المحتوى الرئيسى

خليل كلفت يكتب: لا للتعديلات الدستورية فى مصر

03/03 21:46

1: تتضمن التعديلات المسماة بالدستورية مواد "دستورية" تتعلق بأربع موضوعات: المواد 75 و 76 و 77 و 139 تتعلق برئيس الجمهورية ونائب أو نواب رئيس الجمهورية، والمادة 148 تتعلق بإعلان حالة الطوارئ، والمادة 189 ونفس المادة مكررا ومكررا 1 تتعلق من الناحية الأساسية بمشروع دستور جديد، وتتعلق المادتان 88 و 93 بإشراف القضاء على انتخابات مجلس الشعب واختصاصه بالفصل فى صحة عضوية هذا المجلس، بالإضافة إلى إلغاء المادة 179 المتعلقة بالإرهاب (الأهرام 27 فبراير 2011). 2: وكان الرئيس المخلوع مبارك قد قرر فى بيانه (مساء الخميس 10 فبراير 2011 أىْ فى اليوم السابق على إعلان استقالته أو إقالته) تعديل خمس مواد دستورية وإلغاء مادة سادسة. وذلك فى استجابة متأخرة جدا لمطالب مطروحة منذ وقت طويل كانت تتعلق أساسا بالمادتين 76 و 77 المتعلقتين بانتخاب رئيس الجمهورية ومدة ولايته، وبالإشراف القضائى، وبقانون الطوارئ. وفى حالة استمرار مبارك إلى نهاية ولايته كان من المفترض وفقا لمنطق المطالب الشعبية، ومنطق الاستجابة الرئاسية، أن تتم الانتخابات الرئاسية فى عهده على الأساس الدستورى لهذه التعديلات. غير أن استقالة أو إقالة الرئيس أوجدت وضعا جديدا يطرح فى المحل الأول شرعية هذه التعديلات والانتخابات التى سيتم إجراؤها على أساسها.3: ويحيط غموض شديد بشأن موعد انتخاب رئيس الجمهورية وعلى أىّ أساس. هل سيكون على أساس الدستور الحالى بالتعديلات التى لا تمس سلطاته المطلقة على أن يلتزم بالدستور الجديد عند إصداره؟ ومتى سيجرى انتخابه فى هذه الحالة: قبل انتخاب مجلسى الشعب والشورى أم بعد انتخابهما أم فى موعدين متقاربين أو متزامنين؟ أم سيكون انتخابه على أساس الدستور الجديد الذى سيجرى إقراره بعد حوالى سنة من الآن؟ وفى هذه الحالة: هل سنبقى بدون رئيس جمهورية تحت سلطات الرئاسة المفوَّضة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ وإذا جمح بنا الخيال وتصورنا جمهورية پرلمانية تقوم على الدستور الجديد، فهل سيعنى هذا الهبوط بمنصب الرئيس إلى مجرد مستوى پروتوكولى وهو ما لم يُنتخب له، مع تحويل السلطات الرئاسية الهائلة الآن بعد تقليصها إلى رئيس وزراء منتخب وپرلمان جدير بهذا الاسم؟ وقد يكون من البديهى فى هذه الحالة افتراض التزام كل هؤلاء المنتخبين (الرئيس وأعضاء المجلسين) بدستور لم يتم انتخابهم على أساسه مع صعوبات التوافق مع دستور قد لا يقبلون المبادئ التى يقوم عليها.4: وكان الأولى بأعضاء لجنة الدستور برئاسة المستشار طارق البشرى ألا يقتصروا على مطالب التعديل القديمة وعلى طلب الرئيس المخلوع تعديل مواد دستورية بعينها، وأن يبحثوا أولا وقبل كل شيء مسألة ما هو الخيار الأفضل لبلادنا: الجمهورية الرئاسية أم الجمهورية الپرلمانية. وهنا يكون من الطبيعى أن نتوقع من أنصار الجمهورية الرئاسية أن يبحثوا بالتفصيل مسألة إعادة النظر فى سلطات رئيس الجمهورية لإعداد دستور جديد يفصل بين السلطات ويوازن بينها ولا يعيد خلق ديكتاتوارات جدد وآلهة أخرى من بشر. كما يكون من الطبيعى فى هذه الحالة أن نتوقع من أنصار الجمهورية الپرلمانية أن يقترحوا دستورا من نوع مختلف تماما. وما كان ينبغى أن ينساق هؤلاء الفقهاء الدستوريون وراء مواصفات جمهورية رئاسية وفقا للتعليمات التى تلقوها، وإذا كان هذا صادرا عن إيمانهم الحصرى بالجمهورية الرئاسية فقد كان ينبغى أن يبحثوا كل أبعاد وجوانب مثل هذه الجمهورية وبالأخص مسألة السلطات، فضلا عن أنه كان الأولى بهم وبغيرهم أن يعكفوا منذ الآن على الأبحاث والدراسات اللازمة لإعداد الدستور الجديد الذى سيحلّ محل هذا القائم أو المعطَّل وفقا لقرارات المجلس الأعلى، وفتح باب المناقشة الواسعة حول دستور جديد بدلا من التورط فى إعداد مثل هذه التعديلات التى تنصب على نواح أقل شأنا بالمقارنة بمسألة السلطات وفصلها وتوازنها. 5: وانطلاقا من نظرات وتصورات رئاسية تتسابق شخصيات كبيرة كثيرة فى حياتنا السياسية على الهرولة إلى الترشيحات الرئاسية وكأن كل واحد منهم يريد أن يضيف إلى سيرته الذاتية والعائلية أنه صار فى فترة ما أو فترتين رئيسا لجمهورية مصر، وهم فى هذا يشبهون الأساتذة المستوزرين الذين تسلحوا بأوهام أنهم سينقذون البلاد فقبل منهم مَنْ قبل أن يكون نائبا لرئيس الوزراء وقبل منهم ثانٍ وثالث ورابع، إلخ.، أن يكون وزيرا، رغم احتمال أن تكون فترة هذه الحكومة قصيرة لأن الحكومة، باعتبارها مركزا من مراكز الثورة المضادة، تتعرض بصورة متواصلة لضغط الثورة فى سبيل الإطاحة بها، وقد تنجح فى ذلك. وكان الأولى بهؤلاء "المسترئسين" (على غرار المستوزرين) أن ينتظروا ليروا ماذا سيقول الدستور الجديد بشأن الاختيار بين الجمهورية الپرلمانية والجمهورية الرئاسية، وأن يتقدموا للانتخابات الپرلمانية أو الرئاسية إذا كان الدستور الجديد يتفق مع مبادئهم، وفى كل الأحوال بعد أن يسألوا أنفسهم أسئلة صعبة بشأن ماذا قدموا فى الحقيقة فى مناصبهم المصرية أو العربية أو الدولية وأن يجيبوا على هذه الأسئلة بأجوبة موضوعية بقدر الإمكان.6: وننتقل إلى استعراض بعض هذه التعديلات الدستورية المقترحة المتصلة برئاسة الجمهورية والإضافة الوحيدة إلى المادة 75 هى هذه العبارة "وألا يكون قد حمل أو أىّ من والديه جنسية دولة أخرى، وألا يكون متزوجا من غير مصرية"؟ ومن الجلى أن العبارة مضطربة: فما الرأى فيمن "حمل" ثم "تاب وأناب"، ولماذا لم يمتد الشرط إلى مَنْ تزوج فى الماضى أيضا؟ وما فائدة مثل هذه الاشتراطات التفصيلية بينما جاءت كل المصائب فى العالم العربى كله من حَمَلة الجنسية الوطنية وحدها ولم يتزوجوا "عربية" أو أجنبية؟ وتكتفى المادة 76 بتخفيف القيود الثقيلة السابقة. فلم يَعُدْ المطلوب "أن يؤيد المتقدم للترشيح مائتان وخمسون عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين بمجلسى الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، على ألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب، وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبى محلى للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل"، مع زيادة هذه الأعداد كلما زادت أعداد هذه المجالس، ومع مراعاة أنه "لا يجوز أن يكون التأييد لأكثر من مرشح". وفى التعديلات الجديدة يكفى "ثلاثون عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين بمجلسى الشعب والشورى، أو أن يحصل المرشح على تأييد ما لا يقل عن ثلاثين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى خمس عشرة محافظة على الأقل، بحيث لا يقل عدد المؤيدين فى أى من تلك المحافظات عن ألف مؤيد"، كما يحق وفقا لهذه التعديلات لكل حزب فاز عضو فيه بمقعد فى أحد المجلسين "فى آخر انتخابات أن يرشح أحد أعضائه لرئاسة الجمهورية". ولا شك فى أنه يوجد تخفيف واضح هنا. ذلك أنه يمكن ترشيح أو ترشُّح شخص استوفى الشروط: أ: فى حالة تأييد 30 عضوا فقط من المجلسين (بدلا من 65 عضوا من مجلس الشعب و 25 عضوا من مجلس الشورى)؛ أو ب: فى حالة تأييد 30000 مواطن على الأقل، من 15 محافظة على الأقل، مع اشتراط 1000 مؤيد على الأقل، من كل محافظة منها (بدلا من عشرة أعضاء من كل مجلس شعبى محلى للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل)؛ أو ج: تأييد حزب له مقعد فى آخر انتخابات إلى أحد المجلسين لترشيح أحد أعضائه للرئاسة (بدلا من تأييد حزب قائم منذ خمسة أعوام متصلة وحاصل على 3% من مجموع مقاعد المجلسين أو ما يساوى ذلك فى أحدهما لترشيح أحد أعضاء هيئته العليا تكون عضويته قد اتصلت على مدى سنة كاملة). غير أن عندنا شخصيات بارزة لها طموحات سياسية غير أنها لا تتمتع بعضوية أىّ حزب، وهنا قد يكون بحث الواحد منهم عن 30 عضوا من المجلسين، أو عن 30000 مواطن مع تقييد هذا العدد بقيود أخرى، شرطين قاسيين بالنسبة لشخصيات لم تعمل بالسياسة فى الأعوام الأخيرة فى مصر مع أنهم أفضل بما لا يقاس معرفة ونزاهة ممن أفسدوا الحياة السياسية فى مصر عندما تولوا أمرها طوال العقود الطويلة السابقة بفضل قدرتهم الجاهزة على استيفاء كل الشروط. وذلك مع توسيع اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات الرئاسية. وهناك بالطبع تقييد رئاسة الجمهورية بمدتين على الأكثر وتقييد كل مدة بأربع سنوات (بدلا من المدد المفتوحة العدد بست سنوات لكل مدة منها). وقد يكون كل تخفيف حسنا ولكنْ يمكن أن تكون هناك خيارات أفضل إنْ لم يكن فى هذا التخفيف أو ذاك ففى الإطار العام الأوسع أىْ إلغاء دستور 1971 الدائم وتعديلاته وإصدار دستور جديد.7: وتُلزم المادة 139 من التعديلات رئيس الجمهورية بأن "يُعيِّن" خلال ستين يوما، نائبا له أو أكثر، وللرئيس إعفاؤه وتعيين غيره. وقد يبدو هنا للوهلة الأولى أن هذه المادة تحقق مطلبا شعبيا يتعلق بوجود نائب للرئيس، ولكنْ كيف يكون هذا مكسبا إذا كان الرئيس المطلق السلطات هو الذى يُعيِّن ويُعفى؟ ولماذا لم تفكر اللجنة فى انتخاب نائب الرئيس فلا يُعيِّنه هذا أو يُعفيه؟ وليس هناك ما يبرر هذا التأليه لرئيس الجمهورية بتقديس سلطاته وعدم المساس بها.8: وهناك أيضا قانون الطوارئ. فهل جاءت التعديلات بجديد له مغزاه؟ لا أظن. لماذا؟ عندما نقرأ هذا التعديل (المادة 148) نجد أن الذى يعلن حالة الطوارئ هو أيضا رئيس الجمهورية "الغائب" فى الحالة المصرية الراهنة، فهو إذن غير قابل للتطبيق فى الوقت الحالى. وتوجب المادة الجديدة على الرئيس عرض إعلان حالة الطوارئ على مجلس الشعب خلال السبعة أيام التالية (لإعلانه). فإذا كان المجلس فى غير دورة الانعقاد وجبت دعوته للانعقاد خلال الأسبوع المشترط. أما إذا كان منحلا فيجب انتظار أول اجتماع للمجلس الجديد (بالطبع بعد انتخابه الذى قد تطول فترة إجراءاته)، مع اشتراط موافقة أغلبية هذا المجلس، مع تقييد مدة حالة الطوارئ بستة أشهر، ويُستفتى الشعب بعد ذلك فى حالة الحاجة إلى مدها. فالجديد يقتصر إذن على: أ: 7 أيام بدلا من 15 يوما فى الدستور المعطل، و ب: دعوة المجلس للانعقاد إذا تم إعلان حالة الطوارئ فى غير دورة الانعقاد (وهذا نص جديد تماما، والحق يقال)، و ج: تقييد حالة الطوارئ بما لا يتجاوز ستة أشهر (بدلا من الاكتفاء بالحديث عن "مدة محددة")، ولا يجوز مدها بعد ذلك إلا بعد استفتاء الشعب (بدلا من المد بموافقة مجلس الشعب). والبند الأول "أفضل" فى حد ذاته، والبند الثانى لا يضيف شيئا كبيرا لأن المجلس فى هذه الحالة فى إجازة وغير منحل، ولكنْ لا بأس! أما البند الثالث والأخير فيأتى بمدة ستة أشهر وهى مدة غير قصيرة ويقيد مد حالة الطوارئ باستفتاء الشعب وليس بموافقة مجلس الشعب، وتجربتنا مع الاستفتاءات وكذلك مع مجالس الشعب غير سارة وربما كان مجلسُ شعبٍ أفضل قليلا من مجلس 2005 أفضل من الاستفتاء، فكأنهم يقولون: سنذهب بالديمقراطية المباشرة إلى الشعب ذاته من خلال الاستفتاء بدلا من مجلس "يمثل" الشعب ليس إلا! وهذا تلبيس للحق بالباطل. والمهم أن "الشارع" الجديد ممثلا فى هؤلاء الفقهاء الدستوريِّين يتنازل عن كل شيء لرئيس الجمهورية غير متصورين وضعا يكون فيه رئيس الحكومة فى جمهورية پرلمانية صاحب سلطة فرض حالة الطوارئ. والأهم أن كل هذا لا يعنى شيئا فى غياب رئيس للجمهورية فى مصر فى "الفترة الانتقالية". وفوق كل شيء وقبل كل شيء يكتفى هؤلاء الفقهاء الدستوريون بالحديث عن الإعلان مع التجاهل التام لقانون الطوارئ ذاته. ولا مناص بالطبع من وجود قانون للطوارئ فى كل بلد، وكذلك لا مناص فى أحوال بعينها من إعلان حالة الطوارئ، بالتطبيق المباشر لهذا القانون فى كل البلاد أو فى بعض مناطقها. غير أن المشكلة تكمن من الناحية الأساسية فى طبيعة قانون الطوارئ. وقانون الطوارئ المعمول به حاليا موروث عن عهد عبد الناصر كما تم إعلان حالة الطوارئ على أساسه فى أواخر ذلك العهد وظلت هذه الحالة معلنة إلى الآن باستثناء ثمانية عشر شهرا فى أواخر عهد السادات إلى أن تم إعلانها من جديد فى أعقاب اغتياله. وتنص المادة الأولى من هذا القانون السيئ السمعة على ما يلى: "يجوز إعلان حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن أو النظام العام فى أراضى الجمهورية أو فى منطقة منها للخطر سواء كان ذلك بسبب وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات في الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء..."، و "يكون إعلان حالة الطوارئ وانتهاؤها بقرار من رئيس الجمهورية" (المادة 2)، وعلى أساس هذه العبارات الفضفاضة يمنح هذا القانون رئيس الجمهورية سلطات هائلة كفيلة بالعصف بكل الحريات والحقوق وإخضاع البلاد للحكم المطلق للرئيس والجيش والشرطة، إذْ "تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه" (المادة 3). ولا مجال هنا لاستعراض هذا القانون الخطير الذى ينبغى إلغاؤه من جهة وإلغاء إعلان حالة الطوارئ فى كل الأحوال لأننا لسنا حاليا فى حالة طوارئ حتى بحكم العبارات الفضفاضة، إلا بالتسليم بأن يقرر رئيس الجمهورية معنى "حدوث اضطرابات فى الداخل"، على سبيل المثال، على هواه: فما هى الاضطرابات: مظاهرات، اعتصامات، إضرابات لعمال أو عاملين، حملة ديمقراطية ساخنة، ثورة؟ وقس على هذا! وسوف تكون قراءة سريعة لقانون الطوارئ كافية لإدراك مدى فظاعته. ومتجاهلة فظاعات قانون الطوارئ فى مصر والخطورة الماثلة فى إعلان حالة الطوارئ تعكف لجنة الدستور الموقرة على بحث إجراءات الإعلان والإقرار، فيا له من إنجاز ينبغى أن ينأى عنه رجل القانون والدستور! والاستنتاج البسيط هو: لا للقانون الحالى للطوارئ، لا لحالة الطوارئ فى الوقت الحالى.9: أما إلغاء المادة 179 من الدستور وهى الخاصة ﺒ "مواجهة أخطار الإرهاب" والتى تجعل لرئيس الجمهورية "أن يحيل أية جريمة من جرائم الإرهاب إلى أية جهة قضاء"، مع قيود تتعلق بحريات وحقوق الإنسان وفقا للمواد 41 و 44 و 45 من الدستور، فإنه لا يضيف شيئا حقيقيا فى وجود قانون الطوارئ السيء السمعة وإعلان حالته. وجدير بالذكر أن هذه المادة لم تكن واردة فى دستور السادات، وإنما كانت من الإضافات المباركة لتعديلات عهد مبارك فى 2007.10: ونظرا لغموض انتخاب رئيس للجمهورية من حيث موعده، قد يتجه تفكير القائمين بالأمر فينا، ظنا منهم أن لهم الآن سلطات رئيس الجمهورية فى غيابه، إلى ناحية خطيرة تتمثل فى الرغبة فى الاستناد إلى بعض المواد الدستورية الجديدة (مثل إعلان أو إنهاء حالة الطوارئ أو إلغاء القانون الحالى للطوارئ وإصدار قانون جديد) لممارسة هذه السلطات فيما يتعلق بها، وذلك دون سند دستورى حقيقى. ويضاف إلى هذه الناحية الخطيرة نص المادة 189 على أن "لكل من رئيس الجمهورية، وبعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، ولنصف أعضاء مجلسى الشعب والشورى طلب إصدار دستور جديد، إلخ،.."، أىْ أن لرئيس الجمهورية بموافقة مجلس الوزراء طلب إصدار دستور جديد، وإذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يرى أن له سلطات رئيس الجمهورية فى غيابه على أساس التفويض الرئاسى عند الإقالة أو الاستقالة فى 11 فبراير 2011 فإن لنا أن نخشى أنْ يتسع مجال استخدام بعض هذه التعديلات، خاصة وأن التفويض المذكور لا يستند إلى أىّ أساس دستورى، كما أوضحنا فى مقال سابق بمناسبة حل مجلسى الشعب والشورى، حيث لا يجوز حلهما لمن ينوب عن الرئيس أو يقوم بعمله وفقا للدستور الدائم.11: وقبل أن نناقش التعديلات المتصلة بمجلسى الشعب والشورى وإصدار دستور جديد، نكتفى بتأكيد أن "إقرار" هذه التعديلات جميعا يمثل لغزا دستوريا حقيقيا: مجلس الشعب منحل فلا يمكن إذن قيامه بإقرارها، فلا يبقى إلا أن يمارس المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطة إقرار التعديلات الدستورية، متجاوزا حتى سلطات رئيس الجمهورية، حتى فى هذا الدستور المعيب. ولكن الاستفتاء هو الذى سيقوم بإقرارها ولكن ما السلطة التى ستطلب التعديلات فى غياب رئيس الجهورية ومجلس الشعب اللذين يحق لكل منهما ذلك (ثلث أعضاء مجلس الشعب فى حالة صدور طلب التعديل منه)؟ فإذا وافق على مبدأ التعديل ثلثا مجلس الشعب "عُرض على الشعب لاستفتائه فى شأنه". فلا يبقى إذن سوى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى لا مناص من أن يعتبر نفسه "مضطرا" إلى ممارسة سلطات تساوى أو تتجاوز سلطات الرئيس ومجلس الشعب فى غيابهما الذى قرره هو نفسه بالتنحية أو التنحى، الاستقالة أو الإقالة، أو حل المجلسين، تحت ضغط مطالب الثورة بطبيعة الحال.12: وفيما يتعلق بانتخاب مجلس الشعب، تحل المادة 88 فى التعديلات المتصلة به محل المادة 88 فى الدستور الدائم وفقا لتعديلات 2007. والجديد هنا هو الإشراف القضائى الكامل على الانتخاب و"الاستفتاء" (بدلا من مجرد وجود "أعضاء من هيئات قضائية وفقا لتعديلات 2007" فى اللجنة العليا للانتخابات، وتشكيل "اللجان العامة من أعضاء هيئات قضائية"). كما تأتى المادة 93 باختصاص "المحكمة الدستورية العليا بالفصل فى صحة العضوية أعضاء مجلس الشعب"، بدلا من اختصاص "المجلس بالفصل فى صحة عضوية أعضائه"، بعد أنْ كان فى الدستور الدائم "سيد قراره" كما ظل يردد رئيس مجلس الشعب على مدى عقود. وكل هذا جميل بقدر ما يتعلق الأمر بمجلس الشعب القادم وإن كان قاصرا على إجراءات وشروط انتخاب مجلس الشعب بعيدا عن قضية السلطات الرئاسية والتشريعية والقضائية والتنفيذية والتوازن السليم بينها. غير أن السؤال المهم يظل متعلقا بمدى دستورية طلب الاستفتاء على هاتين المادتين بدلا من تضمينهما أو تضمين ما هو أفضل منهما فى نص قانونى توافقى يستند إلى الشرعية الثورية. وهنا نأتى إلى المادة 189 المتعلقة بإصدار دستور جديد، بدلا من المادة 189 المتعلقة بتعديل "مادة أو أكثر من مواد الدستور" والتى لم تكن تنص على أىّ دستور جديد من أىّ نوع، مقابل أن التعديل المقترح الآن يخلو من أىّ نص على أىّ تعديل وكأن الدستور الجديد لن يكون من الجائز إدخال أىّ تعديل عليه. ويعطى هذا التعديل، إلى جانب رئيس الجمهورية، "لنصف أعضاء مجلسى الشعب والشورى طلب إصدار دستور جديد، وتتولى جمعية تأسيسية من مائة عضو، ينتخبهم أغلبية أعضاء المجلسين من غير المعيَّنين [فى مجلس الشورى] فى اجتماع مشترك، إعداد مشروع الدستور فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض رئيس الجمهورية المشروع، خلال خمسة عشر يوما من إعداده، على الشعب لاستفتائه فى شأنه". ويقوم أعضاء مجلس الشورى المنتخبون دون المعيَّنين بالمشاركة فى هذه الأعمال، على أن يتم استكماله بالتعيين فيما بعد (وهنا يجرى الاحتفاظ بمجلس الشورى، هذا الاختراع الساداتى، الذى لا معنى له لأنه لا يتمتع فى الدستور بسلطات حقيقية تبرر وجوده ذاته، كما يجرى الاحتفاظ بمبدأ تعيين ثلث أعضائه). وبالطبع فإن طبيعة لجنة المائة سوف تنبع من طبيعة مجلس الشعب الذى سيجرى انتخابه بكل هذه "الكروتة" التى تهدف إلى الحيلولة دون أن يعكس المجلس نضجا سياسيا محتملا فى فترة أطول فى حالة عدم الهرولة. وبعد كل هذا يأتى دور رئيس الجمهورية إذْ "يتولى رئيس الجمهورية، فور انتخابه، استكمال تشكيل المجلس بتعيين ثلث أعضائه". فما هو موعد انتخاب رئيس الجمهورية، وفى غياب أىّ إشارة إلى هذا الموعد يتعين علينا أن نحاول التكهن. والإجراء المزمع بأقصى سرعة فيما يبدو هو الاستفتاء على هذه التعديلات، وفى حالة الموافقة عليها سيكون الباب مفتوحا أمام انتخاب الرئيس وانتخاب مجلسى الشعب والشورى. وإذا كان انتخاب الرئيس سوف يسبق انتخاب المجلسين، فلماذا لا يستكمل على الفور تشكيل مجلس الشورى عن طريق "تعيين" الثلث المكمل لأعضائه؟ وهل يعنى هذا أن الرئيس لن يُنتخب إلا بعد انتخاب مجلس الشعب وثلثى مجلس الشورى؟ 13: غير أن من الضرورى على كل حال القيام بمجموعة من الإجراءات على أساس مجموعة من المبادئ فى سبيل إقامة جمهورية پرلمانية أو رئاسية. فكيف يكون ذلك؟ هناك إجابتان: إجابة إيجاد پرلمان يضع دستورا جديدا يتم على أساسه قيام هذا النوع أو ذاك من النظام الجمهورى ويكون هذا بالاستناد إلى الشرعية الدستورية فى شكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو الذى سيطلب إقرار هذه التعديلات لانتخاب مجلسى الشعب والشورى. والإجابة الثانية هى الشرعية الثورية، وهى شرعية ثورية "توافقية" من المدنيِّين الذين يمثلون قوى الثورة، ومن حقها وحدها، بعيدا عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قيادة الأمر الواقع للفترة الانتقالية الحالية، مستعينة بحكومة جديدة شكلا وموضوعا كما يقال، فى سبيل إقامة نظام ديمقراطى، پرلمانى أو رئاسى. ويمكن لهذه القيادة الثورية التوافقية إصدار نص قانونى مؤقت يركز فقط على انتخاب پرلمان يقوم بإجراءات إصدار دستور جديد، ويدير أوسع مناقشة شعبية حول الدستور الديمقراطى المنتظر قبل طرحه للإقرار بالطريقة التى يحددها النص المذكور، وإعادة تنظيم جمهوريتنا الپرلمانية أو الرئاسية العتيدة. ويبدو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يريد إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى أسرع وقت (فى 19 مارس، إذا استقرت الأوضاع، كما نُسب إلى مصدر عسكرى أمس)، وكأن السرعة هنا إثبات لحسن النية والجدية، فى الوقت الذى تعنى السرعة فى الحقيقة "كروتة" حقيقية، حيث سيجرى الاستفتاء قبل أىّ مناقشة شعبية جدية للتعديلات، كما ستجرى الانتخابات النيابية قبل أن تتبلور وتنضج، حتى قليلا، أحزاب وحركات ومنظمات سياسية، فى بلد شهد مصادرة الحياة السياسية على مدى قرابة ستين سنة، وهذا لا يعنى سوى إجهاض الثورة وتفريغها من محتواها الحقيقى المتمثل فى إقامة نظام ديمقراطى وحياة كريمة تليق بالبشر.14: والاستنتاج الطبيعى من كل ما سبق هو اعتبار كل التعديلات الدستورية المقترحة غير دستورية بالمعنى الصحيح فى مجملها، وبالتالى: التصويت بلا فى الاستفتاء المزمع إجراؤه، فى حالة عدم القدرة على إلغائه بكل إجراءاته.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل