المحتوى الرئيسى

«اللاءات».. دستور شعبي يحكم سلوكيات المصريين بعد «ثورة 25 يناير»

03/04 15:22

«لا للرشوة، لا للتزوير، لا للوساطة، لا للفساد، لا للتحرش، لا للغش، لا للاستبداد، لا للبلطجة».. عند تجولك في القاهرة والمحافظات المصرية، ستجد هذه الكلمات تقابلك على واجهات المحال التجارية والمنازل، أو كتبت على لافتات خاصة في الميادين الرئيسية، أو يتم توزيعها في الشوارع على المارة، لتشكل هذه «اللاءات» مواد «دستور شعبي» يؤسس لعلاقة جديدة بين المصريين بعد ثورة «25 يناير»، تتوازى مع الإعلان عن تعديل مواد «دستور قانوني» للبلاد. فهذه «اللاءات» لم تصدر عن جهات حكومية ولم يكتبها مسؤولون، إنما جاءت من أفراد من الشعب، لا سيما الشباب، أرادوا بهذه الكلمات البسيطة أن يغيروا سلوكيات أخرى قديمة ترسخت وعاشت بينهم لسنوات طويلة. وبحسب كثيرين لا يحتاج الدستور الشعبي إلى كتاب خاص يصدر فيه أو أن يعلن عنه في جريدة رسمية؛ فهو عرف عام، لا يتوقف على شكل واحد أو وسيط محدد. فعلى الهواتف المحمولة تناقلت رسائل عدة تروج للمفهوم ذاته، أشهرها رسالة تقول: «من النهاردة خليك إيجابي.. خليك صح.. دي بلدك أنت.. ما ترميش زبالة.. ما تكسرش إشارة.. ما تدفعش رشوة.. ما تزورش ورقة.. اشتكي أي جهة تقصر في شغلها.. فرصتك تبني بلدك بإيدك.. عهد جديد». محمد وصفي، أحد الشباب الذين وصلتهم هذه الرسالة على هاتفه، يقول: «تركت هذه الرسالة أثرا عظيما في نفسي؛ فكلماتها تحث على أن نبدأ عهدا جديدا بعد نجاح ثورتنا، فهي تدعو لأن نكون أكثر إيجابية وإحساسا بالمسؤولية، فبرأيي أنه حان الوقت ليقوم كل منا بواجبه تجاه مصر، فعلينا أن نعمل بهذه المبادئ لكي نعوض التخلف الذي عشناه، ولما لمسته في هذه الرسالة قمت بإرسالها لأصدقائي حتى تعم الاستفادة منها». ومع تشكيل لجنة قانونية لتعديل مواد دستور البلاد، تشكلت على جانب آخر الكثير من المجموعات على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» لتضع مواد الدستور الشعبي؛ حيث دعت هذه المجموعات إلى انتهاء عصر تفشت فيه الكثير من الظواهر السلبية ولم يعد من المقبول استمرارها في ظل العصر الجديد الذي تعيشه مصر بعد ثورة «25 يناير». فمن بين المجموعات التي تحارب ظاهرة الرشوة، على سبيل المثال، مجموعة «حملة القضاء على إكراميات الموظفين في مصر»، و«بعد (25 يناير) محدش هيدفع رشاوي ولا إكراميات في أي مكان»، و«لا رشوة بعد (25 يناير) 2011». بينما تشكلت مجموعات هدفها مناهضة القيم السلبية في المجتمع المصري، منها «لا للفساد» و«محاربة الفساد» و«لا للجريمة.. لا للغضب.. لا للعنف.. لا للبلطجة واستخدام الأسلحة»، ومجموعات أخرى للتوعية بقيم يمكن عن طريقها النهوض بمصر، مثل مجموعة «هدفنا وطننا»، و«الشعب يريد أخلاق الميدان»، و«معا نغير مصر بأفكار المصريين»، و«لا للتخريب ونعم للتعمير وبناء مجد مصر»، و«حملة تغيير سلوكيات الشعب المصري». مواد الدستور الشعبي أو السلوكيات التي يحاول الشباب إرساءها حاليا، برأي الدكتور خليل فاضل، استشاري الطب النفسي، هي امتداد للسمات والأخلاقيات التي شوهدت في ميدان التحرير أو «أخلاق الميدان» - كما أطلق عليها - التي شكلت حالة رائعة، فلم يكن هناك مضايقات ولا شجار ولا تحرش، وإنما كان هناك احترام وتعاون ورغبة عارمة في العطاء «وهذه الأخلاقيات تستمر طالما استمرت روح الثورة وحافظنا عليها، وهذا ما يجب أن نسعى للتركيز عليه في الفترة المقبلة». ويضيف: «ما حدث في السلوك المصري هو تحول وليس مجرد شيء عارض؛ فالأحداث أعطت جموع المصريين طاقة خارقة، وهذه المرحلة هي لحظات فارقة في تاريخ الشخصية المصرية؛ فالأسر والعائلات المصرية التي خرجت لتنظيف ميدان التحــرير وتنظيف الشوارع المحيطة بمنازلهم، هي نفسها التي كانت تشتكي من عدم تنظيف الشوارع وتتذمر من أشياء عدة مشابهة، لكنها تغيرت من الناحية النفسية وتغير أسلوبها في التعامل مع المعطيات المحيطة، ولا أعتقد أن الناس سيعودون إلى سابق عهدهم بعدما شاهدت ما حدث في التحرير وسيطرت عليهم هذه الحالة.. فميدان التحرير غيَّر الكثير في المصريين». وبرأي د. خليل أعادت الأحداث الأخيرة للمصريين أصالتهم؛ فالشخصية المصرية لم تفقد سماتها وهذا ما يظهر في محاولات إرساء وترويج بعض السلوكيات الإيجابية، فما حدث هو أن هذه الصفات أهيل عليها الغبار لفترة والأحداث الأخيرة نفضت الغبار عنها، وعن أجمل ما في الشخصية المصرية، فعاد التكافل الاجتماعي وشاهدناه بقوة في ميدان التحرير، فالكل حريص على المساعدة والمشاركة بأي شيء مع الآخرين مثل الطعام أو الدواء، والمنازل المحيطة بالتحرير ضربت أروع الأمثلة لهذا؛ حيث قدمت نموذجا رائعا في مساعدة هؤلاء الشباب، كما أصبح المصري الآن يبتسم في وجه جاره ويسعى لمشاركة الآخرين والتفاعل معهم بينما عانينا لفترة طويلة لأن الفرد لا يعرف جاره في المنزل نفسه ولا يندمج مع الآخرين ويخاف من الغرباء، وهكذا. ويشير إلى أن الشعب المصري فخور بنفسه ومعتز بذاته ولديه شكل من أشكال النرجسية مهما كانت الظروف والمعطيات المحيطة به، وما حدث في الحقبة السابقة يسمى «جرح نرجسي»، فعندما جرحت هذه النرجسية على مدار السنوات السابقة التي تعرض فيها للقهر والضغط والاستغلال انفجر المخزون النرجسي في العقل الباطن، وهذا المخزون كان بعمق الجرح الذي استمر الضغط عليه لسنوات، مما أدى إلى ما ظهر مؤخرا وأذهل الجميع على المستويات كلها، فما حدث ليس شيئا عارضا أو أمرا ظهر في يوم وليلة وإنما هو وليد تراكمات استمرت لفترات طويلة. ويؤكد الاستشاري النفسي أن ما يُتداول حاليا من مبادئ يُظهر أن هناك حالة من توحد التفكير والأهداف والرغبات بين جموع المصريين، وهو ما ظهر في ميدان التحرير؛ حيث كانت كل الأطياف والاتجاهات والتوجهات على قلب واحد وعلى هدف واحد حتى إن كانت أفكارهم متناقضة، فرأينا اليميني واليساري والليبرالي، ورأينا المسلم والمسيحي، ورأينا سيدات منتقبات وفتيات يرتدين أحدث الموضات العالمية، ورأينا عائلات بسيطة جدا وأسرا من الطبقة الراقية جدا، فالجميع نسي الاختلاف وانصهر في بوتقة واحدة على هدف واحد. ويكمل: «أكاد أجزم أن الثورة المصرية عالجت معظم الأمراض النفسية لدى المصريين، وشاهدت هذا بنفسي، فكان لديَّ مرضى مصابون بالخوف والرهاب من كل ما حولهم، فكانوا على رأس المتظاهرين في التحرير وبعضهم أصيب، والآن شفوا تماما من كل الأمراض والأعراض النفسية التي كانوا يعانونها، وأثق أن هذا حدث لكثيرين على اختلاف معاناتهم النفسية، بداية من الاكتئاب وحتى أعقد الأمراض النفسية».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل