فنون النفاق عند ابن خلدون
كلنا يعرف الكثير عن ابن خلدون وما اشتهرت به مقدمته التي تعد الأساس الأول لعلم الاجتماع. وقد عرف عنه أيضا انه من زعماء النفاق وانه كان يحرص كل الحرص علي ان ينافق صاحب السلطة، وكان في سبيل ذلك يتنقل بسرعة بالغة بين النقيض ونقيضه. وقد ورد ذلك في عدة مراجع محققة، لا تتعرض للنقد أو النفي، كما لم يدفع أحد عنه هذه التهمة.ومن أجل توثيق ذلك نعود إلي وثائق مكتبة الإسكندرية وما أعيد نشره في سلسلة كتاب اليوم. لقد عقدت زميلتا نوال مصطفي رئيس تحرير كتاب اليوم اتفاقا مع مكتبة الإسكندرية تم بمقتضاه نشر بعض مقتنيات المكتبة في طبعات خاصة تصدر عن دار أخبار اليوم في طبعات شعبية بأسعار مخفضة. وقد صدر منذ شهور مضت عن هذه السلسلة كتاب مأخوذ من مقتنيات مكتبة الإسكندرية بعنوان »ابن خلدون في رحلته« من إعداد الدكتور خالد عزب.وقد تذكرت هذا الكتاب وما ورد فيه عن النفاق والمنافقين وما تردد من اتهامات احاطت بالعالم الجليل ابن خلدون الذي يمكن اعتباره مؤسسا لعلم الاجتماع والذي يعترف العلماء في سائر انحاء العالم بأن ما ورد عنه تحت عنوان »مقدمة ابن خلدون« سيظل القاعدة الراسخة لعلم الاجتماع. ومن المعروف أيضا عن هذا العالم الجليل المامه العميق بالمذهب المالكي وقيامه بشرح تعاليم هذا المذهب، وقيامه بتدريسه لتلاميذه الذين اخذوا عنه العلم ونقلوه إلي كل الأمصار معترفين بفضل ابن خلدون عليهم وعلي تلاميذهم.وقد اشتهر ابن خلدون أيضا بكونه مؤرخا ومدققا وكان أفضل من كتب عن تاريخ البربر في شمال وغرب القارة الافريقية، وهي المنطقة التي تأخذ في معظمها بمذهب ابن مالك.واشتهر أيضا -رحمه الله- بحرصه علي النفاق والاسراع إلي أرضاء أصحاب السلطة والسلطات عندما يتولون مقاليد الأمور، ثم يعود فيتنكر لهم لحظة زوال سلطانهم لينشغل بالاشادة بمن آلت إليهم السلطة مستفيضا في ذكر مساوئ وجرائم من سبقهم ممن كان ينافس علي الاشادة بهم وبعبقريتهم وبحسن خلقتهم وخلقهم.. وقد ورد ذلك في الكتاب السابق الاشارة إليه وذكره الدكتور خالد عزب أكثر من مرة، وجاء في الصفحة ٨٢ بالحرف الواحد:»ان ابن خلدون كان يحرص علي الاساءة لمن كان يحسن إليه وانه كان يمارس فنون النفاق بتمكن وقدرة، وكان شعاره في ذلك ان الغاية تبرر الوسيلة، وكان يقابل الإحسان بالإساءة من أجل مجد يناله أو منصب يصيبه، فقد كان دائما إلي جانب الظافر«.. ولا تزال إصدارات جديدة من ابن خلدون تظهر كل يوم، منهم علماء ومنهم من دون ذلك. ولله الأمر من قبل ومن بعد، ونسأله العافية.
Comments