الوسطاء يمتنعون
الثورة ضربت الاستثمار الأجنبي المباشر.. حديث يتردد كثيرا هذه الأيام لكنه في الحقيقة قول حق يراد به باطل فظروف التغيير عادة ما يصاحبها تأثير مؤقت علي الاستثمار بشكل عام انتظارا للاستقرار وعودة الحياة لطبيعتها لكن في الأمدين المتوسط والقصير يصبح هذا التأثير إيجابيا بل قوة دافعة للتدفق الاستثماري.. في مثل هذه الظروف قد ينتظر المستثمر الجاد حتي تستقر الأمور والتوجهات لكنه في النهاية سيجد مناخا نقيا وطريقا واضحا خاليا من الفساد والرشوة التي تعد أكبر معوقات الاستثمار وألد أعداء برامج الجذب الاستثماري وفق أحدث الدراسات الاقتصادية.هذا الكلام ليس مرسلا وليس من قبيل الانطباعات بل لمسته بنفسي في حوارات متعددة مع كبار المستثمرين.. وكان غريبا أثناء انعقاد منتدي الاستثمار في مجموعة الكوميسا - دول الشرق والجنوب الإفريقي - الذي استضافته مصر في مدينة شرم الشيخ العام الماضي.. أن يتفق الجميع علي أن دعاوي عدم الاستقرار وضمانات الدفع لا تمثل كل معوقات الاستثمار في إفريقيا كما هو شائع لكن الفساد هو المتهم الأول والأخير في هروب الاستثمار.. بل أكد المستثمر المصري العالمي نجيب ساويرس أمام المنتدي ذاته أن تلميحات الرشوة والفساد كانت وراء غياب استثماراته عن عدد من الأسواق.وجود فساد في هذا المجال المهم والمطلوب لتشغيل الشباب يقلل من الحافز علي الاستثمار لأن رجال الأعمال في البيئة الفاسدة عليهم أعباء إضافية فهم مضطرون أو مجبرون علي دفع الرشي عند القيام بالإجراءات المختلفة المرتبطة بالمشروع والحصول علي التصاريح. وهذا بالطبع يرفع تكلفة الأعمال خصوصا للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.. وعلي العكس تماما فإن مناخ الحرية والشفافية كفيل بكشف كل فاسد ومرتش رجيم وسيعطي حتما زخما في التدفق الاستثماري فالفساد يزكم أنوف المستثمرين قبل أفراد الشعب. ليس معني هذا اعترافا - تصريحا أو تلميحا - باستشراء الفساد في أجهزتنا المعنية بالاستثمار أو الجهات المتصلة أعمالها بموافقات الاستثمار والتراخيص للمشاريع لكنه تأكيد علي أن مناخ ما بعد ثورة التحرير سيجعلنا أكثر تأهيلا للفوز بحصتنا التي نستحقها في الاستثمار بشرط الاستمرار في جهود تحسين مناخ الاستثمار وتنقية الإجراءات بجعلها واضحة مثل الشمس حتي لا نعطي الفرصة لدهاليز الوسطاء لتشويه صورتنا.نريد مرحلة جديدة للاستثمار تعتمد مبدأ الوسطاء يمتنعون وأن نعلنها صراحة للمستثمرين الجادين: ادخلوها بسلام آمنين رابحين معترفين مقرين بحق الشعب والمجتمع.
Comments