المحتوى الرئيسى

وبدأ تزييف التاريخ

03/03 21:53

بقلم: د. خالد فهميخطر داهم يوجب اليقظة!هذا مفتتح يحمل قدرًا ظاهرًا على إحلال أجواء الرهبة والخوف في القلوب من بعض ما بدأ يحدث من تزييف التاريخ وتشويه لكثيرٍ من الحق الذي يُراد له أن يتوارى مختفيًا، وصناعة تراكم ضار بملامح صورة الثورة الحقيقية، واليقظة المطلوبة والواجبة هنا هي بعض ضرورات الوعي بما يلزم نحو دعم هذه الثورة الميمونة وصيانتها حتى تصل الأجيال القادمة من جانب، وحتى تظل مشرقةَ الوجه في الوعي الحاضر لمَن أراد أن يستلهم ما سكنها من أفكارٍ، ولمَن أراد أن يفحص منجز مَن صنعوها ومهدوا لها بوقود عقولهم وما سال من نور أرواحهم، وما تدفق من دماء مُهجهم على امتداد ما يقرب من نصف قرن مضى على الأقل قبلها من جانب آخر.(1)دوافع الشعور بالخطروبعض دوافع الإحساس بالخطر الداهم على حاضر الثورة ومستقبلها كامن في بعض ما بدأ يدشنه عددٌ من الكُتَّاب المعادين للسياق العام لثقافة الأمة من الذين يملكون تاريخًا طالما سعى إلى تشويه تاريخ هذه الأمة، وينال من حضارتها التي فجَّرها الإسلام ويردها ساخرًا، ومفتئتًا على حقائقها مَن يرى في شرعها ونور أفكارها ومبادئها وقيمها آثارًا من سموم رمال الصحراء، وطالما نادى بلغةٍ من المجاز الجبان ما ملخصه: (يا أيها الرمل ارتحل)!في جريدة (الأهرام) وفي عددها الصادر صباح يوم الأربعاء 27 من ربيع الأول 1423= 2 من مارس 2011م، كتب أحمد عبد المعطي حجازي مقالته الأسبوعية، وكان عنوانها: (الثورة وآباؤها)، بناها من نسقٍ من استثمارِ ما يُمكن أن يُسمَّى بتقنية القياس الأرسطي، الذي انطلق من مقدمتين لن يختلف أحد حولهما، وهما: أولاً: رأى فيه أن القضية المركزية التي يمكن أن تكون هاجس الثورة وحلمها هي الحرية، وهذا حق جعل الخطاب الإسلامي يرى في الدعوة إلى الحرية وتحقيقها مقدمًا على طلب تطبيق الشريعة، وهو فهمٌ راقٍ يستند إلى قراءة واعية لطبيعة الإسلام ويستند إلى فهم عميق للأولويات. ثانيًا: رأى أن اختزال الثورة على ما يشيع في الأدبيات الإعلامية ونكات المرحين- في التعبير عنها بإنها ثورة أنتجها تقنيات في الاتصالات بين وسائل التواصل الاجتماعي من مثل (الفيس بوك) أو الهواتف المحمولة يمثل تسطيحًا لا يليق بها. من هذين الملمحين انطلق أحمد عبد المعطي حجازي نحو إعادة التذكير بآباء الثورة الذين صنعوا جذورها في رحم التاريخ المصري المعاصر حتى أخرج الثورة التي تفجَّرت في يوم الخامس والعشرين من يناير الماضي. وبعض مكامن الخطر في هذا المقال أنه مقدمة لتيارٍ كاملٍ من الكتابات المتوقعة من هذا التيار الذي ظلَّ ابنًا بارًّا للنظام الاستبدادي الفاسد بإيجابياته وسلبياته معًا؛ أي تعاونه معه في ضرب ثقافة الأمة وتحقيرها وتشويهها أو بصمته الداعم لهذا الضرب والتشويه. وبعض مكامن الخطر أيضًا أنه يقول جزءًا من الحقيقة ثم ينفخ في رُوح هذا الجزء الضئيل ليحيله كلاًّ يملأ اللوحة كلها. إن إستراتيجية التزييف هنا هي أن يكون بعض الحق حقًّا كاملاً ووحيدًا بنفي غيره. إن اجتزاء أبوة الثورة في فرعٍ نحيف، وفي ملمحٍ واحدٍ من ملامح إنتاجه الفكري هو تزييف التاريخ الذي انطلق قطاره من رصيف محطة الصحف القومية، ومن كُتَّاب النظام البائد من أمثال صاحب هذا المقال. وإستراتيجية بتر الحقيقة وتصدرها على أنها كل الحقيقة شأن قديم من بقايا عمل المدرسة الاستشراقية التي رسَّخت في أوساط التيارات المعادلة لثقافة الأمة التي اعتمدت فيما استخرجته نتائج فكرية على بتر النصوص وتغييرها. (2)إستراتيجية تزييف الوعي من التخدير إلى التمديدفي مقالة أحمد عبد المعطي حجازي (الثورة وآباؤها) استثمار لعدد من الحقائق التي لا يسعه أن يتجاوزها بالإهمال والنفي من مثل تضحيات أجيال الإسلاميين جهادًا في سبيل حرب الاستبداد والفساد والظلم والانهيار الحضاري وتمييع الهوية، ولكن كيف كان الأمر؟! في واحدةٍ من مقدماته قرر حجازي أن آباء كثيرين سعوا نحو استعادة الحرية ثم سمى تيارات ثلاثة على التعيين كانت وفق ترتيبه هي: الشيوعيين، والليبراليين، والإسلاميين، ثم عطف عليها بعموم يحمل إبهامًا ظاهرًا قائلاً: وغيرهم. وليس ثمة جدل حول سهمة الكثير من تجذير الثورة في الوجدان المصري، لكن هذا الترتيب بهذا الشكل يشوه الحقيقة وتحيز لها ولا سيما عندما يأتي المقال على تعيين آباء الثورة ممن زرعوا ثمرتها في النفوس لتخلوا قائمته تمامًا من كل مثقفي الإسلاميين على امتداد الخريطة الجامعة لتياراتهم وعلى تنوع إنتاجهم. لقد خلت القائمة تمامًا ولم يفلت من تهميشه ونفيه سوى اسم المرحوم الدكتور عبد الرازق السنهوري. وفي هذا الملمح- من جانبنا بعض إستراتيجيته يمكن أن نسميها إستراتيجية التخدير؛ ذلك أنه ذكر الإسلاميين، لكنه ذكر عابر السبيل الذي لا يترك أثرًا ولا يصنع تأثيرًا سيضيع حتمًا مع التقدم في القراءة؛ لأنه ذُكر لن يدعمه شاهد من تطبيق. وفي خطوةٍ تالية استثمار لإستراتيجية التمدد التي أخذت شكل صناعة قوائم الشرف للمفكرين الشيوعيين والليبراليين، ومداعبةً الوجدان بذكر مؤتمر مكثف لما لاقوه من اضطهادٍ حتى الموت فيما يشبه استثمار لما يمكن أن يُسمَّى كتابة التاريخ بمنهجية خرطوم الفيل، وهي المنهجية التي يلخصها المثل الشائع للأعمى الذي طلب أن يصف الفيل فاختزله في خرطوم طويل! (3)شمس الإسلاميين تغمر المكانوليس من الحق أن يكون جزءًا ضئيلاً للغاية من صناع الثورة ممن ذكرهم حجازي، وفي سياق مقاومة جزئية للنظام البائد هو الممثل لجسد آباء الثورة. من الحق أن نقرر ان القوميين أسهموا في دعم شجرة هذه الثورة فيما سبق من إرهاصاتها، وفي هذا السياق يمكن التذكير بالدكتور عصمت سيف الدولة رحمه الله. ومن الحق أيضًا أن نقرر أن الإسلاميين هم أكبر فصيل رعى الثورة في رحم التاريخ المعاصر في مصر وغذَّى جسمها وتحمَّل تاريخيًّا وواقعيًّا عبء ميلادها على الأرض، وما يزال بشهادة الجميع أكبر حماتها عددًا وأكبر داعميها معنويًّا وماديًّا. والتوسع في بيان إسهام الإسلاميين هنا واجب بمنطق الشرع والعقل، وواجب بمنطق حق التاريخ، فضلاً عن أن هذا التوسع في بيان سهمتهم في صناعة الثورة الراهنة وصيانتها هو الطريق لكشف تزييف لمنهجية التي أنتجها صاحب مقالنا هذا. إن بالإمكان أن يقسم إسهام الإسلاميين في صناعة الثورة وتربية شجرتها عدة أقسام تكامل عملها وعطاؤها كما يلي: أولاً: أجيال الدعاة الذين حملوا أفكار الثورة والتبشير بها وتجذيرها في النفوس المصرية من خلال استثمار ظاهر للأوعية الدعوية في خطب الجمعة والعيدين والمناسبات الإسلامية بما في تكرارها من كل عام تذكيرًا بأيام الله هو من مرادات الذكر الحكيم. بما يكون كافيًا لوقت أن نذكر برءوس أسماء على هذا الطريق تمثل تذكيرًا بأجيال ممتدة متوازيةً خلف أسماء هؤلاء الرموز مثل: حسن البنا ومحمد الغزالي وعبد الوهاب فايد وإسماعيل شادي وجمال عبد الهادي ووجدي غنيم وغيرهم. ثانيًا: أجيال المفكرين والمثقفين المختصين في المجالات العرفية المختلفة الذين وظَّفوا طاقاتهم ومعارفهم في اتجاه فضح الطغيان والاستبداد من أمثال: سيد قطب، ومحمد الغزالي، ويوسف القرضاوي، وجمال حمدان، وحامد ربيع، وعبد الوهاب المسيري، وجمال عبد الهادي وعلي لبن، بما خدموا به الوعي المصري العام عندما ذهبوا في تشكيله كل مذهب، ولا سيما في كتابات التصدي لمحاولات تشويه هوية الأمة من مثلته ردود عبد الصبور شاهين ومحمد عباس وإبراهيم عوض على "آيات شيطانية" و"وليمة أعشاب البحر" وغيرهما، عضد عملهم جمعٌ كبيرٌ من الأدباء الإسلاميين صرخوا بلغةٍ شعريةٍ وأدبية وجمالية بأفكار تعرية الاستبداد والفساد من أمثال: نجيب الكيلاني، ويوسف القرضاوي، وسيد قطب، والباقوري، وهاشم الرفاعي، وأحمد مطر، وجابر قميحة، وغيرهم. ثالثًا: أدبيات السجون والتعذيب التي تعالى فيها كثيرٌ من الإخوان تعيينًا على آلامهم واسترجعوها كتابةً أو قصًّا شفاهيًّا، وهو بعض ما تراكم في الوعي المصري وشحَّذ همته في اتجاه تأجيج الثورة. والحق أن أدبيات السجون والتعذيب التي سطَّرها كثيرٌ من الإخوان المسلمين لا يمكن أن يقارنها لا في القوة ولا في العدد ولا في التنوع أدبيات تيار آخر بحالٍ من الأحوال، لقد شكَّلت صرخات زينب الغزالي وجابر رزق وعبد الحليم خفاجي وحسن الشافعي وعبد اللطيف عامر وغيرهم وجدانَ مصر ووعيها. رابعًا: أجيال الحركة الطلابية، وإذا كان فضل كبار الإسلاميين ممن ضمَّتهم سجون مصر على امتداد ثلاثة عقود واضحًا، فإن جزءًا من رهاصات الثورة الراهنة وجذورها يعود فضل تأسيسه وغرسه إلى أبناء الحركة الطلابية الذين نفخوا في روح هذا الشعب، ومنحوه الأمل في إمكان التغيير من مثل: عبد المنعم أبو الفتوح، وعصام العريان وسناء أبو زيد، وحلمي الجزار وغيرهم. إن على الثورة أن تحمي تاريخ الذين صنعوها ومهدوا الطريق لميلادها، وتتصدى لقطار تزييف تاريخها، وهو بعض مناطق الجهاد، والتي يلزم النزول إلى ساحتها.----------* كلية الآداب- جامعة المنوفية 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل