المحتوى الرئيسى

كهنة آمون.. متى يعتذرون؟!

03/03 11:05

بقلم: د. حلمي محمد القاعودكهنة آمون هم ألسنة الباطل التي تزين للفرعون كل أكاذيبه ونزواته، وتضفي عليه قداسةً لا يستحقها، وهم دائمًا في خدمة الفرعون، بدعوة ومن غير دعوة، لا يعنيهم من يكون الفرعون، ولا يهمُّهم سلوكه تجاه الشعب، المهم أن يكونوا في الخدمة، وأن تصل إليهم الخيرات والعطايا؛ ليطعموا ويسمنوا ويمرحوا، ويرفعوا أيديهم بالدعاء للفرعون الإله!. كهنة فرعون لا يحتاجون إلى منهج خلقي أو ضمير ديني، أو حياء سلوكي؛ فهم يملكون منطقًا جدليًّا، يستطيع أن يقلب الحق باطلاً، والباطل حقًّا، وإذا أضفنا إلى ذلك ملكيتهم لصفاقة الوجه وسلاطة اللسان، فتأكد أنهم سيقولون لك إنهم على صواب، وغيرهم على خطأ، ولا يجدون في ذلك غضاضة!. لقد ظل هؤلاء الكهنة- وكثير منهم يعملون داخل الحظيرة الثقافية التي أنشأها الوزير الفاسد، أو الإمبراطورية الإعلامية التي صنعها الرائد موافي، ونمَّاها مندوب المبيعات، أو الصحف الحكومية التي سيطر عليها المنافقون الأفاقون- يشيدون بالفرعون وأذنابه، وهامان وجنوده، وحين يصرخ الناس من القهر والفقر والظلم والرعب الذي تصنعه أجهزة القمع، يحدثوننا عن المشككين، والقلة المندسَّة، والمتطرفين والإرهابيين والظلاميين والأصوليين والأمن العام والأمن الزراعي والأمن الثقافي، وصارت فزَّاعة "الأمن" تملأ أفق الحياة في مصر إذا أراد أحد أن يواجه الطغيان، أو يقف ضد طوفان الأكاذيب والتضليل، ثم يركِّز الكهنة على هجاء الإسلام وتشويهه، ووصمه بأقبح صفات عرفتها البشرية، مثل الظلام والإرهاب والتخلُّف؛ استجابةً لما يريده الفرعون. فجأةً ينقلب كهنة آمون بعد سقوط الفرعون، وهامان وجنوده، ويتحوَّلون بسرعة البرق إلى ثوريين ومناضلين، وقادة للإصلاح، ويبحث بعضهم في أرشيفه النفاقي السلولي عن كلمة نقد باهتة لخفير مزلقان، أو جملة احتجاج على تأخير قطار، أو فقرة تضامن مع بعض العمال الذين تمَّ تحويلهم إلى المعاش المبكر؛ ليثبت أنه عارض الفرعون في أثناء حكمه، وأنه سبق أن حذر من الفساد والعناد، وأنه كان يتوقع مصيره الذي انتهى إليه، إلى غير ذلك من ادِّعاءات نفاقية سلولية، يدحضها ذلك الحجم الكبير الضخم من الثروات الحرام التي اغترفوها من أموال الشعب البائس الفقير؛ مقابل مدائحهم غير العصماء التي أنشدوها على مسامع الفرعون وأتباعه، ومقالاتهم الألحفة التي دبجوها على صفحات الصحف الكاذبة، أو في برامجهم السطحية على شاشات التلفزة الرائدة في التدليس والتضليل!. تحت ضغط الشرفاء من الكتاب والصحفيين، اضطرت إحدى الصحف الكبرى إلى أن تعترف بهذا النفاق السلولي، وأن تعتذر للشعب المصري عما اقترفته من تزييف للحقائق، ومن التغطيات الكاذبة لما يجري على أرض الوطن المستباح. ولم تجد الجريدة الكبرى حرجًا في أن تعزو أخطاءها وخطاياها إلى لحظات التحول المهمة في تاريخ الشعوب التي تجعل بعض الناس يفقد اتزانه‏، وأحيانًا أخرى يفقد الرؤية والبصيرة‏، مع أنها تعرف أن الحلال بيِّن والحرام بيِّن، ثم تستدرك شيئًا من مكابرتها حين تعترف أنها عندما اندلعت ثورة شباب ‏25‏ يناير لم تتمكن في لحظات التحول الأولى من فهم رسالة التغيير الهادرة!. إن جريمة التزييف والتضليل والتدليس والكذب على الله والناس ليست مرتبطة بثورة 25 يناير، ولكنها مرتبطة بثلاثين عامًا خلت من الاستبداد والإجرام والاستكبار، كان فيها كهنة آمون بالجريدة المذكورة، يقلبون الحق باطلاً والباطل حقًّا، وكانوا يفترون على الله والناس، ويتنافسون في الهجوم على الإسلام وأهله، وتشويه الشرفاء والأطهار، وأرشيفهم لا يكذب!. محاولات التبرير أو التسويغ للمواقف النفاقية السلولية لم تكن مقنعةً لمن لديه ذرة عقل، فهم مثلاً يقولون: إن جميع الكيانات الكبرى المستقرة في مصر يحدث فيها صراع في الرؤى، وخلاف أشدّ بشأن السبيل الأمثل لمعالجة لحظة فريدة نادرة في تاريخ الأمة المصرية‏، وهذا الكلام يمكن أن يكون صحيحًا لو أن المسالة تتعلق بالتفسير والتحليل، أما نقل الأخبار الذي يقتضي الصدق والدقة والأمانة، فالمسألة مختلفة، ولا تتعلق بصراع أو خلاف في الرؤى والتصورات، ولكنها محاولات التدليس على القارئ الذي كان ينتظر اعتذارًا عن جرائم حقيقية ارتُكبت ضد الشعب المصري على مدى ثلاثين عامًا لحساب الفرعون وهامان وجنودهما، ومن ثم فإن الحديث عن صراع يتجاوز الاستقرار والتغيير ‏إلى صراع أشد بشأن رؤية عصرية تنتمي إلى الزمن الجديد، وأخرى كانت تتمسك بعصر يمضي ونظام يتحلل وبناء يسقط‏؛ هو حديث بائس لا يقنع أحدًا، وإن جميع الناس يعلمون أن المسألة ليس فيها صراع بقدر ما كانت ولاءً لنظام بائد كان يمنح عطاياه لمن يعبده، ويبرِّر جرائمه واستبداده وتخلُّفه وخدمته للعدو الصهيوني الاستعماري وارتماءه في أحضان الولايات المتحدة مصاصة دماء الشعوب والبشر. وإذا كانت الجريدة الكبرى تزعم أنها بفعل ثورة الشباب والتحام الشعب بها من الخارج وضغوط القوى الحية داخلها تمكَّنت من أن تعود إلى مالكها الحقيقي، وهو الشعب المصري، وأنها تتقدم باعتذار واجب إلى الشعب المصري الأصيل عن كل انحياز للنظام الفاسد، وتتعهد بأن تنحاز دومًا إلى مطالبه المشروعة، وأن تظل ضمير الأمة، كما تسجل اعتزازها بكل الدماء الطاهرة التي قهرت قوى التخلف والقهر‏، وترجو أن تصفح عنها أسر الشهداء الذين قدموا حياتهم حتى يعيش هذا الوطن مرفوع الرأس موفور الكرامة؛ فإن هذا الزعم أو ذلك الاعتذار المختلط برجاء الصفح، قد سقط على مذبح المنهج التحريضي الرخيص الذي ما زال يستخدم التيار الإسلامي فزاعةً يخيف بها الأمة، ويغازل النظام البائد، وسادته في الغرب الاستعماري، واستكتاب المنافقين الأفاقين الكذبة، الذين يلعنون الإسلام صباح مساء تحت مسميات التنوير والحداثة والتقدم، ورفض الظلامية والتطرف والإرهاب!. إن كهنة آمون حين يأخذون من بعض الحوادث المختلقة التي قيل إنها جرت في ميدان التحرير ذريعةً لاستعادة الاستبداد ومنهجه الدموي ضد الشعب، ثم ينطلقون من هذه الحوادث غير الصحيحة، ويطوِّعونها لرؤيتهم الإقصائية؛ فإن اعتذارهم يبدو كلامًا فارغًا، ورجاءهم في الصفح يبدو حيلةً باليةً ليواصلوا وجودهم النفاقي السلولي الذي يبرزهم كأنهم ما زالوا يعملون مخبرين في النظام. إن التركيز على دور الإسلاميين في الثورة، والتقليل منه، واتهامهم أنهم يريدون خطفها أو سرقتها أو نشلها أو الاستيلاء عليها، حسب وصف مخبر يتعاطى الكتابة الحرام، والإلحاح على صلاة الجمعة التي يعدها الكتاب المخبرون شيئًا مرعبًا وطقسًا اجتماعيًّا، وخطبة الشيخ الجليل يوسف القرضاوي، واتهامه أنه نحَّى عن المنصة في الميدان شابًّا من شباب "الفيس بوك"، وأن المنصة كانت محل تنازع بين الإخوان والسلفيين، مع اتهام الكتاب المتحوِّلين ذوي الأصول اليسارية بأنهم "تأخونوا"؛ أي انتموا إلى الإخوان المسلمين(!!) وغير ذلك من ترهات؛ فيه ما يدل على كراهية سوداء يكنُّها كهنة آمون في أعماقهم للإسلام والمسلمين وليس لهذه الجماعة أو تلك، مع استمرار خدمتهم للنظام السابق الذي كان يتيح لهم الاغتراف من مال الشعب البائس التعيس بغير حق، وهم غير المؤهلين علميًّا وأدبيًّا وثقافيًّا للمناصب والأماكن التي احتلوها في ظل النظام الهالك. ما الذي يزعج الكهنة من صلاة القرضاوي في ميدان الشهداء؟ وهل هذا العالم الجليل الذي تصدَّى للطغيان منذ شبابه، وحمل مصر بين جنباته، وهو يدعو إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان عبر "الجزيرة" يشدُّ أزر الشعب المصري في أثناء الثورة، ويعزِّز صموده ضد النظام الظالم؛ يستحق من كهنة الحظيرة هذا الهجوم الرخيص والادِّعاء بالباطل أنه أنزل شابًّا من المنصة، مع ثبوت فرية هذه الحكاية من بدايتها، ونفي الشيخ لها؟! إن الكهنة المخبرين، وخاصةً مرتزقتهم، يريدون للأمة أن تتخلَّى عن إسلامها، وتتحوَّل إلى تابع ذليل للغرب بلا هوية ولا قيمة ولا كرامة ولا استقلال، وفي الوقت نفسه يحلبون خيراتها لحسابهم وحساب سادتهم، وقل لي بالله عليك: ما معنى أن يتكتَّل الكهنة حول المادة الثانية للدستور من أجل إلغائها وفقًا لما يريده قادة التمرد في الكنيسة المصرية؛ لدرجة مهاجمة المستشار الفاضل طارق البشري، رئيس لجنة تعديل الدستور، ومعايرته أنه كان شيوعيًّا قبل خمسين عامًا، مع ترك كل القضايا التي قامت الثورة لمواجهتها من فساد ورشوة ومحسوبية، وقتل للأبرياء وتعذيبهم، وحرمان الوطن من الحرية والكرامة؟ إلى هذا الحد يا كهنة آمون تكرهون الإسلام؟ متى تعتذرون للأمة اعتذارًا حقيقيًّا؟! إن مصيركم هو مصير آمون، وفرعون آمون، وهامان آمون، إن شاء الله تعالى!.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل