المحتوى الرئيسى

> سحر المرايا

03/05 22:15

 لم يعد هناك حل لـ«أورفاه» سوي الارتحال إلي العالم الأسفل حتي يجتمع مرة أخري بحبيبته «أيروديكه» وكان مستعداً لهذه المخاطرة والتضحية لأن حياته من دونها ودون هذا الحب الأسطوري لا معني لها قبل ذلك علي الأقل في خيال الكاتب والفنان العبقري «جان كوكتو» جاء الموت للحديث مع «أورفاه» وفي خلال هذا الحديث يقول له إنه سوف يفصح له عن سر الأسرار وأكبر سر في الوجود، وهو أن الموت يدخل إلي العالم من خلال المرايا. بعد ذلك يأخذ الموت بيد «أورفاه» ليساعده علي المرور من خلال المرآة وتبدأ الرحلة إلي العالم الأسفل ليري حبيبته وربما يساعده الحظ لترجع معه ولكن بشرط ألا ينظر إليها مرة أخري أبدا. تلعب المرآة دوراً مهماً آخر ثبت في ذاكرتي في أجمل أعمال عبقري الشمال السويدي «أنجمار برجمان» الفيلم الأول «الفراولة البرية» حيث يعود الأستاذ الدكتور في أحلامه إلي صباه في ليلة تقليده الدكتوراة الفخرية، فيري حبيبته عند النهر وهي في سن الثامنة عشرة وهو في سن الخامسة والسبعين وتقول له انظر إلي المرآة لتري إنك نجحت في عملك ولكنك فشلت في علاقاتك الإنسانية لأنك لا تعرف الحب ودفعتني للانتحار. الفيلم الآخر اسمه «كما لو كان في المرآة» وقد رأيته علي الأقل ثلاث مرات في ثلاثة حفلات متتابعة ولا أستطيع حتي أن ألخص موضوعه.. ربما لأنني رأيته منذ أكثر من نصف قرن وأنا الآن في حاجة لأن أرتحل من خلال المرآة.. ولكن كي أكون صادقاً أنا الآخر أعتقد أنني اكتشفت سراً هو ربما أهم سر في الحياة وما هو بعد الحياة. أجمل ما في هذه الدنيا هو الحب، والإنسان يفني تماما عندما ينعدم الحب في حياته أو يفقد المقدرة عليه، كنت أقف يوما في غرفة المرايا في قصر «لندن هوف» الصغير الذي بناه الملك «لودفج» ملك بافاريا الذي مات في العقد الثالث من عمره، كان الحب كيان حياته، وسبب له الحب الفاشل لقريبته «سيسي» التي تركته وتزوجت «زواجاً فاشلاً» من إمبراطور النمسا «فرانز» مشاكل نفسية قضت عليه في النهاية رغم حبه لموسيقي صديقه «ريتشارد فاجنر»، كما قلت نظرت إلي نفسي في المرآة أمامي مرآة وخلفي مرآة كذلك جميع جوانب الحجرة تغطيها المرايا، رأيت عدداً لا نهائياً من نفسي في المرايا، تخيل أنني في حجرة ذات عشرة أبعاد من المرايا أو دعنا نتخيل أن هناك عدداً ما لا نهائي من الأبعاد لهذه الحجرة وكلها مغطاة تماما بالمرايا، في هذه الحالة لا أستطيع ولا حتي أن أبدأ في عد النسخ التي أراها من نفسي حيث إنها ما لا نهاية من ما لا نهاية وهو ما يسمي في لغة الرياضيات البحتة التي أسسها «جورج كانتور» ما لا نهاية غير قابلة للعد»، الحقيقة هناك علماء كثيرون أنا لست منهم حيث إنني لست عالم رياضيات بحتة يعتقدون أن هناك ما لا نهاية من أنواع المالانهايات وكل ما لا نهاية منهم أكبر من الما لا نهاية السابقة، يعتقد كثير من هؤلاء العلماء ومنهم علي سبيل المثال «جورج كانتور» الألماني وكذلك «ميخائيل سسلن» الروسي وباختصار أغلب أعضاء المدرسة الروسية الكبري في العلوم الرياضية المعروفة باسم مدرسة موسكو يعتقدون أن أكبر ما لا نهاية في هذا السلم هي التعريف الرياضي لكلمة «الرب». الحقيقة إذا تركت شخصية المهندس التي هي حرفتي ونسيت لفترة قصيرة شخصية عالم الطبيعة التي هي هوايتي أو حبي الثالث أو الرابع وركزت فقط علي الإنسان في داخلي، أعتقد أن في قمة سلم اللا نهايات سوف نجد «الحب» بل وأعتقد أن «الرب» و«الحب» هما كلمتان لنفس المعني والفكرة، أعتقد أيضا أنه عندما ينظر المصري في مرآة تاريخه سوف يري «الرب» ويري «الحب» وعندما ركب مراكب الشمس كان يعلم أنه ذاهب من خلال مرآة الحضارة إلي عالم الخلود وعالم الحب، من هذا المنطلق أكاد أن أجزم أنه لا يوجد إنسان مصري واحد يمكن أن يرتكب ما ارتكب في الإسكندرية، ولكنني كنت أريد أن أتكلم اليوم عن الحب والحب فقط.. من يحب لا يمكن أن يكره ولا يمكن أن يتمكن الشر من قلبه والمصري يحب عائلته ويحب بلده ويحب ربه ويحب الحب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل