المحتوى الرئيسى

أشرف توفيق يكتب: السقطة الأخيرة لأحمد شفيق!

03/03 20:02

 لم يمهلنى القدر حتى أصبح "نوستراداموس" القرن الواحد والعشرين، لم أستطع أن أفرح بعبقرية تنبؤاتى، وانتظارى لتأكيدها وتحقيقها، فبعد أن شاهدت حوار الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق مع الإعلامى حمدى قنديل ورجل الأعمال نجيب سويرس والروائى علاء الأسوانى فى "بلدنا بالمصرى"، تيقنت وقتها أن وزارة أحمد شفيق تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقررت أن أكتب سبب توقعى هذا فى اليوم التالى، دون أن أعلم أن التغيير سوف يحدث قبل أن أخط حرفا، ليكون أول خبر يصادفنى فى اليوم الجديد هو خبر استقالة أحمد شفيق.أعرف أن الفريق أحمد شفيق تحمل المسئولية فى وقت صعب، وتحمل كل خطايا النظام الفاسد السابق ممثلة فى شخصه، وبعد أن كان هو مطلبا شعبيا فى السابق لرئاسة الوزراء وربما للرئاسة، صار مادة خصبة للسخرية والتندّر، وأفكارا عبقرية متجددة لأصحاب الجروبات الفيسبوكية، بداية من "بلوفر أحمد شفيق" وليس انتهاء بـ "أنا قتلت واتقتلت.. عايزين رئيس وزراء حى".. كل هذا ربما يثير التعاطف مع شخصية الرجل الذى ظهر علينا أول ما ظهر متحدثا بسيطا لبقا ذو تفكير منظم، يختلف أسلوبه وحواره عن كل من سبقوه فى رئاسة الوزراء، حتى فى ملابسه التى أراد أن تكون بعيدة عن النمطية لتكسر ذلك الحاجز الصلب بين الشعب والمسئول.ولكن مع كل هذا فإن أحمد شفيق لم يستغل هذا التعاطف، بل إنه نكأ جراح الشعب إلى حد التعذيب أثناء أحاديثه المتكررة، ولم يعرف أن الشعب لا يحتاج فى هذا التوقيت الصعب إلى دعابة (مثل البونبونى) أو اقتراحات مضحكة (مثل الهايد بارك)، أو تسويفات مشكوك فيها (مثل لجان التحقيق التى لا نعلم عنها شيئا)، بقدر حاجته إلى من يبث فيه الطمأنينة من جديد، من يشعره أنه يحس بمعاناته، ويتألم لشهيده، ويعالج مصابه، ويضمد جرحاه.. لم يعرف أن هذا الوقت تحديدا لا يتحمل سقطة لفظية واحدة، فالشعب يتعامل مع أى مسئول الآن بالحرف وليس بالتصريح، وأصبح الشك هو رأس مال المواطن، لم يخرج الشعب مغامرا بحياته فى ثورته لتغيير رئيس، وإنما لتغيير نظام، وكان من المنطقى أن يفهم أحمد شفيق هذه الرسالة من الشعب، ويطرح بدائله ودلائله على أنه مختلف، ولكن للأسف فى معظم تصريحاته لم تكن الصورة وردية على هذا النحو.وكانت القشة التى قصمت ظهر البعير فى هذا اللقاء التليفزيونى المشحون، من بداية اللقاء وأنا أنتظر جملة بعينها، كنت أضع هذه الجملة فيصلا للحكم النهائى على هذا الرجل، هل سينجح فى هذا الاختبار أمام طوفان من المعارضة، أم سيصبح "سهرة لطيفة" أمام هؤلاء المعارضين؟ والحقيقة أن الفقرة الثانية قد اتضحت الرؤية فيها تماما، ففى هذه الفقرة كان الضيفان _حمدى قنديل وعلاء الأسوانى_ أكثر حزما وتركيزا على نقاط بعينها، ومن العيار الثقيل المعارض، ولهذا كان تصويبهما فى قلب الهدف مباشرة وهو أن حكومة شفيق فى حد ذاتها لا تلبى مطالب الشعب.كنت مقدرا لثورة علاء الأسوانى، وإن كنت لا أحب هذه النوعية من الحوارات التى تصبح فيها الغلبة لصاحب الصوت الأعلى، ويصبح تحول ناصية الحوار الديمقراطى إلى غيره _من وجهة نظره_ وسيلة لكبت الرأى والتهديد بمغادرة الاستديو رغم أنه أكثر من تحدث.. وكنت سعيدا بهذه الأسئلة البسيطة المركزة الهادئة القاتلة التى ألقاها حمدى قنديل بابتسامته الساخرة الشهيرة، وكنت أرى بوضوح أسلوب المواجهة الصادم من علاء الأسوانى، وخلافه مع شفيق.. وأثناء كل هذا كنت أنتظر تلك الجملة التى تطوف بخيالى.. قلها ياسيادة الفريق.. قلها وريّحنا.. وقالها بالفعل: "أنا تاريخى يشهد.. أنا حاربت وقتلت واتقتلت".لم تلفت انتباهى كلمة "اتقتلت" التى صارت حديث الفيس بوك بعدها لأنها كلمة استرسال عادية بالطبع وخاصة أثناء الانفعال _يؤكد لى الشباب الذين يسخرون كل يوم من كل كلمة يقولها مسئول أنهم ملائكة بجناحين_ ولكن ما لفت انتباهى شيء أهم، وما كنت أنتظره شيء أدق.. هذه المعايرة التى دأب عليها النظام، هذا الحديث عن الأمجاد السابقة التى جابت شهرتها الآفاق، حرب أكتوبر التى صارت مستندا مهما مطلوبا فى مسوغات الترشيح لرئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء، حتى إننى أظن أنه فى المستقبل القريب سيخرج علينا رئيس الجمهورية بقوله إنه أحسن من شاهد حرب أكتوبر فى التليفزيون وهو صغير، ويصبح لقبه "صاحب المشاهدة الجوية"! لا تتعجب من موقفى من هذه الجملة تحديدا دون غيرها من الكوارث التى قالها أحمد شفيق، فالجملة تحمل فى مضمونها وفى اعتقاد المتحدث بها ما يدفعنا دفعا إلى عهد بائد، وما يوضح لنا بما لا يدع مجالا للشك أن أحمد شفيق لن يحمل ذرة من التغيير عن النظام الذى أفرزه، ليس نظام مبارك بالتحديد، بل النظام الجمهورى فى مصر بالكامل منذ عهد عبد الناصر، هذا النظام الذى يقوم مسئولوه بمعايرة الشعب وزرع الشعور داخله بأنه لولاهم لما عاش ولما أكل ولما "تمرمغ" فى هذا الخير الوفير.أتى عبد الناصر.. ضابط بسيط فى الجيش، حمل رأسه على كفه هو وزملاؤه للقضاء على فساد الملك وحاشيته، ولإعلاء كلمة الشعب والقضاء على الإقطاع المستبد، ولكن مع حادث المنشية الشهير وقف صارخا: فليبق كلٌ فى مكانه.. ناصر علمكم العزة.. ناصر علمكم الكرامة.. فى لحظة واحدة وفى انفعال واضح خرجت كلماته للشعب وكأنه هو الذى وضع منهج "الكرامة" وجعله مقررا على أولى ثانوى!ويأتى من بعده السادات.. ذاق ويلات الدنيا، فقرا وعجزا فى شبابه، ولمس طيبة الناس البسيطة أثناء عمله فى أبسط المهن البشرية، ولكن كل هذا لم يشفع له حين تقلد منصب الرئيس، وحارب، فحينها صار بطلا للحرب والسلام، وصارت معايرته للشعب فى كل خطاب غاضب أنه هو الذى حارب، وأنه "هما عايزين إيه تانى؟ مش انا حاربت وانتصرت؟".. وكأن الرئيس السادات قام من نومه فجرا ليحارب وينتصر قبل أن يقوم الشعب من نومه!أما عن الرئيس مبارك فحدث ولا حرج، فالرجل الذى صار فجأة رئيسا للجمهورية دون خلفية سياسية تمهد له، والذى كان لا يرتدى سوى "البِدَل المحلاوى"، منذ أن تولى السلطة صارت حرب أكتوبر مختزلة فى ضربته الجوية، لا حديث سوى عبقرية الضربة الجوية وحلاوة الضربة الجوية و"طعامة" الضربة الجوية، ولا حديث فى خطاباته المنفعلة الأخيرة أيضا سوى أنه خدم مصر حربا وسلاما بالضربة الجوية، وكأن الرئيس مبارك خرج بطائرته و"خلَّص" الحرب لوحده وقال للجيش :ماتتعبوش نفسكوا.. قُضْيِت. ولهذا كنت أنتظر هذه الجملة من أحمد شفيق، كنت أعتبرها فصل الختام، وعندما قالها كنت متأكدا أن خروجه من الوزارة قد حان، وأن فرصته الأخيرة فى التمسك بمنصبه قد ولت، وأن الشعب لن يقبل به بعد ذلك، ربما تكون هذه الجملة بسيطة عند البعض، لأننا قد تعودنا عليها، ولكنها بالنسبة لى ليست كذلك.. أتعلم لماذا؟ لأنها كانت معتادة قبل 25 يناير، أما اليوم فإننا نريد من يحكم أن يكون مواطنا إنسانا، يفعل ما يفعله إيمانا منه بنل ما يفعل، لا ينتظر مدحا ولا عرفانا بجميل.. كان هذا معتادا من قبل،أما بعد 25 يناير فأعتقد أن الشعب لن يستطيع أحد أن"يعايره" بعد اليوم.. لأن لسان حال الشعب الآن لأى مسئول: هتشوف شغلك وللا نروح التحرير؟!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل