انتباهحاگموا »أس البلاء«
لا يستطيع الانسان ان ينجح في القبض علي الحقيقة، إلا إذا وضع يده علي جوهر القضية أو المشكلة التي عليه أن يواجهها، بهدف تجاوزها أو عدم الوقوع في حبائلها مرة أخري.لاشك ان ثورة ٥٢ يناير كشفت حجما من الفساد يفوق تصور أكثر الروائيين خيالاً، لكن التركيز يتواصل حول الوجه الاقتصادي والمالي لهذا الفساد، واظن ان ذلك يبعدنا عن جوهر المسألة التي نحن بصددها، بعد ان عانينا عقودا من الاثار المدمرة للفساد في تجلياته الاقتصادية، حتي تحول إلي كونه الأصل، وما عداه فروع سهلة الكسر، فمن يصمد أمام هذا الطوفان الجارف من فساد يطاول اعتي الجبال حتي يهزمها، فما بالنا بالشريف الذي يلتزم الاصول والقواعد والمعايير، ويعاني من وخز الضمير، ولا يقبل ما يأباه من يتمسك بلا خلاف فاذا به يقبض علي الجمر!حجر الزاوية فيما حدث، ليس تقصير الجهات الرقابية - رغم تعددها - ولم يكن الامر متعلقا بتعتيم اعلامي، فهناك صحف مستقلة وأخري معارضة جفت اقلام كتابها، وبعضهم كان مداد اقلامه من دمه، كما ان المسألة لم تكن مرهونة بقضية أمنية وحشية فثمة رجال ونساء وشباب لم يبخلوا بأحلي سنوات العمر فقضوها في السجون، بل ان بعضهم دفع حياته رخيصة في مواجهة من لا يرحم ولا يخشي الله! قد يكون لكل ذلك اثره الذي يصعب إنكاره، لكن العقدة الرئيسية في التراجيديا التي عاشتها مصر وعاني خلالها المصريون كل الويلات حتي فقدوا الامل والقدرة علي الحلم، كانت تتمثل في غياب السياسة، ويرتبط بهذا الغياب الجهود الحثيثة والدؤوبة لافساد الحياة السياسية حتي النخاع.جوهر القضية التي جعلت ثلاثة عقود تضيع من حياة مصر، تم خلالها تجريف كل شيء من الارض الخصبة إلي الصناعة الوطنية، ومن الاخلاق الي الضمير، ومن الطاقات البشرية الي الميراث الاثري و...و....عملية التجريف تلك لم تكن لتتم لو لم ينجح الذين خطفوا مصر في وأد كل ما هو سياسي بالتغييب او الافساد!البرلمان يطبل ويزمر ولا يحاسب الحزب الحاكم، تحالف مافياوي بين رجال عمال وبيروقراطية وجهاز أمن القاسم المشترك بينهم الفساد والنهم والجشع والظلم، الاحزاب المعارضة ديكور، المجتمع المدني يحاول ان يكون جزءا من اللعبة بالقوانين التي حددها الفاسدون المفسدون و....و.... ومن يقاوم فإن عليه ان يدفع الثمن ومن يرضخ فلا بأس بالقاء بعض الفتات له أسفل قدميه!!غابت السياسة وما تبقي من هياكل فارغة تم افساده وتسميمه!حرية الرأي والتعبير تحولت إلي مجرد »هوهوة« وحرية التنظيم باتت مهزلة في ظل ما يسمي بلجنة الاحزاب وقانونها الذي حاكه الترزية، حتي النقابات حاصروها، وكل المناصب بالتعيين من عمدة القرية الي عميد الكلية، ولم تنج انتخابات الاتحادات والروابط من التزوير، اما حق التجمع السلمي فكان مستهدفا بالقمع والاستخدام المفرط للقوة، فانتهي الحال الي غياب مشاركة المواطنين في الشئون العامة، وخلا الجو للقائمين علي افساد الحياة السياسية وتوالت الكوارث علي الوطن.اذا كان لمصر ان تشهد عهدا جديدا، ونظاما مغايرا لذلك الذي جثم علي صدرها طويلا، فالبداية بمحاكمة من افسدوا الحياة السياسية لانهم بمنتهي البساطة »أس البلاء«.
Comments