقين هوة سحيقة وأرض بلقاء شاسعة لا ينمو فيها حوار أو يمكن أن تزرع في جنباتها وحدة وطنية. السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة ما تبقى من حركة فتح وحكومة قطاع غزة المقالة بقيادة حركة حماس يبدوان للوهلة الأولى كمن يمثل هذين الفريقين. تحاول حماس أن تقول دوماً أنها تمثل الفريق الذي لم يتعب وتقول أفعال السلطة بوضوح أن قيادتها العجوز قد ملت المسير وتنشد الراحة بعد سنوات طويلة من الكفاح. واذا افترضنا دقة ادعاء كل طرف أخذاً بالظاهر وامتناعاً عن البحث عن مكنون ما في النفوس حيث أن البشر لا يملكون هذه القدرة ولن يملكوها فإننا إذاً أمام مجموعة من الظواهر التي تنتمي الى فلسفتين تتميزان بشدة التنافر. بين فلسفتين متنافرتين كلياً يقف الشعب الفلسطيني اليوم مشلولاً كمن يقف في غرفة مظلمة مكبلاً فلا هو يستطيع التقدم إلى الأمام أو الرجوع إلى الوراء أو حتى الجلوس على الأرض. نقف اليوم كفلسطينيين بين استراتيجيتين يلفهما كثير من الغموض والتناقضات ويدعم استمراريتهما الوضع العربي الراهن وغياب الديمقراطية في كل من الضفة وقطاع غزة. يمكننا أيضاً أن نقول أن الحياة السياسية برمتها غائبة في مجتمعنا الفلسطيني حيث أصبح حكم الحزب الواحد متجذراً في السياسة الفلسطينية واصبح اللاجئون في الخارج مهمشين إلى حد اعتبارهم دخلاء على الشعب الفلسطيني. إن الحالة الفلسطينية معقدة إلى درجة أنها تعتبر أعقد الحالات العربية على الإطلاق. لقد اجتمعت الشعوب العربية اليوم على هدف اسقاط أنظمتها وتغيير تلك الأنظمة بينما اجمع الشعب الفلسطيني اليوم على تغليب الفئوية على المصالح الوطنية العليا عبر وجود دعم الأغلبية في الضفة الغربية لحركة فتح ودعم الأغلبية في قطاع غزة لحركة حماس. وتقف أحزاب الكرتون الفلسطينية كالمبادرة الوطنية وحزب الشعب الفلسطيني وغيرهم من حركات وجبهات نفس الموقف الذي وقفته أحزاب الكرتون المصرية عندما كانت تقتات على فتاة سلطة حسني مبارك. إن الشعب الفلسطيني اليوم بحاجة إلى ثورة شبيهة بالثورات العربية المجاورة. على الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج أن يعلن سحب الشرعية الوطنية من جميع مفردات ومكونات القاعدة السياسية الموجودة الآن على الأرض ليس لالغاءها وإقصائها وإنما لإعادة هيكلتها. الشعب الفلسطيني اليوم يحتاج الى أن يفكر بعقلية مختلفة عن عقلية الخمسينات والستينات فهذه العقلية التي لا تزال تهيمن على الذهنية الفلسطينية لن تقود الشعب إلى نهاية النفق المظلم شديد العتمة. ان نقاء النظرة الوطنية يبدو أكثر وضوحاً وتوفراً في فلسطيني الشتات. مما لاشك فيه أن فلسطيني الشتات لم يتلوثوا إلى وقتنا هذا برياح التنظير السياسي الفئوي الضيق ولم تختلط أفكارهم بمفردات اختزال فلسطين وتاريخها ونضال أهلها بحركة هنا أو هناك وإن استمرار قيادة الشعب الفلسطيني باستخدام أيدولوجيا الفئوية ستجلب المزيد من الويلات على فلسطيني الداخل والخارج. لقد أخذ فلسطيني الشتات سنوات طويلة قادوا فيها كفاح الشعب الفلسطيني من الخارج وفشلوا واليوم وصلت الحركات النضالية الفلسطينية في الداخل أيضاً إلى فشل ذريع في تحريك المياه الراكدة. لم يعد من الممكن لفلسطيني الداخل اليوم أن يصلوا إلى نتيجة مع استمرارهم في إقصاء فلسطيني الخارج واعتبارهم كماً مهملاً لا قيمة له. ومما لاشك فيه أن فلسطيني الشتات يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤلية حيث أنهم لم ينتفضوا في وجه هذا الإقصاء المتعمد عبر تكوين جبهة أو مؤسسة أو جمعية وطنية تتحدث باسمهم. لقد ضاعت الكثير من حقوق اللاجئين عبر مسلسل التفاوض الهزيل الذي انتهجته السلطة على مدى عشرين عاماً. وضاعت كثير من حقوقهم أيضاً في بلاد المنفى حيث يقيمون هم وعائلاتهم وقامت السلطة الفلسطينية بالعديد من الممارسات بهدف الضغط على كثير من فلسطيني الشتات ليتوقفوا عن إعانه ذويهم من سكان قطاع غزة اعتباراً منها أن هذا الدعم يصب في نهاية المطاف في مصلحة حركة حماس. لقد رأيت بنفسي فلسطينيين يستصرخون في أحد الدول الخليجية وآخرين يستصرخون في النرويج من قرارات اتخذت للتضييق عليهم بطلب من السلطة الفلسطينية. حسناً يبدو أن السلطة الفلسطينية بدلاً من أن تحاول البحث عن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم أخذت تلاحقهم في الخارج ليطردوا من أماكن إقامتهم في بعض الدول الغنية ليتوقفوا عن دعم عائلاتهم في قطاع غزة وينتقلوا إلى دول فقيرة حيث لا يتمكنون حينها من إعالة أنفسهم. لقد أشعل السيد محمود عباس نيران اللاجئين فأوقد في قلوبهم براكين من الرغبة في الانتقام أكبر من تلك التي اشتعلت في قلوب سكان روما عندما أحرقها نيرون. لكن زمان فارس عودة وربيعه سوف يجلبان الخريف لنيرون فلسطين إن عاجلاً أو آجلاً.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل