المحتوى الرئيسى

مصطفى الغمري يكتب: حزب أمريكا ومعركة التحرير

03/03 21:46

عندما سألت الدكتور عبد المنعم سعيد كيف يقوم الأهرام بتطفيش رمز كبير مثل الأستاذ فهمي هويدي واثر ذلك على التوزيع بل على التوازن الفكري للأهرام في إطار حملة متكاملة لتهجير العقول الكبيرة منه؟ أجاب سعيد انا بصراحة تواصلت مع عدد من العقول التي تركت الأهرام وليس من بينهم الأستاذ هويدي لخلافات شخصية؟!! لم أفهم الإجابة إلا بعد أن عدت إلى أرشيف صحفي صغير احتفظ فيه ببعض المقالات المتميزة، فوجئت بمعركة صحفية ضارية من ست مقالات أوجزها لكم نظرا لأهميتها القصوى في هذه الأيام، رغم أن أحداثها تعود إلى عدة سنوات ماضية. في 12 أغسطس 2003 قام الكاتب الكبير فهمي هويدي بدق جرس الإنذار مدويا على صفحات الأهرام تحت عنوان "هواجس وهوامش صحفية" وتحدث مقاله عن الاختراق الأمريكي المعلن للصحافة والإعلام العربي ومنه المصري، وذلك بإعلان الإدارة الأمريكية عن مشروع يتكلف 147 مليون دولار، ويستهدف إصدار صحف وإنشاء فضائيات داخل الدول العربية يسهم في تمويلها شركاء عرب. في اليوم التالي نشر الكاتب الكبير المرحوم صلاح الدين حافظ مقال تحت عنوان "إصلاح عقولنا الفاسدة" حيث تطابقت وجهات النظر في استنكار واستهجان مخطط الاختراق الأمريكي للإعلام وبمعاونة اشخاص من الداخل، أسماها الأستاذ هويدي بحزب أمريكا بينما أسماهم الأستاذ حافظ بالمتأمركين العرب. جاء الرد من الدكتور عبد المنعم سعيد الذي كان يشغل منصب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية وقتها، وعلى صفحات الأهرام أيضا حيث كتب في 25 أغسطس "لماذا تقرع الطبول" واستنكر ما طرحه الأستاذ هويدي وحافظ، وذلك بالتهوين من مسألة الاختراق برمتها، مع تضخيم أمريكا ودورها الإمبراطوري، واستنكر حجم التشويه الذي تتعرض له أمريكا بقوله إن تقبيح وجه أمريكا أصبح جزءا من الفرائص القومية، ثم استخلص أن ما كتبه الأستاذين من استهجان للمخططات الأمريكية المعلنة وتعاون أطراف داخلية معهم سيعرض البعض للقتل والخطف من الغيورين على المصلحة الوطنية !!تأخر رد الأستاذ هويدي فكتب في 21 أكتوبر مقال "في الاختراق وسنينه!" وبرر هذا التأخير بأن مقالة يأتي في إطار معلومات عن بدء إصدار تلك صحف في بعض العواصم العربية، وبالمواصفات المقررة من حيث الدعم المالي ورفع شعارات ليبرالية براقة للغاية، ثم أجاب هويدي على تساؤلات سعيد الاستنكارية، وكيف أن هذا الاختراق الأمريكي يهدد المصالح العليا والأمن القومي المصري، فقال إن دور الإعلام لن يخرج عن تسويغ السياسات الأمريكية وتعبئة الرأي العام لصالحها، والتبشير بالقيم والأفكار المراد الترويج لها بين الناس، والدفاع عن العلمانية مع الدعوة إلى التغيير في النظام التعليمي والثقافي، هذا مع رفع شعار مصر أولا بهدف ان تكون مصر فقط وتخرج بذلك من محيطها العربي والإسلامي، ثم الاتجاه إلى التطبيع مع إسرائيل وتسليم القيادة لها كقوة إقليمية مهيمنة. بعد ستة أيام فقط كتب الدكتور سعيد مقالا تحت عنوان "أصول المسألة الأمريكية ..!" ليرد من خلاله بعصبية بالغة على ما كتبه الأستاذ هويدي في مقال الاختراق وسنينه، وقدم سعيد بعض التنازلات في وصف ما يسود حول المشهد الأمريكي من بشاعة وقبح بسبب ما تقوم به اسرائيل وما قامت به امريكا بعد أحداث سبتمبر واصفا ذلك بالنكسة الحقيقية لليبرالية الأمريكية بل والحضارة الإنسانية كلها!! لكنه عاد ليؤكد من جديد على الهيمنة الإمبراطورية العالمية لأمريكا على العالم مدعما ذلك بأرقام مرعبة، وواصفا الحدود الأمريكية بأنها كل العالم بل وخرجت لتمتد هيمنتها إلى الفضاء حيث تصل سفن وأقمار!! وحرص سعيد في مقاله على وضع إطار للأستاذ هويدي واختتم به حيث وصفه بالفسطاط الأصولي الذي يستهدف تصفية الليبرالية المصرية التي تمثل تحديا عقلانيا وعصريا ومستقبليا للفكر الذي قاد مصر من تهلكة إلي تهلكة،‏ ومن احتلال لاحتلال‏،‏ ومن كارثة إلي كارثة،‏ ومن تخلف إلي تخلف‏!!أنهى هويدي هذه المعركة بمقالة قاضية "تحرير الاختراق .. بدون زعل" في 4 نوفمبر، حيث بدأها بإعادة القضية إلى مسارها وهي مناقشة قضية الاختراق وليس صراع أيديولجي بين فسطاطين أصولي والأخر ليبرالي، ثم أستعرض تاريخ الاختراق الإعلامي في مصر منذ الاحتلال الإنجليزي مرورا بالحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، وصولا إلى احداث سبتمبر والإعلام الأمريكي الموجة، واوضح كيف تطور تجنيد بعض الأقلام لصالح السياسة الأمريكية، حيث لم يعد المجند عميلا مباشرا يتلقى مبالغ مالية شهريه لأداء مهام عينة، ولكنه أصبح يكافأ بصور أخرى مثل إغراقه بالدعوات والسفريات ودورات البحث الاستراتيجي، وإلقاء المحاضرات نظير أجر في المؤسسات الغربية المختلفة، وأحيانا يتم كل هذا التجنيد دون أن يكون الشخص واعيا بالتجنيد. نعم نجحت المخططات الأمريكية في زرع وسائل إعلام عديدة نسميها خاصة أحيانا ومستقلة أحيانا أخرى أو لا نسميها في أغلب الأحوال؟!! ونجحت هذه الوسائل في العبث بثقافتنا وتاريخنا وديننا، ونجح المتأمركون العرب في تقلد المناصب القيادية في الإعلام، ونكل بأصحاب الرأي السديد بكل الصور ولا يتخيل أحد كيف نكل فكريا وأدبيا بالأستاذ فهمي هويدي خلال هذه المعركة، ليس فقط من الدكتور سعيد ولكن الحزب الأمريكي الكبير الذي تلاسن في كل الطرقات وعلى كل الموائد. الآن وبعد حوالي ثماني سنوات تغيرت الصورة رأسا على عقب، حيث قامت ثورة الغضب التي أربكت أمريكا وحزبها الإعلامي الاستراتيجي، إلى أقصى مدى. ومازلت أتذكر كيف كانت كل علامات الامتعاض تظهر على وجه الدكتور عبد المنعم سعيد يوم 10 فبراير عندما كان يتحدث عن الثورة وكأنها كابوس يطارده، ويأمل أن يزول في اليوم التالي بقولة فلننتظر ونرى ماذا سيحدث غدا، ولكن ما حدث هو بداية معركة لسحق مخططات الاختراق وتحرير الإعلام المصري بحق، وربنا يعوض على أمريكا في الملايين التي أنفقوها في السر والعلن .. وللحديث بقية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل