المحتوى الرئيسى

شريف الغريني : لويس لن يعود أبدا

03/02 13:15

الثورة دائماً تحدث  عندما تصل درجة حرارة الشعوب لمستوى الغليان وهو المستوى الذي تتساوى فيه مخاطر الحياة في النظام القديم مع مخاطر مقاومته مهما كانت درجة القمع المتوقعة ..والثورات لا تهب هكذا  من أجل الديمقراطية ولا الحرية فالثورة تقوم لرفع الجَوْر والظلم ولتقليل العبء عن الكواهل  وللبحث عن لقمة العيش ولتعزيز الأمل وتكريم النفس  بالمحافظة على كرامتها و أيضاً للبحث عن أمان الحاضر والغد  و الثورات في سبيل ذلك تجد نفسها مضطرة للبحث عن  الوسيلة التي تحافظ على ديمومة توافر هذه المطالب فلا تجد وسائل أفضل من  الحرية و العدالة  لتحقيق  هذه المطالب الآن وغداً ، الواقع التاريخي  يؤكد أن الثورات ونوعها مرتبط بالموقع والتاريخ  والديموغرافيا إضافة إلى المستوى الحضاري للشعوب .. فثورات أوربا وعلى رأسها الثورة الفرنسية  بدأت كثورة جياع وحفاة كانوا على استعداد لعمل أي شيء فقط للتشفي في نبلاء عصرهم الفاسدين بمجون و الساديين بقسوة ، لم يكن مطلب الثوار وقتها واضحاً و لم تكن تصدر منهم إلا صيحات الغضب ونداءات الانتقام ولم يكن هناك مطلب أعلى من القصاص عادلاً كان أم غير عادل  وعندما تصدت لهم معاقل الملكية وسالت الدماء الغزيرة أصبح رتق الجرح الاجتماعي هدفاً وأصبح الاستقرار مطلباً   ورغم ذلك عندما كان كل فرنسي يعود إلى بيته الفقير مكتشفاً  أن بيته خال من الطحين والسمن لم يكن يشعر بالغضب  فالبؤس لم يفارق بيته حتى عندما كانت الأوضاع تبدو مستقرة أيام الملك ولكنه في بؤسه الجديد شعر بدفء وعافية  الحرية التي جعلته يهب واقفاً ينادى بالعدل والإخاء والمساواة  , لقد أصبح الفرنسي حراً في اليوم الذي هب فيه تاركا الخوف تحت أوحال الطريق تدوسه سنابك الخيل والبغال التي كانت تحمل لهم رؤوس الخنازير ومقدمها فقط  ليأكلوها في أيام أعراسهم وأعيادهم  ، عاد الفرنسي ليرى أن الحرية وحدها لا تكفى للعيش الكريم  فكانت حقوق الإنسان وكانت المصالحة الوطنية  بعد الدروس الصعبة و التي لا تمنح أبداً بالمجان للشعوب . وتختلف الشعوب عادة في إدراك  أهمية العلاقة بين الحرية والحضارة من حيث أن الحضارة تحتضن الحرية والحرية تؤدى إلى الحضارة ..فللحضارة تعريفات كثيرة أبرزها : أنها  التوحد المستقر تحت لواء القانون العادل  بغض النظر عن الاختلافات العرقية أو الإثنية أو أي اختلافات ، فالأمم المتحضرة هي تلك الأمم التي تستطيع أن تعلى من قيمة الإنسان من خلال الاعتراف به وبما يعتقد وعدم اشتراط أيدولوجية موحدة أو فرض فكر معين كشرط مسبق  للمواطنة ومع ذلك فإنه لليوم لم تبلغ الأمم ذلك المستوى الذى به تتوقف به عن المحافظة  فيه على حرية النوع والثقافة  فمايزال القائمون عليها يحاربون المد القادم من الخارج ومازالوا ينكرون ثقافة الآخر معتبرين أن الإبقاء على ثقافة وأيديولوجية المجتمع  أمر وطني نبيل وأنه يجب ألا يتغير امام أى تغير وافد او أى تطور و مازالوا ينظرون بعدائية للفكر المستورد باعتباره لغماً لا مساهمة حضارية  مهما كانت درجة رقي هذا القادم ولقد  أصبحت الثورة الفرنسية أقل أثراً وتقدمت أمريكا الصفوف لأنها تنازلت عن القيم المحلية  واتجهت نحو المساواة والعدالة وقبول الآخر مما جعلها قوة عالمية  وهو ما تأخرت عنه أوربا التي كانت تتكلف حوباً كبيراً لبسط سيطرتها في الوقت الذى نرى فيه الآن دولاً محتلة بالكامل من أمريكا دون إراقة دماء ولكن يبقى هذا التفوق الأمريكى مهدداً بردة وانتكاسة  الشعور بالتميز و التي ستضعه في عنصرية  التفوق والسبق والأمريكيون بتخليهم عما أدى بهم للتميز سابقاً سيتقهقرون لا محالة لاحقاً ..ويبقى السؤال.. ما علاقة هذا بثورتنا في مصر وباقى الدول العربية وماذا نستفيد من ذلك : ربما هناك ما يمكن تعلمه ممن سبقونا وهناك دروس لا يمكن أن نتعلمها إلا بخوض غمار التجربة . وأعنى بذلك أن هناك ثلاثة أمور هامة ورئيسية يجب ألا نختلف حولها :أولاً :  لا داع للخوف من الردة لأيام ما قبل الثورة  ،  لأن  هذا ربما يكون مستحيلاً فما حدث ليس ثورة على النظام  ، ما حدث كان ثورة على الذات أولاً وأخيراً والنظام لم يستسلم أمام قوة الثوار بل استسلم أمام التغير الذى حدث في الشعب والذى لم يكن للنظام القمعى أي دراية بإدارة مثل هذا النموذج من قبل فرأى في أيام ألا حل لبقاء النظام إلا بشراء نسخة قديمة  من الشعب أو استبدال الشعب بآخر يشبه من كان يحكمهم مع إحراق النسخة الجديدة فوراً إذا كان ذلك ممكناًوالأمر الثانى: وهو أن بعض الأمور ممكنة بسرعة وهو تغيير الرؤوس وبعض الأشخاص بل ومحاكمتهم  أما تغيير النظام فهو أمر يحتاج إلى وقت ومرتبط بجودة المجتمع وقدراته وهذا الوقت لابد  منه فما فسد في دهور لا تصلحه ساعة ثورة ومع ذلك فهناك درس ناقص أرجو ألا ننفق مزيدا من الدماء لنتعلمه  ألا وهو الوحدة الوطنية التي يجب أن ترتفع قيمتها فوق كل القيم فهى سر القوة وروح التأثير و مادمنا  قد علمنا أننا  قد تغيرنا بحق وأصبحنا احراراً على مستوى الأفراد فيجب أن نتأكد أنه لن تستطيع حكومة قمعية أو عميلة أن تقود هذا الشعب بعد اليوم فتلك الحكومات لو تعلمون أحرص على ألا تقترب أكثر من حرص الشعب  الحر على إبعادها  فما لديها ليس إلا بضاعة مزجاة وما نظام الحكم إلا ظل لنظام الشعب والشعب قد  تحرر من الداخل فلا عودة أبداً إلا اذا انقلب هذا الشعب إلى الكفر بالحرية بعد اعتناقها.الأمر الثالث :أننا يجب أن ننتبه إلى أن نوع العدالة التي نبحث عنها ستؤهلنا لقيادة العالم لأنها تختلف عن عدالة الغرب في تجردها وكونيتها  فهى   بالقطع  ستكون خيراً من عدالتهم تلك  لأن عدلهم منقوص دائماً حيث يتمتع بميزاته  جنسيات بعينها و أقاليم محددة  إضافة لأن هذه العدالة تتراجع كثيراً  في أعين العالم لأن الغرب اعتاد تغليب  مصالحه على قيمه وهو ما يجعله  كثيراً  يقف في صف المعتدي  ضد المعتدى عليه  طالما أنه مرتبط معه في تحالف ما، أرى اننا الأن امام ثورتين اولاهما تعمل على تأكيد التغيير والثانية للوقوف في وجه من يريد ان يسككنا في عصور  ماتت منذ عصور[email protected]@yahoo.comكاتب  وروائى مصرىمواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل