المحتوى الرئيسى

كما أصبحنا يجب أنْ يُولَّى علينا!بقلم: جواد البشيتي

03/02 13:51

كما أصبحنا يجب أنْ يُولَّى علينا! جواد البشيتي الثورة في ليبيا ضدَّ الطاغية المجنون معمَّر القذَّافي فَرَض عليها هذا الطاغية بما استعمله ضدَّها من أساليب قمع وحشية غير مألوفة أن تصبح مختلفة كثيراً عن الثورتين التونسية والمصرية؛ وهي الآن تمثِّل التجاوز والتخطِّي لهاتين الثورتين، وإنْ احتفظت بكثير من السمات والخصائص التي تجعلها امتداداً لهما في الوقت عينه. لقد بدأت سلمية، وأراد لها الثوَّار أنْ تظل سلمية؛ لكن الدكتاتور (وأبناءه وبعض أقربائه) المتحصِّن في حصنه الأخير في باب العزيزية (في العاصمة طرابلس) لم يجد لديه من رادع يردعه عن إغراقها في بحر من الدماء؛ وهذا إنَّما يؤكِّد أنَّ الثورة الشعبية (الديمقراطية) في أيِّ بلد عربي (وفي مصر وتونس على وجه الخصوص) لا تستطيع، وإنْ أرادت ذلك، ورغبت فيه، الاحتفاظ بطابعها السلمي والمدني إذا ما اختار نظام الحكم الذي تَسْتَهْدِف تغييره، أو إطاحته، اللجوء إلى مواجهتها بالحديد والنار. ولعلَّ خير دليل على أنَّ أنظمة الحكم العربية فاقدةً الشرعية الشعبية في حكمها لشعوبها، مغتصِبةً السلطة اغتصاباً من أصحابها الشرعيين، أي مِمَّن يحق لهم امتلاكها، وهُمْ الشعب، وعلى أنَّها تحتفظ بهذه السلطة بالقمع والإرهاب تمارسِهما أجهزة وقوى، بعضها لا يختلف كثيراً عن "الكتائب الأمنية" للقذافي، هو أنَّها عُرْضَة للسقوط والانهيار في ساعات معدودة إذا ما اختارت أو قرَّرت (على ما ينطوي عليه هذا القول، أو الافتراض، من وهم) أنْ تَتْرُك شعوبها الثائرة والخارجة عليها تمضي قُدُماً في انتفاضاتها السلمية المدنية، فلا تُشْهِر السيف عليها، وتعيده إلى غمده إنْ شهرته. ولو كان لأنظمة الحكم العربية "شعوب" تقف معها، وتؤيِّدها، ضدَّ شعوبها الثائرة عليها، وعلى ما تَزْعُم إعلامياً، لاكتفت هذه الأنظمة باستعمال سلاح "مظاهرة ضدَّ مظاهرة"، و"مسيرة ضد مسيرة"، ولأحجمت عن استخدام الأسلحة النارية، والذخيرة الحية. وأنظمة الحكم العربية، التي مُذْ جاءت إلى الحكم وهي تقطر دماً من رؤوسها حتى أخماص أقدامها، لن تصمد طويلاً أمام انتفاضات وثورات شعوبها السلمية المدنية إنْ هي التزمت، أو أُلْزِمت، في مواجهتها ومقاومتها والتصدِّي لها، باتِّباع الوسائل والأساليب والطرائق المشروعة دولياً، بحسب قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1970؛ فهذا القرار رسم ما يشبه "خريطة طريق" لهذه الأنظمة في صراعها من أجل البقاء، مبيِّناً لها الوسائل والأساليب والطرائق التي ينبغي لها عدم استعمالها واللجوء إليها من وجهة نظر الشرعية الدولية، وإذا ما أراد الحاكم العربي، وزمرته، أنْ يقي نفسه شرَّ المصير الذي لقيه القذَّافي. لقد عَرَفْنا، في عالمنا العربي، "الدولة" المنفصلة تماماً عن الشعب والمجتمع؛ عَرَفْناها أجهزة ومنظَّمات عسكرية وأمنية لا وظيفة تؤدِّيها دائماً، وعلى خير وجه، سوى إخضاع، وإعادة إخضاع، الشعب لمشيئة الحاكم (وزمرته) الذي هو في صراع دائم، يومي، وعلى مدار الساعة، من أجل البقاء في الحكم، ولو كان الثمن زوال الشعب، بالمعنى السياسي والديمقراطي العالمي للشعوب. وها نحن نَعْرِف الآن، ومن خلال تجربة الصراع الذي خاضته وتخوضه أنظمة الحكم العربية ضد شعوبها الثائرة عليها، وفي تونس ومصر وليبيا على وجه الخصوص، الأجهزة والمنظَّمات الأمنية المنفصلة حتى عن "الدولة"، والتي لا تتورَّع حتى عن الاستعانة بعصابات المجرمين و"البلطجية"، وبالمرتزقة الأجانب، في قمع وإرهاب وترويع شعوبها، التي ما عاد في مقدور أحد أنْ يُقْنِعها الآن، أو من الآن وصاعداً، بجدوى انتظار الإصلاح السياسي والديمقراطي، فهذه أنظمة حكم ثَبُت بالدليل القاطع أنَّها معادية تماماً لشعوبها ومجتمعاتها، لا يمكن إصلاحها، ولا يمكن، من ثمَّ، أنْ تكون صادقة وجادة في مزاعمها الإصلاحية. أُنْظُروا إليهم الآن كيف يحاولون الاحتفاظ باغتصابهم للسلطة، والإبقاء على شعوبهم كأغنام في حظائرهم. إنَّهم لا يتورَّعون عن استعمال كل وسيلة أو طريقة يمكن أنْ تفيدهم، على ما يتوقَّعون، أو يتوهَّمون، في تفتيت وحدة الشعب، أو في منع الشعب من الاتِّحاد ضدَّهم؛ فالحاكم الفَرْد يعي جيِّداً أنْ لا بقاء له إلاَّ إذا بقي الشعب أفراداً، كل فرد يقول في نفسه "اللَّهم نفسي". إنَّ سياسة "فَرِّق تَسُد" هي السياسة الحقيقية المعمول بها من جانب الحاكم العربي، الذي، ومن خلال المتوفِّرين على خدمته من أشباه "أهل الفكر والقلم"، يسعى في أنْ ينفث في روع أبناء شعبه فكرة أنَّ بقاءهم من بقائه، فإنْ هو ذهب ذهبوا، وكأنَّه الحارس الإلهي لوحدة شعبه، وصمَّام أمانها؛ وعلى شعبه أن يستخذي لمشيئته، ويمتثل لأوامره، إذا ما أراد أن يقي نفسه شرَّ اقتتال أبدي؛ ألَمْ يُخيِّر الدكتاتور مبارك شعبه قائلاً: إمَّا إنا وإمَّا الفوضى (التي أمْرها لو تعلمون عظيم). وإنَّهم، لآفاقهم الضيِّقة ضيق مصالحهم، لا يَلْعَنون، وإنَّما يمجِّدون، "الراشي والمرتشي والرائش"؛ فها هم، في لحظة هلع وفزع، يحلُّون أكياس أموالهم القارونية، لينفقوها في تأليف قلوب شعوبهم؛ وكأنَّ شعوبنا التي ثارت على نفسها قبل ومن أجل أنْ تثور عليهم يمكن أنْ تُرشْى الآن بثلاثين من الفضة؛ وكأنَّهم في إصرار غبي على إنكار حقيقة تفقأ العيون هي أنَّ شعوبنا الجديدة تريد العيش في كرامة، أي في دولة ديمقراطية مدنية حديثة تليق بإنسان القرن الحادي والعشرين. أعيدوا أموالكم (إنْ كانت لكم حقَّاً) إلى أكياسكم؛ فإذا أصررتم على رشوة شعوبكم فإنِّي أدلكم على خير رشوة، وعلى رشوة تنجيكم من عذاب أليم، ألا وهي "البرلمان"، فارشوا شعبكم ببرلمان لا بفُتات موائدكم، فإنَّ "البرلمان" خير وأبقى حتى من "مجالس الشورى" التي لم تستحدثوها إلاَّ للاحتيال على حقَّ الشعب في أنْ يكون له ممثِّلوه (السياسيون) الحقيقيون المنتخَبون بحرية. حقَّاً جاء الحقُّ وزهق الباطل؛ وسبحان من ألهم نفوسكم فجورها وتقواها. سبحان من جَعَلَكم تكتشفون الفقر والفقراء، ونار الغلاء، وسوء خدمات الكهرباء والماء..، والبطالة المستفحلة؛ وكأنَّكم أيُّها المكتشفون لم تكونوا المخترعين لكل تلك المصائب والكوارث! لقد امتزجتم برجال الأعمال من الليبراليين الجدد حتى أصبح من الصعوبة بمكان تمييزكم منهم، وتمييزهم منكم، متَّخِذين "الخصخصة" أداةً للسرقة والنهب للمال العام، ولكل ما تعود ملكيته القانونية إلى الشعب والأمة. كنتم تديرون (ليس إلاَّ) منشآت ومؤسَّسات تعود ملكيتها القانونية إلى الشعب، فَخُنْتُم هذا المالك، وغدرتم به، إذ عثتم فساداً في تلك المنشآت والمؤسَّسات، وأمعنتم في تخريبها وإضعافها، توصُّلاً إلى بيعها (حتى لمستثمرين أجانب) بثمن بخس؛ فأين ذهبتم بهذا الثمن؟ لقد ذهبتم به إلى المصارف السويسرية، وغيرها، لتضعوه في أرصدتكم المالية الشخصية والعائلية؛ فامتلكتم ثروات طائلة من استجماع كل هذه الأثمان الزهيدة؛ ولو كنتم أقل خسة لأعدتم تلك الأموال إلى مالكها القانوني الشرعي. إنَّكم أبيتم إلاَّ أنْ تضيفوا إلى اغتصابكم السلطة اغتصاباً للمال العام. حتى في رُبْعِ الساعة الأخير من صراعكم من أجل البقاء، وحيث تُخْتَبَر على خير وجه قواكم الذهنية والعقلية، لا تتكلَّموا، ولا تعملوا، إلاَّ بما يقيم الدليل على أنَّكم أناس ينقصهم الذكاء؛ فأنتم تقبلون الآن ما رفضتموه زمناً طويلاً، وتُلبُّون للشعب مطالب تقادم عهدها، وكأنَّ "الحكمة" التي تتحلُّون بها هي فِعْلُ الصواب بعد فوت أوانه! سياستكم (التي تدل عليكم وتشبهكم) إنَّما هي "الإنكار، ثمَّ الإنكار، ثمَّ الإنكار"؛ فإذا قرَّرتم الاعتراف والإقرار فإنَّكم لا تعترفون ولا تُقرُّون إلاَّ كاعتراف وإقرار أهل الميِّت بموته بعد (وليس قبل) دفنه. كل العالم يَعْرِف أنَّ القذَّافي المتواري والمحتمي في جُحْر باب العزيزية (والذي هو رمز الحُكَّام العرب في إنكار أنَّ 1 + 1 = 2) قد أوشك أنْ يَفْقِد ليبيا كلها، أرضاً وشعباً؛ ومع ذلك ظلَّ مُنْكِراً، ومُصِرَّاً على أنْ لا مكروه قد أصابه، وعلى أنَّ شعب ليبيا كله (باستثناء ثمانية ملايين من الليبيين غير الحقيقيين والذين لا يفقهون) مستعد للموت من أجله! لقد نَظَرْتُ في شعوبنا، وانتفاضاتها وثوراتها، ومطالبها وشعاراتها، وأساليبها ووسائلها في الصراع؛ ونَظَرْتُ إلى حُكَّامنا في خواصهم الشخصية والسلوكية، وفي خطاباتهم، وأساليبهم ووسائلهم في الصراع، فلم أجِد إلاَّ التشابه والتماثُل؛ ومع ذلك سمعناهم، في إنكارهم، يقولون إنَّ مصر ليست تونس، وإنَّ ليبيا ليست تونس أو مصر، وإنَّ اليمن ليس تونس أو مصر أو ليبيا، وإنَّ.. هناك من يؤمِن بالقول "كما تكونوا يُولَّى عليكم"؛ وهناك من يَعْتَرِض قائلاً بقول جمال الدين الأفغاني "وكما يُولَّى عليكم تكونوا"؛ أمَّا الآن فلا يصح إلاَّ القول "كما أصبحنا يمكن ويجب أنْ يُولَّى علينا".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل